احتجاجات المحامين المصريين تتصاعد.. ومحاولات جادة لاحتواء الأزمة

إضراب عام واعتصام لحين التوصل إلى حل والإفراج عن المحامين المدانين

TT

اقتحمت حشود كبيرة من المحامين الغاضبين أمس مكتب المحامي العام الأول لنيابات شرق مدينة طنطا بمحافظة الغربية (شمال القاهرة)، على خلفية الحكم الصادر أول من أمس عن محكمة جنح طنطا، بحبس اثنين من المحامين لمدة 5 سنوات إثر إدانة المحكمة لهما بالتعدي بالضرب والسب على مدير نيابة قسم ثان طنطا وإتلاف مكتبه، ومحاصرته داخل مكتبه، الأمر الذي أدى إلى استدعاء قوات الأمن المركزي والعمليات الخاصة، خشية حدوث مصادمات دامية بين المحامين وأعضاء النيابات هناك. ونفت مصادر أمنية ما بثته بعض مواقع الإنترنت عن قيام وزارة الداخلية باعتقال 33 محاميا بمحافظة الغربية، مؤكدة أن التعديلات التي أدخلت على قانون الطوارئ أخيرا حصرت إصدار أوامر الاعتقال في مجالي مكافحة الإرهاب وتجارة المواد المخدرة. وإثر ذلك أعلن حمدي خليفة نقيب المحامين المصريين، التوجه إلى مدينة طنطا بصحبة أعضاء مجلس النقابة، في محاولة منه لاحتواء الموقف بعد عدة اتصالات متبادلة بينه وبين النائب العام المستشار عبد المجيد محمود.

يأتي ذلك في الوقت ذاته الذي نظمت فيه النقابة العامة للمحامين بالقاهرة مظاهرة حاشدة في حضور أكثر من ألفي محام، ظلوا يرددون هتافات تندد بحكم الحبس الصادر في حق المحاميين، وتطالب بمحاكمة كل من رئيس المحكمة الذي أصدر حكم الإدانة، ورئيس نادي قضاة مصر، والنائب العام، متهمين إياهم بعدم النزاهة وتعمد إهانة المحامين ومهنتهم. وقال حمدي خليفة في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمقر النقابة في حضور نقباء المحامين الفرعيين ببقية المحافظات المصرية، إنه لا تنازل عن الإضراب التام عن العمل والمثول أمام المحاكم الجنائية في القضايا والاعتصام لحين التوصل إلى حل يرضي نقابة المحامين، ويتم بموجبه الإفراج عن المحاميين المدانين.

وقال خليفة إن الإضراب عن المثول أمام المحاكم يعد مظهرا من مظاهر الاحتجاج الراقي على الحكم، الذي وصفه بالجائر، الصادر في حق المحامين بطنطا، مؤكدا أن المحكمة لم تستجب إلى أي من مطالب هيئة الدفاع عنهما بالتأجيل لحين الاطلاع على أوراق القضية، وإخلاء سبيلهما؛ نظرا لانتفاء مبررات الحبس الاحتياطي في حقهما. وأشار خليفة إلى أن المحكمة كان عليها أن تنتدب قاضي تحقيق مستقلا في وقائع القضية، على اعتبار أن النيابة خصم وطرف أصيل في الدعوى، تحقيقا للاستقلالية والنزاهة، مؤكدا أن نقابة المحامين لا تعمل على تصعيد الموقف ضد السلطة القضائية لمجرد التصعيد أو المواجهة، وإنما هي تسعى إلى حماية مهنة المحاماة واستقرارها. وأكد خليفة أنه سيتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها ضمان حسن سير العدالة، والحفاظ على حقوق المحامين جميعا، حتى لو اقتضى الأمر تصعيد الموقف إلى الرئيس المصري حسني مبارك، مؤكدا أن إرادة المحامين ليست محل تحد من أي جهة.

ومن جهته، قال محمد الدماطي عضو مجلس النقابة ومقرر لجنة الحريات لـ«الشرق الأوسط» عقب الاجتماع، إن الإضراب العام سيبدأ غدا في جميع محاكم مصر، وسيكون مفتوحا حتى انتهاء الأزمة، مشيرا إلى أن الإضراب لن يشمل الدعاوى التي تسقط لمرور موعد إقامتها، وذلك حفاظا على مصالح وحقوق المواطنين.

وقال محامي الجماعة الإسلامية ممدوح إسماعيل خلال مشاركته في المظاهرة: «الحكم صدر بحبس كل المحامين، ولن نرضخ للاستبداد؛ لأننا تعلمنا المحاماة لإعلاء قيم العدل والحرية والدفاع عن المظلومين».

وقال مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خالد علي: «ما يحدث للمحامين محنة للعدالة تستلزم أن نتكاتف جميعا لمواجهتها».

ولم يستبعد مدير مركز هشام مبارك للقانون، أحمد سيف «تدويل القضية» وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا تم تأييد الحكم أمام محكمة الاستئناف سيبقى نظر القضية أمام محكمة النقض (أعلى محكمة مصرية)، وفي حالة تأييد النقض للحكم، لن يبقى أمامنا سوى تدويل القضية، واللجوء للمجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة المعنية بالدفاع عن استقلال القضاء والمحاماة».

معتبرا أن الحكم أظهر بوضوح الحاجة الملحة إلى الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق، وقال: «رئيس النيابة اتهم زميلينا بالاعتداء عليه، وهما اتهماه أيضا بالاعتداء، وكانت القواعد القضائية تقضي في هذه الحالة بانتداب قاضي تحقيق مستقل حتى لا تكون النيابة خصما وحكما في الوقت نفسه».

من ناحية أخرى، أعلنت نقابة المحامين الفرعية بالإسكندرية عن دعوتها لاعتصام مفتوح لمجموع أعضائها البالغ عددهم أربعين ألف محام أمام مكتب المستشار ممدوح مرعى وزير العدل.

وهدد حسن صبحي، عضو مجلس نقابة المحامين بالإسكندرية، بأنهم لن يتورعوا إذا لزم الأمر، على حد تعبيره، من منع وزير العدل من الصعود إلى مكتبه في حال عدم تدخله بشكل مباشر لحل الأزمة، مشيرا إلى أن النيابة العامة تتبع وزير العدل وظيفيا.

وأصدر نادي قضاة مصر بيانا طالب فيه جموع القضاة وأعضاء النيابة العامة بعدم الانزلاق إلى دوامة الفتنة أو الدخول في مواجهة مع المحامين، ردا على التصعيد الذي أبدته نقابة المحامين، داعيا القضاة إلى الامتناع عن الإدلاء بأي آراء أو تعليقات على الأحداث وموجة الاحتجاجات الصادرة عن المحامين في أي من وسائل الإعلام.

وقال نادي القضاة في بيان رسمي صدر عنه، إن ما آلت إليه الأحداث الأخيرة من تصاعد، قُصد منه «استدراج القضاة إلى مواجهة قد يرى من نسج خيوطها أنها تحقق له مكانة غلب عليها سوء القصد، وانحسر عنها نبل الغاية، في محاولة مشبوهة إلى تجاوز الخصومة الجنائية إلى غير أطرافها».

في السياق ذاته نفى مصدر أمني مسؤول بوزارة الداخلية المصرية، صحة الأنباء التي تناقلها عدد من وسائل الإعلام بشأن اعتقال 33 محاميا بمحافظة الغربية، ممن أقدموا على اقتحام مكتب المحامي العام الأول هناك؛ احتجاجا على حكم الحبس الصادر في حق زميليهم، مشيرا إلى أن التعديلات التي أدخلت على قانون الطوارئ أخيرا حصرت إصدار أوامر الاعتقال في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والجرائم المرتبطة بالاتجار في المواد المخدرة فقط.

إلى ذلك، نظم المحامون في الفيوم والسويس وبورسعيد وقفات احتجاجية احتجاجا على الحكم، وأعلنوا إضرابهم المفتوح عن العمل، ووصفوا قرار الحبس بأنه قرار ظالم وجائر على جميع المحامين المصريين، بينما أجلت محكمة جنايات الفيوم جلساتها لليوم الثالث على التوالي، وتم تسجيل إضراب المحامين عن حضور الجلسات بمحاضر الجلسات، حيث كان من المنتظر أن تنظر 34 دعوى جنايات.