أطراف كثيرة في إسرائيل من بينها «العمل» تقدم باراك «قربانا» للاعتداء على «مرمرة»

اللجنة المقررة ستكون للفحص أكثر منها لجنة تحقيق ذات صلاحيات

محتج فلسطيني يقذف سيارات جيب عسكرية اسرائيلية بالحجارة خلال مظاهرة ضد توسيع مستوطنة حلميش قرب قرية النبي صالح شمال رام الله، امس (ا ب)
TT

في الوقت الذي تقررت فيه إقامة لجنة تحقيق محدودة الصلاحيات لـ«فحص الأداء الإسرائيلي» في اعتداء أسطول الحرية، تميل عدة جهات إسرائيلية وخارجية إلى التضحية بوزير الدفاع، ايهود باراك، قربانا للاعتداء الدامي عل السفينة التركية «مرمرة».

ومع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يقف إلى جانب باراك حتى الآن، فإن تلك الجهات ترى في باراك الحلقة الأضعف في المؤسسة الإسرائيلية. فهو، فضلا عن كونه المسؤول الأمني الأول وصاحب المبادرة لمنع كسر الحصار عن غزة بكل قوة، يعاني من انخفاض كبير في شعبيته في إسرائيل عموما وحتى داخل حزب العمل الذي يقوده. وقد هاجمه، أمس، نائب بارز في الحزب، دانئيل بن سيمون، وقال إنه «يميني يتغطى بيسارية حزب العمل، وعسكري متغطرس لا يؤمن إلا بالقوة». وطالبه بن سيمون بأن يتحمل مسؤولية الاعتداء الفاشل في السيطرة على «مرمرة» وينقذ إسرائيل من «تسونامي العداء لها في العالم الذي يجعلها معزولة أكثر من نظام الأبرتهاد البائد في جنوب أفريقيا».

وفي فرنسا، الوطن الأم للنائب بن سيمون، بدأ تحرك واسع لتقديم دعوى قضائية ضد باراك في محكمة فرنسية وكذلك في المحكمة الدولية في لاهاي لجرائم الحرب. وبادرت إلى هذه الدعوى منظمتان فرنسيتان باسم «CCIPPP» (الحملة الدولية المدنية للدفاع عن الشعب الفلسطيني) و«CBSP» (لجنة دعم وإغاثة الفلسطينيين)، اللتان شاركتا في أسطول الحرية وأرسلتا وفدا عنهما على متن «مرمرة». ويساندهما في هذه الدعوى ثلاثة نواب في البرلمان الفرنسي هم: مارتن ديلري وباتريك بوافيزيه وفرج رتسينييه. وسيعقد الثلاثة مؤتمرا صحافيا للإعلان عن هذه الدعاوى في القريب. وحسب وجهة نظرهم فإن باراك مسؤول شخصيا عن تنفيذ الهجوم الدموي على السفينة، رغم علمه بأن مثل هذا الاعتداء على مدنيين محفوف بالمخاطر ومن الصعب أن ينتهي من دون ضحايا.

وكانت الصحافة الإسرائيلية قد نشرت مئات التعليقات والمقالات والتقارير التي تتهم القيادة السياسية بالفشل وتطالب بلجنة تحقيق رسمية وذات صلاحيات لتقديم توصيات بمحاكمة مسؤولين. وبرز في هذه المنشورات موقف شبه موحد يضع باراك في رأس قائمة المسؤولين عن الفشل. وصرح العديد من السياسيين بروح هذا الاتهام، بمن في ذلك نائب رئيس الوزراء، موشيه يعلون، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في غياب نتنياهو خلال الاعتداء. وادعى مقربون من يعلون أن باراك لم يطلع يعلون على موعد الهجوم ولا على الخطة العسكرية للسيطرة على السفن وأنه، أي القائم بأعمال رئيس الحكومة، يعلون، عرف بالاعتداء من الإذاعة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي نفاه باراك ومكتب نتنياهو، أمس.

وكانت الحكومة الإسرائيلية تنوي الإعلان، أمس، عن توصلها إلى قرار حول تشكيل لجنة تحقيق محلية بمراقبة مندوبين دوليين، إلا أن الإعلان تأجل مرة أخرى بسبب تحفظات أميركية حوله صلاحيات اللجنة. وقالت مصادر سياسية إن القرار جاهز، حيث ستكون اللجنة برئاسة القاضي المتقاعد في المحكمة العليا، يعقوب تيركل، ولكن تبين أن الصلاحيات المعطاة للجنة تجعلها لجنة اطلاع أكثر مما هي لجنة تحقيق. فصحيح أنها ستحقق في مدى قانونية الحصار على قطاع غزة وقانونية السيطرة على السفن في عرض البحر وفي شرعية الاعتداء الإسرائيلي على السفن، إلا أنها لن تحقق مع الود وستكتفي بالتحقيقات التي ستجريها اللجنة الداخلية في الجيش برئاسة اللواء غيورا آيلاند، ولن تصدر توصيات بخصوص المسؤولية الشخصية عن الفشل في هذا الهجوم وما أسفر عنه من قتل (9 متضامنين أتراك) وإصابات بليغة (45 إصابة).

وعلق رجل القانون المشهور في إسرائيل، زئيف سيغل، على هذه اللجنة بأنها «ليست لجنة تحقيق ولا حتى لجنة فحص، إنها لجنة استيضاح فقط ولا أعتقد أنها ستكون مقبولة لدى العالم ولا حتى الجمهور الإسرائيلي، الذي ينشد معرفة الحقيقة». وأوضح أن لجنة تحقيق رسمية يفترض أن تقيمها رئيسة محكمة العدل العليا وليس لجنة وزارية. واستذكر لجنة التحقيق التي أقيمت في إسرائيل سنة 1982 اثر حرب لبنان الأولى، فقال إن القاضي يتسحاك كاهان، الذي عين لرئاستها رفض التعيين حتى وافقت الحكومة على أن يعطى كامل الصلاحيات. ولذا، جاءت توصياته حاسمة وعلى أثرها أقيل أرئيل شارون من وزارة الدفاع وحمل الحكومة كلها مسؤولية الحرب ومذابح صبرا وشاتيلا التي نفذت خلالها.

يذكر أن الحكومة الإسرائيلية تقول إن تشكيل اللجنة على هذا النحو، تم بالتنسيق مع الإدارة الأميركية. وعقب سيغال على ذلك قائلا: الأميركيون معنيون بمعرفة الحقيقة، أكثر من محاسبة المسؤولين عن الأخطاء. وهذه حساباتهم. لكن المواطنون في إسرائيل وأنصار القانون والعدالة يرون أن مصلحة الدولة تقتضي تشكيل لجنة تحقيق رسمية ذات صلاحيات تستطيع محاسبة من يقدم على خطوات تؤدي للإساءة إلى إسرائيل في الخارج وتهديد حياة الجنود وقتل أبرياء كل ذنبهم أنهم متضامنون مع الفلسطينيين.