كبير مستشاري الرئاسة التركية: لا نفتش عن دور... بل هو يبحث عنا

قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: لا نتجه نحو الأسلمة... وعلمانية الدولة ثابتة

أرشاد هورموزلو
TT

حمَّل كبير مستشاري الرئاسة التركية أرشاد هورموزلو إسرائيل مسؤولية تدهور العلاقات مع بلاده بعد أن «أفرزت الانتخابات الأخيرة نوعا جديدا من السياسة الإسرائيلية»، مرجحا أن تتجه العلاقات إلى المزيد من التأزم إذا لم تبادر إسرائيل إلى «الخطوات الصحيحة» في اتجاه تركيا ودول المنطقة.

وأكد هورموزلو في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في إسطنبول، أن بلاده لا تبحث عن دور، «لكن الدور يبحث عنها»، نافيا وجود أي تنافس مع إيران في هذا المجال أو تبادل للأدوار، ملمحا إلى أن العلاقات الإيرانية - التركية لن تكون على حساب العلاقات التركية - العربية. مشددا على أن أنقرة «في طور استخدام جميع طاقاتها للهدف الأساسي الذي يجب أن يسود العلاقات في هذه المنطقة، وترسيخ أواصر الأمن والاستقرار».

وشدد على «علمانية الدولة التركية التي لا يمكن أن تتغير»، جازما بأن بلاده لا تتجه نحو الأسلمة، مشيرا إلى أن تركية تقوم على أسس ثابتة لا يمكن أن تتغير، وأنها لا تزال ماضية في إجراءات السعي للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.

* ما هي ماهية الدور الذي تسعى إليه تركيا في المنطقة؟

- الكثير من المحللين والمتابعين قد يتصورون أن تركيا تبحث عن دور معين في هذه المنطقة، لكني أؤكد أن تركيا لا تبحث عن دور، إنما الدور يفتش عنها. هناك قضايا ومستجدات في هذه المنطقة وفي السياسة الدولية، وتركيا أثبتت أنه ليس لديها أجندات خفية، وكانت سياستها شفافة وواضحة في هذا الموضوع، وكما يقال فإن تركيا بدأت تطير بأجنحة متعددة، ولذلك فقد أثبتت أنها في طور استخدام جميع طاقاتها للهدف الأساسي الذي يجب أن يسود العلاقات في هذه المنطقة وترسيخ أواصر الأمن والاستقرار. هذا الأمر مهم جدا لنا - سواء لتركيا أو للمنطقة ككل - ومن الضروري أن ننتفع منه جميعا. هذا الأمر حدا بتركيا إلى أن تلعب دورا، أو أن ترنو الأنظار إلى تركيا لأن تعهد لها بأدوار معينة. هذا هو الأمر الذي حصل، ولا يدل على أن تركيا تبحث عن دور معين، بل العكس.

* هل يئست تركيا من الاتجاه غربا، فأدارت وجهها شرقا نحو منطقة الشرق الأوسط؟

- كلا، فتركيا ماضية في محاولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. والعلاقات التركية - الأوروبية لم تكن وليدة الساعة، إنما بدأت منذ العهد العثماني، ولذلك كان الاتجاه التركي إلى الحضارة الأوروبية وإلى المعايير الأوروبية؛ لأنها كانت متأصلة في جذور الشعب التركي والسياسة التركية. لنقل إن تركيا لم تبدل محورها، لكنها صححت هذا المحور؛ لأنها تنظر بعين ثاقبة إلى عمقها التاريخي والاستراتيجي والثقافي في هذه المنطقة. كما تعلمون فإن تركيا هي عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، وهي ماضية في الانضمام إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهي عضو في مؤسسة التعاون الاقتصادي الأوروبي، ولها اتفاقية للإعفاء الجمركي مع الدول الأوروبية منذ نحو 16 عاما. لكنها أيضا في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعضو مراقب في الجامعة العربية، ولديها اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي. لا نستطيع أن نؤطر تركيا في أطر جغرافية...

* هل حسمت تركيا موقعها بين أن تكون أوروبية أو شرق أوسطية؟

- تركيا تطير بأجنحة متعددة، ولها الأفق المترامي في هذا الموضوع، بما يمكننا أن نعرِّف تركيا بأنها هي تركيا من دون تأطيرها في إطار جغرافي معين؛ لأن تركيا هي مركز الحضارات، تركيا التي تناغمت فيها حضارات قديمة، وهي في سبيل نهضة متجددة وكبيرة في هذا العالم الذي نعيشه.

* على حساب أي دور سيكون الدور التركي الجديد؟

- تركيا لا تقيم علاقاتها مع دولة معينة على حساب علاقتها مع دولة أخرى. ولن تكون علاقتها مع منطقة على حساب علاقتها مع منطقة أخرى. وأضرب مثالا على ذلك بأن تركيا عضو مؤسس في منظمة التعاون الاقتصادي الذي يجمع باكستان وأذربيجان وأفغانستان وإيران وأرمينيا. وكذلك عضو مؤسس في مجموعة البحر الأسود الاقتصادية التي تضم دول البلقان أيضا. لذلك تركيا تمد يدها إلى جميع دول المنطقة. فأفق تركيا يتمثل في 360 درجة كما قال معالي وزير الخارجية في وقت سابق.

* أين يتقاطع الدور التركي والإيراني، وأين يفترقان؟

- إيران بلد كبير، وجار مهم جدا بالنسبة إلى تركيا. ولذلك فإن العلاقات الموجودة منذ القدم مع تركيا، علاقات مهمة وجيدة، وليست مثل علاقات تركيا مع الدول التي تبعد عن إيران آلاف الكيلومترات. إيران في النهاية هي جارتنا، وبيننا علاقات تاريخية واقتصادية وسياسية. ولذلك فإننا لا نبحث عن تبادل للأدوار، إنما نرى في إيران - مثل جاراتنا الأخرى - بلدا يجب أن تكون علاقاتنا معه جيدة. وبالنسبة إلى المشاكل الموجودة على سطح المنطقة، فنحن نرى أن الطرق الدبلوماسية والحوار يجب أن تسود، وتكون أسسا لحل جميع المشاكل التي تعاني منها المنطقة.

* هل هناك تنسيق مباشر في ملفات المنطقة بين البلدين؟

- هناك تنسيق كامل، وقد رأيتم ما حدث في اتفاقية تبادل اليورانيوم؛ حيث كان هناك تنسيق بين إيران وتركيا والبرازيل، وكان الهدف الأساسي منه هو تجنيب المنطقة الصراعات والنزاعات والأزمات. ولذلك أيضا هناك تنسيق مستمر مع جميع الدول، ونحن نتشارك مع إيران في قمة «آسيا للتفاعل وإعادة ترسيخ الثقة»، وكذلك في منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو)، وفي منظمات كثيرة أخرى كمنظمة التعاون الإسلامي، وكما ترون فإن إيران احتضنت قسما من قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنها المبادرة العربية للسلام التي أصبحت مبادرة إسلامية. السياسة التركية لا ترى الأساس في استبعاد أي دولة من منظومة الحل في المنطقة.

* ما الذي جعل العلاقات التركية - الإسرائيلية تتدهور؟

- الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أسفرت عن قدوم نوع جديد من السياسة التي تنتهجها القيادة الإسرائيلية، فلذلك جميع هذه المسائل منوطة بالقيادة الإسرائيلية. فما حدث في حرب لبنان 2006 وفي الهجوم على غزة، وكذلك ما حدث أخيرا من قرصنة بحرية في عرض البحر على «أسطول الحرية» الذي كان يضم ناشطين من 32 بلدا. هذه الأمور كلها بدأت تنجب آثارا معينة من الغضب الشعبي والانفعال، سواء في تركيا أو في دول أخرى. ولذلك نرى أن إسرائيل يمكن أن تتلافى مثل هذه التحولات إن هي أقدمت على خطوات تدل على حسن النية وتخفيف الحصار، وعبر أن تثبت أنها تريد السلام فعلا على أساس القرارات الدولية التي تنص على إنشاء دولتين، بحيث ينعم الفلسطينيون بدولتهم المستقلة وفقا لحدود عام 1967، وبعاصمتها القدس الشرقية. الكرة حاليا في الملعب الإسرائيلي.

* ما هو مستقبل العلاقات مع إسرائيل؟

- تركيا لا يمكن أن تنسى ما حدث في الأسابيع الأخيرة، ولذلك أرى أن العلاقات مرشحة للتأزم أكثر إذا لم تبادر القيادة الإسرائيلية الحالية إلى اتخاذ الخطوات الصحيحة لرأب الصدع الموجود، سواء مع تركيا أو مع دول المنطقة. تركيا ليست ضد إسرائيل أو ضد الشعب الإسرائيلي والشعب اليهودي إطلاقا. ديننا الإسلامي لا يسمح إطلاقا بأن يكون هناك تمييز أو تفرقة لأسباب دينية معينة. الدين الإسلامي هو دين التسامح، لكن السياسة تفعل فعلها في بعض الأحيان، وفي هذه المجالات نرى أنه على القيادة الإسرائيلية أن تتخذ الخطوات اللازمة إذا أرادت أن تثبت حسن نيتها وإرادتها للسلام.

* تتحدثون عن الدين الإسلامي، هل نحن أمام تحول تاريخي لتركيا نحو الدولة الإسلامية؟

- هذا غير ممكن، فتركيا تقوم على أربعة أسس لا يمكن تغييرها أو تعديلها، وأولها علمانية الدولة وديمقراطيتها ومبدأ تداول السلطة.

* إسرائيل قالت إن ركاب السفينة التركية هم من بادروا إلى الهجوم، والدليل أن الضحايا هم منها، فهل هذا صحيح، أم أن إسرائيل أرادت توجيه رسالة إليكم؟

- لا هذا ولا ذاك. السفينة التركية كانت أكبر السفن، ولهذا تعرضت لإنزال جوي، في حين تمت السيطرة على بقية السفن الصغيرة بسهولة، ولو كان لدى الإسرائيليين أدلة على وجود أسلحة لأبرزوها.

* لماذا لم نسمع أي رد فعل تركي على تلويح إسرائيل بإغراق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إذا حاول كسر حصار غزة شخصيا؟

- هذه تصريحات انفعالية مبنية على افتراضات وعلى ردود فعل افتراضية.

* ألم يكن الأمر مطروحا؟

- لم يصدر عن سيادة رئيس الوزراء تصريح بهذا المعنى.