فقراء جنوب أفريقيا ضحايا تجميلها للمونديال

احتجاجات على ترحليهم من مساكن غير لائقة والحكومة تنفي التحرك بدافع كأس العالم

طفلتان تشتريان من أحد الأكشاك العشوائية، في بليكيسدورب، شرق كيب تاون (أ.ف.ب)
TT

تقول شيرلي فيشر إنها أجبرت على الرحيل من مسكن بالقرب من استاد يتدرب فيه نجوم كرة قدم بارزون. وتقول ناتاشا فلورز إنها رُحِّلت من مجمع سكني بالقرب من استاد جديد تصل قيمته إلى 450 مليون دولار بأحد أكثر المناطق اكتظاظا بالسياح داخل مدينة كيب تاون.

وانتهى المطاف بكل منهما في بليكيسدورب، وهي مستوطنة تحتوي على أكشاك من الحديد المموجة ويحيط بها سور خرساني أصبحت مُقاما للمئات من العائلات التي رُحلت من أماكن إقامتها. ويقول الكثير من السكان المحليين إن هناك سببا واحدا وراء ترحيلهم إلى هذا المكان الكئيب. وقالت فيشر، (41 عاما)، من دون تردد «إنها كأس العالم».

ويقول ناشطو حقوق الإنسان إن السلطات في جنوب أفريقيا أجبرت الآلاف من الفقراء على الانتقال إلى بليكيسدورب ومستوطنات أخرى لتبدو بلادهم بصورة جيدة في نهائيات كأس العالم التي بدأت أمس. ولكن مسؤولين في مجلس مدينة كيب تاون يرفضون هذه المزاعم. ومع ذلك، كشفت هذه الشكاوى، عن فجوة واسعة بين الأثرياء والفقراء في جنوب أفريقيا، بعد مرور 16 عاما على انتهاء سياسة التمييز العنصري.

وتقول حكومة الرئيس جاكوب زوما إن المليارات التي أنفقتها على بناء الاستادات وتحسين البنية التحتية تخلق وظائف وترفع من مستوى المعيشة وتظهر التقدم داخل جنوب أفريقيا. ومع ذلك، يقول الكثير من الفقراء إن الحكومة أخطأت في تحديد أولوياتها. ويتوقعون أن حياتهم المعيشية ستتغير قليلا على خلفية استضافة جنوب أفريقيا للفعالية الرياضية التي تحظى بأكبر متابعة في العالم. ولكنهم، يشيرون إلى أنه في واقع الأمر سيزداد وضعهم سوءا.

وتساءلت مارغريت بانيت، (45 عاما)، التي تعيش مع ثمانية من أقاربها في كشك في حجم المرحاض: «لماذا لم يستخدموا الأموال التي أنفقوها على الاستادات في بناء منازل مناسبة بدلا من هذه الأماكن الضيقة التي نعيش فيها؟ وربما تكون كأس العالم مهمة لذوي النفوذ، ولكنها لا تعني شيئا بالنسبة إلينا». ويقول بادرو موريس، (47 عاما): «نعيش في ما يشبه معسكرات اعتقال».

وقد تعرض الفقراء لصعوبات داخل دول أخرى نظمت فعاليات رياضية عالمية، ففي أوليمبياد بكين 2008 وأوليمبياد سيول 1988، أُجبر مئات الآلاف على ترك منازلهم. ولكن بخلاف أي مكان آخر في العالم، تحظى عمليات الترحيل بدلالة تاريخية مهمة في جنوب أفريقيا، فإبان حكم البيض، اضطر مئات الآلاف من السود أو مَن يطلق عليهم الملونون أو ذوو العرق المختلط، إلى ترك منازلهم في عملية تقسيم داخل المجتمع بصورة عنصرية.

وكانت أحد أشهر الاضطرابات في المنطقة السادسة داخل كيب تاون، فقد رُحل أكثر من 60,000 شخص بعد أن أعلنتها الحكومة منطقة مخصصة للبيض عام 1966. وبعد الانتخابات التاريخية التي شاركت فيها الأعراق كافة عام 1994، تعهد المؤتمر الوطني الأفريقي بأن يبني منزلا لكل عائلة فقيرة من أجل إصلاح الأوضاع الظالمة التي وقعت إبان التمييز العنصري.

ولكن في الوقت الحالي، تواجه مدن مثل كيب تاون نقصا كبيرا في المساكن، مما يدفع الفقراء إلى الإقامة في مناطق عامة أو شغل مباني خالية أو حتى العيش في الطرق الجانبية.

وعلى ضوء الخوف من شبح الماضي، وصف مسؤولون في كيب تاون مستوطنة بليكيسدورب - التي أنشئت قبل عامين لمواطنين يشغلون مباني بصورة غير قانونية - بأنها «منطقة إعادة إسكان مؤقتة» حتى يمكن بناء مساكن مناسبة. وتقول كيلي هاتون، وهي متحدثة باسم مجلس المدينة: «نقر بأن بليكيسدورب لا تمثل حلا كاملا، ولكن هذا ما يمكننا فعله في ضوء الموارد المتاحة». ولكنها أشارت إلى أنه لم يتم «ترحيل أحد عن عمد» من أي حي بسبب كأس العالم.

ولا يوافق على ذلك الكثيرون. وفي مارس (آذار) الماضي، قالت راكويل رولنيك، وهي مقررة خاصة تابعة للأمم المتحدة، عن الإسكان المناسب في تقرير، إن مدنا مثل كيب تاون أعطت أولوية «للتجميل على احتياجات السكان المحليين». وأرجئت مشاريع إسكان محدودي الدخل عندما لم يتم الانتهاء من بناء الاستادات في مواعيدها المحددة. وقالت إن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لم يبذل الكثير من أجل التعامل مع المخاوف المرتبطة بالإسكان.

واستهدف بالترحيل نحو 20,000 شخص من مستوطنة جوي سلوفو، وهي منطقة عشوائية بالقرب من مطار كيب تاون أجريت عليه تعديلات مؤخرا، وذلك من أجل إعطاء فسحة لمساكن بالإيجار خلال نهائيات كأس العالم. ولكن حصل السكان على حكم محكمة جعل ترحيلهم مكلفا بدرجة كبيرة، مما دفع السلطات المحلية إلى التخلي عن الخطة، ولكن بعد أن رُحل الآلاف، حسب ما يقوله ناشطون. وتقول فلورس: «يريدون أن يبعدوا أي شخص من أمام أعين السياح الغربيين. لا يريدون للعالم أن يعرف أن مواطني جنوب أفريقيا يعيش بهذه الطريقة».

وأخيرا، أشارت منظمة العفو الدولية إلى تقارير متزايدة عن تحرش الشرطة بالفقراء، ومن بين ذلك ترحيل مشردين وبائعين متجولين بالقرب من أماكن تقام بها مباريات كأس العالم وهدم «إسكان غير رسمي».

وقد طلبت الفيفا في التعاقد تخصيص منطقة تجارية لرعاتها حول أماكن المباريات، وهو ما أثار غضب الباعة المتجولين. وفي الشهر الماضي، احتج بائعون متجولون في سويتو أمام مركز تابع للفيفا، ودعوا إلى إنهاء عمليات الترحيل التي تتم بالقرب من الاستادات، التي قالوا إنها تمنعهم من الاستفادة من السياح القادمين لحضور كأس العالم. وفي أماكن أخرى، وقعت مواجهات بين البائعين المتجولين والشرطة عندما كانت تسعى إلى مصادرة بضائعهم لتطهير الشوارع قبل كأس العالم. ونشبت احتجاجات على خلفية عمليات الترحيل والأوضاع المعيشية في مستوطنات بالقرب من جنوب أفريقيا. وأشار معلقون محليون إلى أن الاستادات الجديدة ستكون أشياء لا قيمة لها رغم تكلفتها الكبيرة بعد انتهاء كأس العالم.

* خدمة «نيويورك تايمز»