مجلس الأمن يقر عقوبات إيران.. وأوباما يحذر: رسالتنا لا لبس فيها

تركيا والبرازيل صوتتا ضد القرار ولبنان امتنع * أردوغان: سنواصل العمل الدبلوماسي مع طهران * لندن: القرار يكشف أن تكتيك طهران غير ناجح * موسكو وبكين: يجب تطبيق القرار بعناية

مندوبة البرازيل ماريا لويزا فيوتي (الثانية من اليمين) لم تؤيد قرار العقوبات الذي صوت عليه مجلس الأمن أمس برفع الأيدي (أ ب)
TT

أقر مجلس الأمن الدولي حزمة جديدة من العقوبات على إيران للمرة الرابعة منذ 2006، في محاولة لدفعها إلى تعليق نشاطاتها النووية الحساسة. وأقر مجلس الأمن القرار 1929 المقدم من الولايات المتحدة بموافقة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بـ12 صوتا، مقابل امتناع لبنان عن التصويت وتصويت تركيا والبرازيل ضده. ويوسع القرار الجديد مجال العقوبات التي سبق أن أقرها مجلس الأمن في ديسمبر (كانون الأول) 2006 ومارس (آذار) 2007 ومارس 2008.

واتفقت القوى الدولية الكبرى أمس على أن قرار العقوبات «لا يغلق باب التفاوض مع طهران»، موضحة أن قرار العقوبات يأتي ردا على رفض إيران وقف تخصيب اليورانيوم وعدم تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية بالشكل الملائم لطمأنة المجتمع الدولي إلى أن برنامج إيران النووي حصرا للأغراض السلمية وليس له أي جانب عسكري.

ويركز القرار على منع إيران من الاستثمار في الخارج في بعض الأنشطة الحساسة مثل مناجم اليورانيوم، إضافة إلى إمكان تفتيش سفنها في المياه الدولية. ويحظر أيضا بيع طهران أنواعا جديدة من الأسلحة الثقيلة، مثل الدبابات. والمشروع مرفق بثلاثة ملحقات تتضمن لائحة جديدة من الأفراد والهيئات والمصارف الإيرانية تضاف إلى الذين سبق أن فرضت عليهم عقوبات مثل تجميد الأرصدة والمنع من السفر إلى الخارج. ولا تتضمن الملحقات إلا اسم شخص هو جواد رحيقي رئيس مركز التكنولوجيا النووية في أصفهان التابع للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية و40 مصرفا بينها 22 تعد مرتبطة بالأنشطة النووية والباليستية الإيرانية و15 يشرف عليها الحرس الثوري أو مرتبطة به، وثلاثة مصارف تسيطر عليها «الشركة البحرية» للجمهورية الإسلامية. وبعد التصويت أعلنت سوزان رايس السفيرة الأميركية أن مجلس الأمن «كان على مستوى مسؤولياته وعلى إيران الآن أن تختار طريقا أكثر حكمة». من جهته أعلن السفير البريطاني مارك ليال غرانت باسم الدول الكبرى الست أن «اعتماد القرار يبقي الباب مفتوحا أمام مواصلة الحوار» بين هذه الدول وإيران.

وتابع «نأمل أن تبدي إيران براغماتية في التعاطي وأن ترد بشكل إيجابي على انفتاحنا على الحوار وعلى التفاوض. نرغب في إعادة تأكيد تصميمنا والتزامنا بالتوصل سريعا إلى حل تفاوضي للملف النووي الإيراني». وفيما قالت السفيرة البرازيلية ماريا لويزا فيوتي شارحة موقف بلادها المعارض للقرار إن البرازيل «لا تعتبر العقوبات وسيلة فعالة في هذه الحالة» مذكرة بالاتفاق الذي توصلت إليه البرازيل مع تركيا في منتصف مايو (أيار)، أعربت تركيا عن خشيتها من أن يعرقل القرار التوصل إلى تسوية دبلوماسية لأزمة برنامج إيران النووي. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إن «تركيا قلقة لاحتمال أن يضر قرار مجلس الأمن بالجهود الدبلوماسية، وبالنافذة التي فتحت أمام تسوية سلمية لمسألة البرنامج النووي الإيراني»، بينما اعتبر مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستواصل العمل الدبلوماسي مع إيران فيما يتعلق باتفاق التبادل النووي.

من ناحيتها اعتبرت الولايات المتحدة تصويت مجلس الأمن لصالح العقوبات خطوة مهمة لتحميل طهران مسؤولية عدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن ومعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن «على الحكومة الإيرانية أن تفهم أن الأمن الحقيقي لن يأتي من خلال الأسلحة النووية»، محذرا من «الخطوات التي تثير القلق» التي تتخذها إيران لتطوير برنامجها النووي. وأضاف في تصريح للصحافيين في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة «تقر بحقوق إيران» بالحصول على الطاقة النووية السلمية، إلا أنه أردف قائلا: «مع هذه الحقوق تأتي المسؤوليات ومرة تلو الأخرى تفشل إيران في الالتزام بتلك المسؤوليات»، قائلا إن رسالة مجلس الأمن لإيران «لا لبس فيها».

وأكد الرئيس الأميركي أن قرار مجلس الأمن ينصب في مصلحة حماية معاهدة حظر الانتشار الذي قال إنه سعى لحمايتها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، مشيرا إلى أن «إيران الدولة الوحيدة الموقعة على المعاهدة التي لم تقنع المجتمع الدولي بالطابع السلمي لبرنامجها النووي». واعتبر أوباما أن «تصويت اليوم (أمس) يظهر تكلفة تصرفات إيران» وأن رفض إيران الالتزام بمسؤولياتها بحسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية سيكلفها المزيد. وفي الوقت نفسه، شدد أوباما على أن هذا القرار «لا يغلق الباب أمام الدبلوماسية»، مؤكدا مواصلة تلك الجهود مع شركاء الولايات المتحدة.

وحرص أوباما على التأكيد أن «العقوبات ليست موجهة ضد الشعب الإيراني». وأشار إلى خطابه في القاهرة العام الماضي للعالم الإسلامي الذي أعلن فيه عن استعداده للتواصل مع إيران، قائلا: «مثلما قلت في القاهرة: منذ عقود والحكومة الإيرانية تحدد نفسها بمعارضة بلدي، ولكن عندما واجهت فرصة للتوصل إلى طريق جديد للأمام ينفع شعبها، اختارت الحكومة الإيرانية أن تبقى رهينة الماضي». وتحدث أوباما في خطابه عن الوضع الداخلي الإيراني قائلا: «يوم السبت يشهد الذكرى الأولى لانتخابات أثارت انتباه العالم، وهو حدث كان يجب أن نتذكر فيه كيف شارك الشعب الإيراني بحماس لافت، ولكن بدلا من ذلك سنتذكر كيف قمعت الحكومة الإيرانية المعارضة وقتلت الأبرياء، بما فيهم سيدة شابة تركت لتموت في الشارع»، في إشارة إلى ندى سلطاني.

وحذر أوباما الحكومة الإيرانية من أن «الأحداث لها نتائج، واليوم ستواجه الحكومة الإيرانية بعض هذه النتائج، لأن الحكومة الإيرانية تهدد نظام منع انتشار الأسلحة النووية وحقوق إنسان مواطنيها واستقرار جيرانها من خلال دعم الإرهاب، حيث إن الحكومة الإيرانية تواصل إظهار أن تصرفاتها غير العادلة تهدد العدالة في كل مكان».

وتشير مصادر أميركية مطلعة إلى أن الخطوات المقبلة للتعامل مع الملف الإيراني تعتمد على تحركات الحكومة الإيرانية وردها على مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن. وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن قرار مجلس الأمن يدعم «جهودنا الدبلوماسية» ضد إيران، خاصة مع موافقة روسيا والصين عليه وعلى الرغم من رفض تركيا والبرازيل التصويت لصالحه. وبينما تعتبر واشنطن أن الاتفاق التركي - البرازيلي مع طهران حول منشأة طهران للبحوث العلمية غير كاف لإثبات الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، أكدت مصادر أميركية مواصلة المشاورات مع «الشركاء الدوليين» في الفترة المقبلة حول هذا الاتفاق. وأفاد بيان من البيت الأبيض أن «قرار 1929 يزيد التكلفة على القيادة الإيرانية لتحديها المتواصل للمجتمع الدولي وتهدف إلى إقناع إيران بأن من مصلحتها حل القلق القائم حول برنامجها النووي بشكل سلمي». وأضاف البيان أن القرار «رد واضح وقوي لرفض إيران لمعالجة القلق الدولي حول برنامجها النووي».

وقالت مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون إنها مستعدة لمقابلة سعيد جليلي المفاوض النووي الإيراني لبحث مشروع التخصيب النووي الإيراني. وأوضح متحدث باسمها في بيان «الهدف من جهودنا هو تحقيق تسوية شاملة طويلة المدى تعيد الثقة الدولية في الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني». واعتبرت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين أن القرار خطوة لإعادة إيران لمائدة التفاوض. وقال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إن القرار يشكل «خطوة مهمة جدا.. وهي تكشف التصميم الدولي في هذا الصدد». وتابع «كما تكشف أن التكتيك الإيراني الرافض بكل بساطة للتفاوض حول برنامجه النووي ليس تكتيكا قابلا للنجاح».

وأوضح مسؤول في الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» أن قرار العقوبات لا يعني رفضا لاتفاق التبادل النووي بين إيران وتركيا والبرازيل، مشيرا إلى أن هناك مطالب غربية لطهران لإنجاح الاتفاق من بينها وقف التخصيب. وتابع: «الجهة الوحيدة التي يمكن أن تغلق الباب في وجه اتفاق التبادل هو إيران. فهذا العرض من مصلحة إيران لأنه يسمح لها بالحصول على الوقود لمفاعلها البحثي في طهران. ومن مصلحة إيران أن تجد وسيلة لفعل هذا.. فنحن مستعدون للحوار ونفس الأفكار التي طرحناها عام 2006 حول مساعدة إيران في برنامج نووي سلمي وتحسين التعاون الاقتصادي، كل هذا ما زال على الطاولة. فلم يتم سحب هذه الأفكار من فوق الطاولة مع إقرار العقوبات.. إذا كانت إيران راغبة في استخدام مبادرة التبادل النووي كوسيلة للعودة للتفاوض ومناقشة كل القضايا النووية، بما في ذلك وقف التخصيب، فإن هذا سيجعل العرض البرازيلي التركي أكثر أهمية بكثير». وتابع: «لكن لا بد من إلغاء التخصيب بنسبة 20% لأن طهران يمكن أن تستخدم ذلك اليورانيوم عالي التخصيب للأغراض العسكرية. وبالتالي لدينا سبب للقلق، فليس هناك مبرر للتخصيب بتلك الدرجة إذا كان البرنامج للاستخدام السلمي».

وفيما قال سفير روسيا في الأمم المتحدة إن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران «ضرورية تماما.. وتطبيق القرار يستلزم أسلوبا محسوبا بعناية وحذر بحيث يخلو من الإفراط»، دعا مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة إلى التطبيق الكامل للقرار. وقال السفير لي باودونغ «الصين تدعو جميع أعضاء المجتمع الدولي لتطبيق القرار بصورة كاملة وبنية صادقة». وأضاف أن من «الضروري العودة إلى مسار الحوار والمفاوضات»، مشددا على أن الهدف من العقوبات الجديدة هو إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات، وهو نفس ما شددت عليه ألمانيا موضحة أن العقوبات أرسلت إشارة واضحة بأنه ينبغي أن لا ينتج البرنامج النووي قنابل، ولكن الهدف ما زال إيجاد حل دبلوماسي للخلاف. وتابعت الخارجية الألمانية: «هدفنا ما زال إيجاد حل دبلوماسي. الباب ما زال مفتوحا للتعاون والشفافية».

من ناحيتها حملت باريس السلطات الإيرانية مسؤولية العقوبات. وقالت الخارجية الفرنسية في بيان لها إن إيران «لم تترك للمجموعة الدولية خيارا آخر». وقالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن دول الاتحاد الأوروبي ستبدأ قريبا جدا مناقشات لـ«مواكبة» قرار مجلس الأمن أي لفرض عقوبات إضافية أوروبية. وأفادت هذه المصادر في لقاء مع مجموعة صحافية أمس أن «صياغة القرار الدولي» تمت بشكل يتيح للاتحاد توسيع العقوبات المفروضة وتشديدها وفرض عقوبات إضافية في كل المجالات التي جاءت على ذكرها العقوبات الدولية. غير أن العقوبات الأوروبية «لن تتناول قطاع الطاقة» الذي بقي بعيدا عن العقوبات الدولية. لكنها لم تستبعد أن تتركز عليه العقوبات اللاحقة في حال تبين أن إيران تصم أذنيها عن دعوات الأسرة الدولية.