ثورة غضب أدميرال تكشف توجس بكين تجاه واشنطن

الجيش والحزب في الصين: يتضاربان أم يتبادلان الأدوار عند التعامل مع أميركا؟

TT

في 24 مايو (أيار) الماضي، داخل قاعة اجتماعات واسعة في مقر لاستقبال الضيوف الرسميين للدولة في دياويوتاي ببكين، نهض الأدميرال الصيني غوان يوفاي، لإلقاء كلمته. يعرف يوفاي في أوساط المسؤولين الأميركيين باعتباره المسؤول عن «التعامل مع الهمج»، ما يعني أن وظيفته تتمثل في التعامل مع الأجانب، وليس قيادة الجنود.

وقف غوان أمام نحو 65 مسؤولا أميركيا، يشكلون جزءا من أكبر وفد ترسله الحكومة الأميركية على الإطلاق إلى الصين، وقال إن الفضل في كل الأمور التي تسير على نحو صائب في العلاقات الصينية - الأميركية يعود إلى الصين، بينما تتحمل الولايات المتحدة اللوم عن كل الأمور التي تتخذ منحى خاطئا. اتهم الولايات المتحدة بأنها «قوة هيمنة» وأنها تخطط لتطويق الصين بتحالفات استراتيجية. إلا أنه وجه النصيب الأكبر من حنقه إلى مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة إلى عدو الصين اللدود، تايوان. كما أعرب عن اعتقاده أن هذه الصفقات تبرهن أن واشنطن تعد بكين عدوا لها.

من جهتهم، اعتبر مسؤولون أميركيون حديث غوان الذي استمر ثلاث دقائق شذوذا عن القاعدة المألوفة. وانتقد مسؤول أميركي بارز كان مسافرا على متن الطائرة التي أقلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في طريق عودتها إلى الولايات المتحدة، قائلا إن كلمة غوان تشكل «انحرافا» عن نهج باقي الكلمات التي ألقيت خلال فعاليات «الحوار الاستراتيجي والاقتصادي» التي استمرت يومين. والأسبوع الماضي، سعى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، في كلمة له في سنغافورة، لتصوير ليس غوان فقط، وإنما جيش التحرير الشعبي برمته على أنه كيان يغرد خارج السرب وأنه عازم على إعاقة بناء علاقات أفضل بين بكين وواشنطن، في وقت تتحرك فيه باقي أجهزة الحكومة الصينية في هذا الاتجاه.

إلا أن مقابلات عقدت في الصين مع مجموعة واسعة من الخبراء والمسؤولين والضباط الصينيين توحي بأن الحديث الصاخب الذي أطلقه غوان، على الرغم من قسوته المثيرة للإحباط، يمثل الآراء التي تشكل التيار الرئيسي داخل الحزب الشيوعي الصيني، وأن المنحرفين الحقيقيين عن النهج الرئيسي ربما يكونون أولئك داخل الحكومة الصينية الراغبين في الوقوف إلى صف الولايات المتحدة.

في حديثه، شدد غوان على أنه بعد 31 عاما من تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، لا تزال مشاعر ريبة عميقة قائمة داخل بكين. ويعد الاعتقاد بسعي واشنطن لكبح جماح التقدم الصيني جزءا أساسيا من التعاليم التي يقوم عليها الحزب الشيوعي وأحد الأسس التي يستمد منها شرعيته.

وينظر كثير من الخبراء والمسؤولين الأمنيين الصينيين إلى سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه تشجيع المشاركة الصينية في تسوية المشكلات العالمية - بما في ذلك التغيرات المناخية والأزمة المالية العالمية والتحديات الأمنية المرتبطة بإيران وكوريا الشمالية - ليس كمحاولات لتصعيد الصين إلى مصاف القيادات العالمية، وإنما كمخطط لإيقاعها في شرك شبكة معقدة من الالتزامات تصيبها بالشلل.

وقال مسؤول صيني رفيع المستوى يتعامل مع واشنطن بانتظام ورفض الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول الحديث للصحافيين: «كان الأدميرال غوان يمثل ما نعتقده جميعا بخصوص الولايات المتحدة في ضمائرنا. ربما لم يكن من الصائب سياسيا قول ذلك، لكن الأمر لم يكن حادثا عرضيا».

وأعرب جنرال في جيش التحرير الشعبي رفض الكشف عن هويته، عن اعتقاده أن «من السخف الحديث عن وجود فرق عند الحديث عن الولايات المتحدة. إن الجيش يتبع الحزب. هل تظن فعلا أن غوان أقدم على هذا الأمر بصورة انفرادية؟».

والملاحظ أن خوف بكين من واشنطن بدا شديد الوضوح خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي خلال «حوار شانغري لا» (المؤتمر الأمني في سنغافورة) حيث تكررت الصدامات بين غيتس ونظرائه الصينيين على امتداد البرنامج.

وقال غيتس إن من غير الضروري بالنسبة لجيش التحرير الشعبي تقييد العلاقات العسكرية بين الجانبين نظرا لأن مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان «بصراحة شديدة، لا تعدو كونها أنباء قديمة». ويشار إلى أن واشنطن تقدم مساعدات عسكرية لتايوان منذ عام 1949، عندما فرت الحكومة القومية الصينية إلى الجزيرة في أعقاب انتصار الشيوعيين داخل الأراضي الرئيسة من الصين. ولم تتوقف هذه المساعدات عندما طبّعت واشنطن علاقاتها ببكين عام 1979.

من ناحيته، أكد الميجور جنرال زهو تشينغهو قائلا: «أنتم أيها الأميركيون تنظرون إلى الصين كعدو لكم». كان صيت زهو قد ذاع عام 2005 في الصين بعد تحذيره من أنه في حال تدخل الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان في حرب أمام الصين، ستتخلى الصين عن عقيدة «الامتناع عن المبادأة» باستخدام السلاح النووي وتهاجم الولايات المتحدة.

في يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت واشنطن تقديم حزمة أسلحة لتايوان بقيمة 6.4 مليار دولار، مما دفع بكين إلى تقليص علاقاتها العسكرية مع واشنطن. ويعد الموقف الصيني حيال هذه القضية جزءا من حملة منظمة لتغيير أحد الأسس التي تقوم عليها السياسة الأميركية بالمنطقة؛ علاقتها الأمنية بتايوان. وأشار مسؤولون صينيون إلى أنهم يرغبون من إدارة أوباما، على الأقل، في إعادة التأكيد على التزام أعلنته واشنطن في بيان مشترك مع الصين عام 1982 بتقليص مبيعات الأسلحة لتايوان.

ويرى محللون أن نظر الولايات المتحدة إلى حديث غوان وجيش التحرير الشعبي برمته باعتبارهما شاذين عن النهج الصيني المألوف، يحمل دلالات مهمة لأن إدارة أوباما ربما تسقط جراء هذه النظرة في شرك توقع تقديم الصين لما هو أكبر مما بمقدورها تقديمه بالفعل. على سبيل المثال، على متن الطائرة في طريق العودة إلى الولايات المتحدة، توقع مسؤولون أميركيون أنه على الرغم من ثورة الغضب التي أبداها غوان، فإن الصين سترحب بغيتس وستقف إلى صف كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية في أعقاب صدور تقرير في سيول يدين نظام كيم يونغ إيل في حادث غرق سفينة حربية كورية جنوبية في 26 مارس (آذار) الماضي. إلا أن بكين لم تفعل أيا من ذلك، ويشير ضباط في جيش التحرير الشعبي إلى أن المؤسسة العسكرية لديها توجس عميق حيال التقرير الكوري الجنوبي.

كما أعرب مسؤولون أميركيون عن أملهم في أن تعمل الصين بجد أكبر للضغط على إيران للمشاركة في محادثات حول برنامجها لإنتاج أسلحة نووية. كما ترغب الولايات المتحدة في تعاون الصين في جهود فرض عقوبات جديدة ضد إيران. والملاحظ أن بكين أبدت مرونة أكبر إزاء هذه القضية، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت ستؤيد العقوبات في النهاية. من جهتهم، يرى محللون صينيون أن إدارة أوباما تتجاهل ما تصفه الصين بـ«مصالح وطنية جوهرية»، خاصة صفقات الأسلحة الأميركية إلى تايوان، بما يعرضها هي ذاتها للخطر.

وقال كيوي ليرو، رئيس المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، وهو منظمة فكرية تخضع لإدارة وزارة أمن الدولة: «على مدار سنوات، عارضت الصين مبيعات الأسلحة لتايوان من بين قضايا أخرى، لكننا لم نتمتع بقوة كافية تسمح لنا باتخاذ أي إجراء فعلي. لكن قوتنا الوطنية تنامت، وحان الوقت كي تولي الولايات المتحدة اهتماما لهذا الأمر». وأضاف: «هذه النقطة لا يمكن تجاهلها من قبل حكومتك. إنها أمر يجب التعامل معه وإلا سيضر بالعلاقات على نحو خطير».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»