أردوغان: هناك من حاول منع تطور العلاقات التركية ـ العربية.. ونستغرب استعجال عقوبات إيران

إسطنبول تستضيف مؤتمرين عربيين - تركيين وتعد بـ«الاهتمام» بقضايا المنطقة

أوغلو يتوسط وزراء خارجية ليبيا والاردن وسورية ولبنان وامين عام الجامعة العربية في منتدى اسطنبول أمس (أ.ب)
TT

استعادت تركيا أمس بعضا من صور «الإمبراطورية العثمانية» في مؤتمرين استضافتهما العاصمة الاقتصادية لـ«الجمهورية التركية»، إسطنبول، عنوانهما التقارب التركي - العربي. وحرص رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على «تذكير» المشاركين في الملتقى الاقتصادي التركي - العربي، الذي بدأ أعماله أمس بأن العلاقات بين تركيا والدول العربية تعود إلى حين كانت المنطقة واحدة، فيما رسم وزير خارجيته أحمد داود أوغلو حدودا نظرية للدور التركي تبدأ من موريتانيا وفاس وصولا إلى مضيق هرمز وإسطنبول، متعهدا بـ«الاهتمام» بكل قضايا المنطقة لجلب «الأمن والرفاه» إليها.

وفي المقابل، كان منتدى وزراء الخارجية العربي - التركي ينعقد في مكان مجاور للملتقى الأول، وتم التوقيع فيه على مشروع قيام منطقة تجارة حرة تركية - سورية - لبنانية - أردنية، بالإضافة إلى بيان مشترك سيصدر اليوم يتحدث عن القضايا السياسية.

ويتزامن المؤتمران، مع تزايد الحديث عن الدور التركي المتصاعد في المنطقة العربية تحديدا، وهو دور رحب به الأمين العام للجامعة العربية «تحت سقف الثوابت العربية والدور العربي» كما قال موسى لـ«الشرق الأوسط»، معتبرا أنه «آن الأوان لتغيير المناخ العام الذي أدى إلى تراكم الهزائم»، قائلا: «نحن نرحب بالدور التركي كما ترحب تركيا بالدور العربي».

وكانت الكلمة الأبرز لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي استهل كلمته بالتأكيد «أن مجرى التاريخ يعود إلى طبيعته». وعرض أوغلو لرؤية تركيا لمستقبل الوضع في المنطقة من موريتانيا إلى فاس (المغرب) ومضيق هرمز وإسطنبول، مشددا على أن السدود التي أقيمت في وجه الانفتاح التركي في المنطقة بدأت في السقوط، وأن تركيا سوف «تهتم» بكل مشكلات المنطقة.

واعتبر أن الجدران (بين تركيا والعالم العربي) بدأت تنهار وستسير المنطقة بخطى ثابتة وفق رؤية جديدة عنوانها «التعاون والتكامل السياسي والاقتصادي»، مما يجعل منها حوضا مشتركا آمنا ومستقرا ومزدهرا. معتبرا «أن تحقيق ذلك، يقتضي إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، ففلسطين كانت ولا تزال المحور الأساسي لأمن المنطقة». وأكد أوغلو، أن «تركيا معنية بكل قضايا المنطقة، وستهتم بجميع تفاصيلها».

ثم تحدث أوغلو عن النموذج الناجح للعلاقات التي أضحت تجمع بين تركيا وكل من سورية ولبنان والأردن، والتي بفضلها أضحت تلك الدول، «تشكل بيئة رباعية لا حواجز بينها للتبادل التجاري ودخول الأفراد، خصوصا بعد تبادل تلك الدول جميعها بعضها مع بعض ومع تركيا، لاتفاقيات إلغاء تأشيرات الدخول والزيارة. وتلك البيئة تجربة ناجحة ومفتوحة أمام باقي الدول العربية للانضمام إليها». وأكد أن «تركيا ستعمل على تحويل المنطقة إلى منطقة راقية ومنطقة رفاهية. وهي ستشهد تغييرات راديكالية يطغى عليها المنحى الإيجابي».

ثم تحدث الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، فأكد «أن ثمة العشرات من نقاط الالتقاء بين تركيا والعالم العربي، وهو ما يعزز من أهمية المصالح المتبادلة التي تزداد قوة وحجما. نحن نتشارك مع تركيا التاريخ والفكر والأمل». وقال: «لقد عملنا ما بوسعنا لتعزيز العمل المشترك بهدف تأمين الأمن والاستقرار والرفاه. ولا ننسى أن العلاقات في هذه المنطقة تنمو في أجواء متوترة أصلا. اللقاء الذي يجمع تركيا والبلدان العربية اليوم يُعيد العلاقات إلى مسارها الطبيعي». وأضاف «لقاؤنا اليوم الذي يجمع العدد الكبير من الوزراء والرسميين العرب والأتراك، يعكس تطور العلاقات بين تركيا وبلدان العالم العربي. والمكسب من هذا التقارب مشترك ويصب في مصلحة الطرفين. وأعتقد أن لا وجود لأي أساس حقيقي لأي حساسيات بين الطرفين. وبهذه الطريقة نحقق الاستثمار الأمثل في مستقبل العلاقات».

وقال «لقد فهمت إسرائيل دور تركيا وقدرة علاقاتها على تخفيف التوترات. بالمقابل ماذا تفعل؟ إنها تلعب دور (الثقب الأسود) في العلاقات السياسية الإقليمية. ويسير هذا الدور بعكس الدور التركي في المنطقة. إن تركيا تعطي إضافة إيجابية من خلال دورها، إلى المنطقة، كما تلعب دورا في التصدي للتحديات، ومنها ما هو واقع تحت عنوان القضية الفلسطينية التي ينبغي حلها».

وختم موسى مرحبا بالدور التركي تماما كما ترحب تركيا بالدور العربي المتصاعد. والأدوار المشتركة التي يستطيع الطرفان لعبها اليوم هي في 3 عناوين: فلسطين، والأمن الإقليمي، والتقدم والرفاه.

وأكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الأهمية التي يعلقها جميع دول المنطقة لتطوير العلاقات العربية - التركية. ولفت الحريري إلى «المرحلة الحساسة جدا التي تعيشها المنطقة على كافة الأصعدة، نتيجة ما تسببه الغطرسة والإجرام الإسرائيلي من معاناة لدول وشعوب المنطقة، في وقت لا تزال الدول العربية تمد يدها للسلام وتمسكها بمبادرة الملك عبد الله، التي تم طرحها في قمة بيروت». وقال «يعي لبنان أهمية التنسيق والتفاهم بين تركيا والعرب، وهو يوظف كافة إمكانياته لدعم الموقف العربي القاضي بإحقاق حق الفلسطينيين في العودة إلى دولة مستقلة عاصمتها القدس. وتأتي تلك الجهود من ضمن تركيز لبنان الدائم على حماية نفسه من المخاطر المحدقة به من قبل إسرائيل، وتدعيم استقراره الداخلي». وأضاف «عانت منطقتنا طويلا من الغطرسة والإجرام والهمجية الإسرائيلية، فيما تسعى الدول العربية والإسلامية إلى سلام عادل وشامل في المنطقة على أساس مرجعية مؤتمر مدريد ومبادرة قمة بيروت العربية للسلام. ونحن في لبنان، هذا البلد الصغير بحجمه، نعي جيدا أهمية التنسيق والتفاهم بين الأشقاء العرب وتركيا، ونحن نوظف جميع إمكاناتنا السياسية والدبلوماسية لتدعيم الموقف العربي، ليكون قوة موحدة ومتماسكة من أجل إحقاق حق الفلسطينيين في العودة إلى دولة مستقلة عاصمتها القدس. أما على المستوى الوطني، فإن هدفنا الأساسي اليوم هو حماية لبنان من المغامرات والغطرسة الإسرائيلية وتدعيم الاستقرار الداخلي. وكشف الحريري عن زيارة سيقوم بها أردوغان إلى بيروت في يوليو (تموز) المقبل، لترجمة أفكار التعاون فيما بيننا ومشاريع الاتفاقيات الجديدة إلى خطوات ملموسة جديدة.

وختام الكلمات كان مع أردوغان الذي استهل كلمته بالقول «نحن لا نتشارك الجغرافيا والهواء فحسب بل نتشارك أيضا التاريخ والحضارة والثقافة. واليوم تعمل حكومتنا مجتمعة على تعزيز التعاون مع كل دول العالم وبشكل خاص الدول العربية». ووصف الاتهامات التي تفيد بأن تركيا تتحول عن البلدان الغربية بأنها «دعاية قذرة». وقال إنه عندما استثمرت فرنسا في سورية أو في بلدان عربية أخرى، لم تحصل مشكلات «لكن عندما يتعلق الأمر بتركيا التي تستثمر في البلدان العربية أو العكس، تحاول دعاية قذرة منع هذه العملية». وأضاف أن «الذين يقولون إن تركيا قطعت علاقاتها مع الغرب هم عملاء دعاية تحركهم نوايا سيئة». وأضاف «نلاحظ أن هناك أسئلة في الإعلام مثل: هل يحصل حاليا تغيير محوري في تركيا؟ هل تبتعد تركيا عن الغرب؟ وأن هذه الأسئلة ليست جديدة وهي نابعة من أهداف غير إيجابية. ثمة من حاول منع تطور العلاقات التركية - العربية لفترة طويلة من الزمن. لقد قدمت تركيا طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1959 وقد واجهنا العراقيل والموانع، وحتى بعد مباحثات عام 2005، نرى أن ثمة دولا ترغب في خلق العراقيل. لكن نحن لا نأبه لذلك وقد قمنا بإصلاحاتنا. لكن المشكلة أن ثمة لدى البعض أجندات سرية وأخرى معلنة. نحن نعتبر أنفسنا في مرحلة اختبار مع الاتحاد الأوروبي. وسؤالنا اليوم هو، هل الاتحاد الأوروبي مخلص أم لا؟».

وأكد أردوغان أن تركيا ستواصل تعزيز دورها على الصعيد الدولي، وقال: «مؤخرا كان لنا دور كبير في مجلس الأمن الدولي. وسيكون لنا دائما مواقف من كل القضايا الدولية، سواء في القوقاز والبلقان أو الشرق الأوسط. أما في الموضوع الإيراني فقد قمنا بما يؤدي إلى تهدئة الخواطر في المنطقة. ونحن منذ البداية نسعى إلى حلول سلمية من خلال إجراء مناقشات هادئة بين الجميع. هدفنا هو حل كل الأمور العالقة من خلال الجلوس إلى طاولة التفاوض بدلا من استخدام الإقصاء والسلاح والحصار الذي لن يوصل إلى نتيجة أبدا. لقد دفع العالم ثمنا كبيرا في العراق وأفغانستان. ونسأل: من المسؤول عن مئات الآلاف من الأرامل؟ يجب العثور على إجابات. هل نسكت؟ من حوّل هذه المنطقة إلى ما هي عليه اليوم يجب أن يقدم حسابا للتاريخ. هل تحقق السلام في فلسطين؟ لا. نحن من جهتنا نؤمن بوجود حل، لكن البعض في المنطقة لا ينظر إلا إلى مصالحه. لقد ذهبنا إلى طهران من أجل أن تسود لغة التفاوض والدبلوماسية. وعمليا تم إبرام اتفاق، والجميع قال لنا إن ما أحرزناه هو إنجاز، حتى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. لكن ما حصل هو اتخاذ قرار بالعقوبات. لماذا الاستعجال؟ لا نعلم. لو لم تف إيران بتعهداتها كان يمكن اتخاذ قرار من هذا النوع. نحن من جهتنا سنواصل مع البرازيل الدور الإيجابي البناء، لأننا نعتقد أن الدبلوماسية هي الحل. إذا لم يتم اتخاذ خطوات معتدلة، أعتقد أن التاريخ لن يغفر ومعه الأجيال المقبلة».

ووجه أردوغان إشارة لافتة إلى سورية «التي كنا على شفير الحرب معها قبل نحو 10 سنوات»، وقال: «عندما انتخبت قلت لأخي الرئيس الأسد إنه لا يوجد بيننا ما لا يمكن حله، وهكذا كان، واليوم العلاقة مع سورية هي أكثر من ممتازة، والسوريون والأتراك يزورون بعضهم بشكل عادي. ونقل عن مواطن تركي قوله لصحيفة أميركية، أن تركيا هي سورية اليوم، وسورية هي تركيا. كل الموانع والحواجز الاصطناعية بين العرب وتركيا يتم إلغاؤها حاليا. مذكرا الجميع بأن «لا أحد يحقق الربح من الحقد والكراهية سوى تجار الأسلحة وبارونات الحروب والمحاور الإرهابية. وبدل صرف المال على الفقراء ثمة من يصرف على الأسلحة. وعندما طالبنا بالعدالة في المنطقة وإحقاق الحق، أصبحنا هدفا للدعاية من إسرائيل وإدارتها من خلال توجيه الصحافة والإعلام ضدنا».

وعن الاعتداء الإسرائيلي على سفن المساعدات المتوجهة إلى غزة، قال: «قتلوا 9 من مواطنينا وأصابوا 24. وثمة من أطلق الرصاص على رأسه بشكل مباشر وواضح. وتلقى جميع ركاب السفن الإنسانية معاملة وحشية. لقد رأيت جروح المصابين الأتراك بعيني، إن ما حدث كان مذبحة. السؤال اليوم، هل سنلتزم الصمت ولا نرد؟ لن يحصل ذلك، لأن ذلك سيكون مصادقة على إرهاب الدولة والقرصنة التي حدثت في المياه الدولية. ولن نقدم أي تنازلات في هذا الشأن».

وأكد أردوغان أن ما تقوم به تركيا ليس استعراضا، وأضاف: «نحن نعتقد أن عدم احترام الحقوق والقرصنة لا يفيد. ونعتقد أننا نحن كساسة وأنتم كرجال أعمال، إذا لم نحتكم إلى القانون فإننا نخطئ. ولهذا السبب نحن نوجه جهودنا وبشكل مقبول إلى الأطراف التي تريد السلام».

خليج البصرة

* حرص المسؤولون الأتراك على استعمال اسم «خليج البصرة» للإشارة إلى الخليج العربي، علما أن إيران وبعض دول الغرب تطلق عليه اسم الخليج الفارسي.

وتأتي تسمية «خليج البصرة» انطلاقا من الاسم الذي كان يستعمل في الوثاق العثمانية القديمة.

المسلسلات التركية.. و«مهند» نجم المؤتمرات حرص المنظمون الأتراك على أن يكون النجم التركي المعروف باسم «مهند» حاضرا في الحفل الرسمي الذي أقامه وزير المال التركي لاستقبال المشاركين في المؤتمر.

وقد أشار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بدوره إلى أهمية هذه المسلسلات التي تنتشر في وسائل الإعلام العربية. قائلا «نحن ندعم المسلسلات التركية في العالم العربي التي تملك صدى جيدا» مشيدا بدور هذه المسلسلات في «التقريب بيننا».