واشنطن: تكثيف العقوبات الأحادية على إيران.. وإحباط من تصويت تركيا

طهران تنتقد «المعايير المزدوجة للغرب» وتحذر الصين من فقدان مكانتها * موسكو تعلن تجميد صفقة صواريخ «إس - 300» * دا سيلفا: العقوبات من باب «العناد»

هيج وكليغ خلال مباحثاتها في برلين والتي تعلق جانب منها بإيران أمس (إ ب أ)
TT

بعد إصدار مجلس الأمن قرار عقوبات جديدة على إيران، بعد جهود أميركية استمرت أشهرا طويلة، تعمل واشنطن الآن على التنسيق مع حلفائها ودول حول العالم لتطبيق العقوبات الجديدة على إيران. ويتولى المستشار الأعلى لوزارة الخارجية الأميركية لمنع انتشار الأسلحة النووي روبرت اينهورن التنسيق مع دول عدة لتطبيق العقوبات وتوسيع نطاقها خلال الفترة المقبلة. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أكد أن العقوبات الجديدة «لا تغلق الباب أمام الدبلوماسية»، فإن التركيز الأميركي الحالي هو على تطبيق العقوبات الدولية من جهة والتنسيق مع دول أخرى على تطبيق عقوبات أحادية الجانب على إيران، في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي.

ومن اللافت أنه على الرغم من تصويت تركيا ضد القرار الدولي الجديد في مجلس الأمن، فإنها أكدت التزامها به، مما يجعل واشنطن تراقب طريقة تطبيقها له. وقال وكيل وزير الخارجية الأميركي ويليام برنز أول من أمس «لن أخفي حقيقة إحباطنا من التصويت الذي جرى. وقد أوضح المندوب التركي في نيويورك أن تركيا تشارك القلق الدولي بأن إيران لم تلتزم بالتزاماتها الدولية، ولم تجب عن أسئلة طرحتها وكالة الطاقة الذرية الدولية». وأضاف «لقد لاحظنا بيان تركيا أنها كعضو في الأمم المتحدة، ستطبق بوفاء القرار الجديد، وهذا أمر مهم أيضا».

وبينما تواصل تركيا، ومعها البرازيل، الإصرار على أهمية النظر في «اتفاق طهران» الذي أبرمتاه مع إيران لنقل اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب إلى الخارج مقابل يورانيوم عالي التخصيب، تؤكد واشنطن ومعها باريس وموسكو على أن الاتفاق فيه نواقص عدة. ويتواصل النقاش حول هذا الاتفاق في مقر وكالة الطاقة الذرية الدولية في فيينا، وتنسق واشنطن مع حلفائها لمواصلة الضغوط على إيران. وقال برنز «تركيا والبرازيل عملتا جاهدتين لإحداث تقدم في ما يخص عرض منشأة طهران للبحوث، ونحن نحترم ونقر بنوايا قادتهما لمعالجة احتياجات الشعب الإيراني الإنسانية»، مضيفا «الولايات المتحدة ستواصل مناقشة هذا العرض وقلقنا حوله، الذي أبلغناه للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمانو مع شركائنا الفرنسيين والروس».

وبإصدار القرار 1929، أصبحت إيران تواجه 6 قرارات مجلس أمن، أربعة منها بموجب البند السابع الذي يفرض العقوبات عليها. واعتبر برنز أن القرار الأخير «يرسل رسالة لا لبس فيها حول ما يتوقعه المجتمع الدولي من إيران». وقال في مؤتمر صحافي مع مجموعة من الصحافيين الأجانب في واشنطن إن إيران هي التي أوصلت نفسها لهذه المرحلة، موضحا «على الرغم من جهود الرئيس أوباما المتكررة وغير المسبوقة منذ توليه منصبه لعرض طريق للحوار على إيران من أجل معالجة القلق الدولي من برنامجها النووي، فإن إيران رفضت، بل صعدت تخصيبها وغيرها من الأعمال المتعلقة بنشر الأسلحة النووية، خرقا لقرارات مجلس أمن متتالية، ورفضت عروضا للقاء مجموعة الدول الخمس زائد واحد حول برنامجها النووي». وشدد برنز على أن «العقوبات ليست هدفا في حد ذاتها، بل إيران تستطيع أن تكسب تعليقها ببساطة مع تعليق نشاطها في التخصيب وإعادة الإنتاج وبالالتزام بمتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، مؤكدا «ما زلنا ملتزمين بالحوار وبحل دبلوماسي». وحول الخطوات الإضافية، قال برنز ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» إن الاتحاد الأوروبي كان قد أعلن التزامه بتطبيق قرار جديد لمجلس الأمن عند صدوره، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات إضافية للاتحاد الأوروبي «كي يكون هناك أكبر وقع على تخطيط إيران وتوسيع فرص إنتاج حوار دبلوماسي جدي» مع إيران. وأضاف «نحن نتطلع لأدوار أخرى في العالم لتطبيق هذا القرار بقوة وبانتظام، وهذا أمر مهم لحماية فرص حل دبلوماسي لهذه القضية».

وأشار برنز إلى جهود الكونغرس لإصدار قرار أميركي جديد لفرض عقوبات على إيران، وهو الأمر الذي أرادت إدارة أوباما تأجيله إلى ما بعد إصدار قرار مجلس الأمن كي لا تبدو واشنطن منعزلة في فرض قرار جديد بمفردها. وقال برنز «نحن نعمل مع الكونغرس لنحاول ضمان عقوبات ذات فعالية» وتؤثر على إيران. لكنه أضاف «القضية هنا ليس عن الولايات المتحدة وإيران: إنها حقا حول قلق المجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي وفشلها في الالتزام بتعهداتها».

إلى ذلك، أثار صدور قرار مجلس الأمن حول فرض العقوبات ضد إيران بموافقة روسيا الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية والعسكرية في موسكو. فبينما نقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» عن روسلان أوبوخوف مدير مركز تحليل الاستراتيجية والتكنولوجيا قوله إنه من غير الممكن في مثل هذه الحالة الحديث عن تنفيذ العقود الموقعة مع إيران، وكذلك خدمة منظومات الصواريخ «تور - إم 1» شأن خطط التعاون التقني العسكري بين روسيا وإيران التي تقع ضمن محظورات عقوبات مجلس الأمن، قالت مصادر أخرى بوجود الثغرات التي تسمح بتفادي الالتزام بهذه المحظورات. وكانت «إنترفاكس» نقلت عن مصدر رسمي رفيع قوله إن الجانب الروسي سوف يوقف بالكامل التعاون العسكري التقني مع طهران، مؤكدا أن قرار مجلس الأمن حول فرض العقوبات ضد إيران ملزم لكل البلدان وروسيا في ذلك ليست استثناء، ومن ثم فإنها سوف تلتزم بتجميد العقود الخاصة بتصدير منظومات «إس – 300» الصاروخية. وعلى الرغم من وضوح النص الذي يقضي بحظر بيع أو تسليم ستة أنواع من الأسلحة الثقيلة وهي الدبابات والمدرعات القتالية والمنظومات المدفعية ذات العيار الكبير والمقاتلات والسفن والمروحيات القتالية والصواريخ والمنظومات الصاروخية، ذكرت مصادر رسمية في موسكو أن القرار لم ينص على حظر تصدير منظومات «إس - 300»، ومن ثم فإنه لا يوجد ما يحول دون تنفيذ عقودها.

وأشار قسطنطين كوساتشوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الدوما، إلى أن العقوبات لا تطبق على المنظومات ذات الطابع الدفاعي التي تندرج تحتها منظومات «إس - 300»، فضلا عن أن روسيا سوف تستمر في تنفيذ برنامج التعاون النووي السلمي مع إيران بما في ذلك تنفيذ العقود الخاصة بمحطة «بوشهر». ونقلت «الصحيفة المستقلة» عن خبراء مستقلين في موسكو قولهم «إن عدم النص في بند خاص على حظر (إس – 300) كان مقصودا منذ البداية، وإلا فقد كان من الممكن أن تستخدم روسيا حق الفيتو». غير أن موسكو سبق أن أعلنت عن التزامها بتوريد هذه المنظومات في أبريل (نيسان) الماضي، ومع ذلك لم تف العاصمة الروسية بما تعهدت به متذرعة بان عدم التنفيذ يعود إلى أسباب تقنية، ربما في إطار مناوراتها التي تستهدف بها احتواء الضغوط الأميركية بهذا الصدد.

وتعليقا على ردود الفعل الإيرانية تجاه انضمام موسكو إلى قرار مجلس الأمن ورفع شعار «الموت لروسيا» في إيران من جانب المتشددين المستنكرين لهذا الموقف، حذر قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما من مغبة الانسياق وراء التفسيرات الخاطئة للقرار.

ووصف القرار الصادر عن مجلس الأمن بأنه كان «اضطراريا»، وإن أشار إلى أنه «كان خطوة مناسبة من جانب المجتمع الدولي»، مؤكدا أنه لا يتضمن إجراءات ذات طابع عسكري».

وبعد يوم من التصويت على القرار، أكدت الصين أمس أنها تولي أهمية كبرى لعلاقاتها مع إيران. وقال الناطق باسم الخارجية الصينية كينغ غانغ للصحافيين إن «الصين تولي أهمية كبرى لعلاقاتها مع إيران وترى أنها تسهل السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة». ويصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الخميس إلى شنغهاي (شرق الصين) في زيارة تتزامن مع «يوم إيران» في المعرض العالمي. ولن يتوجه أحمدي نجاد إلى بكين، ولن يجري مباحثات على مستوى رفيع مع قادة النظام الصيني الذين يعتبرون عادة من حلفاء بلاده.

لكن الصين العضو الدائم في مجلس الأمن والتي تتمتع بحق النقض (الفيتو) وتعرضت لضغوط غربية شديدة طوال أشهر، صوتت أول من أمس الأربعاء في النهاية على فرض عقوبات عسكرية ومالية جديدة على إيران. واستاءت إيران من تصويت بكين، أكبر شركائها الاقتصاديين والتجاريين، على القرار ضد طهران، وانتقد رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية علي أكبر صالحي بشدة الصين على ما أفادت وكالة «إسنا». وقال صالحي «فاجأتني الصين.. التي تقبل هيمنة (الولايات المتحدة)»، محذرا من أن هذا «الموقف ستكون له بالتأكيد مضاعفات في العالم الإسلامي». وأضاف أن الصين «ستفقد تدريجيا مكانتها في العالم الإسلامي، وعندما تستيقظ سيكون قد فات الأوان». وأكد كين غانغ أن «العلاقات بين الصين والدول الإسلامية ستقاوم كل المحن وستسير قدما». وقد نقلت وكالة الصين الجديدة عن لي باودونغ سفير الصين في الأمم المتحدة قوله إن «هذا القرار الجديد يهدف إلى إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات وتحريك المساعي الدبلوماسية». ويزور أحمدي نجاد اليوم جناحي إيران والصين في المعرض العالمي، قبل عقد مؤتمر صحافي في الساعة 15.30 (07.30 ت.غ) بحسب مسؤولي الجناح الإيراني.

من ناحيته، انتقد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بشدة العقوبات. ونقلت وكالة «أجنسيا برازيل» الرسمية عن لولا اتهامه للأمم المتحدة بأن مواصلتها لمسيرة العقوبات لا تأتي إلا من باب «العناد»، «ولا تهدف إلى إقناع إيران بالتفاوض».

ويأتي ذلك فيما اعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أمس أن على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ «تدابير إضافية» بحق إيران. وقال هيغ إثر محادثات أجراها مع نظيره الألماني غيدو فسترفيلي «أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتخذ الاتحاد الأوروبي تدابير إضافية ليظهر أن الاتحاد الأوروبي مستعد بالنسبة إلى هذا الموضوع وموضوعات أخرى، لاستخدام ثقله في العالم». وأوضح الوزيران أن وزراء الخارجية الأوروبيين سيبحثون هذا الأمر الاثنين خلال اجتماع في لوكسمبورغ.

وكررت إيران أمس انتقاداتها للغرب، قائلة إنه يطبق معايير مزدوجة عندما يتعامل مع طهران. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية «إرنا» عن المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمان باراست قوله إن «أفضل سبيل لاحترام حقوق جميع الدول هو تفادي المواقف التمييزية والتخلي عن الظلم السائد على الصعيد الدولي».

وشدد على أن فرض عقوبات جديدة أمر «غير سليم وغير قانوني»، ويهدف إلى منع إيران من الحصول على «تكنولوجيا نووية سلمية». ورفض الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القرار ووصفه بأنه «عديم القيمة بالنسبة لإيران»، ومثل «منديل سيلقى في سلة المهملات». وفي الوقت نفسه قال عضو بارز من البرلمان الإيراني إنه سيسعى من أجل إجراء تصويت حول تقليص العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقا لما ذكرته وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء.

وقال علي الدين بوروجيردي، رئيس لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية، إن مداولات حول مسودة التشريع ستبدأ الأحد المقبل. وكان البرلمان الإيراني قد هدد عدة مرات في السابق بقطع العلاقات مع الوكالة.