سجال بين حزبين مغربيين و«العدالة والتنمية» الإسلامي حول شرعية الأحزاب

بعد أن قال بن كيران إن الأحزاب الوطنية في البلاد هي 4 فقط

TT

أدت كلمة ألقاها عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، في جلسة افتتاح المؤتمر الحادي عشر لحزب الحركة الشعبية إلى سجال بينه وبين حزبين هما التجمع الوطني للأحرار (مشارك في الحكومة) والأصالة والمعاصرة (معارضة برلمانية)، حيث أصدر الحزبان أمس بيانين شديدي اللهجة ضد تصريحات بن كيران، وقالا إنها تؤكد من جديد «حقيقة المشروع السياسي الإقصائي، وتسعى لفرض الوصاية على المجتمع».

لكن بن كيران، قال في بيان أصدره أمس إنه لم يقصد الإساءة أو إقصاء أي حزب سياسي عندما حصر عدد الأحزاب السياسية في المغرب في أربعة أحزاب. وأوضح بن كيران أنه في معرض كلامه عن الإقصاء الذي واجهته الحركة الشعبية ممثلة في مؤسسيها، ومنهم الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، والمحجوبي أحرضان، الذي كان الخطاب موجها إليه، وإشارته إلى أن اعتقالهما رفقة بن عبد الله الوكوتي كان سببا في صدور قانون الحريات العامة عام 1958، ذكر بأن خطر هيمنة الحزب الوحيد ما زال قائما، وانه إذا ما تم استهداف حزب العدالة والتنمية فيجب أن تعلن الحركة الشعبية رفضها ذلك، لأن الذي يستهدف حزب العدالة والتنمية اليوم، قد يستهدف حزب الحركة الشعبية غدا، و«أنه إذا كان من الضروري تقليص عدد الأحزاب، فإن الأحزاب الأولى بالبقاء هي الأحزاب التي خرجت من رحم الشعب».

وقال بن كيران في بيانه: «ذكرت فعلا الأحزاب الأربعة، حزب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والعدالة والتنمية، والحركة الشعبية».

وأضاف بن كيران: «إذا كان أي حزب اعتبر كلامي إساءة إليه أو رغبة في إقصائه، فإنني أؤكد أنني لم أقصد ذلك أبدا، وعلاقتنا الطيبة مع الأحزاب السياسية، إلا من أبى، دليل على أن هذه المقاصد المثارة حاليا إنما تدخل في إطار الممارسات القديمة الجديدة لجهة معلومة ما فتئت تستهدف حزبنا وتحرض الآخرين ضده»، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي قال عنه بن كيران في بيانه إنه انتهز تصريحاته «لتجديد كيل اتهاماته المكرورة والمملة لحزبه، رغم أن هذه التصريحات أثارت في حينها تجاوبا ملحوظا تم التعبير عنه بالتصفيق والمساندة»، على حد تعبيره.

و في سياق ذلك، قال بيان حزب التجمع الوطني للأحرار أنه فوجئ بما صرح به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، الذي «حصر عدد الأحزاب الوطنية في أربعة، نافيا هذه الصفة على ما دونها من أحزاب رغم أن بعضها طبع التاريخ السياسي للمغاربة منذ عقود طويلة وتحول إلى مكون بنيوي للساحة السياسية الوطنية».

ونوه التجمع الوطني للأحرار بالموقف الحازم الذي اتخذه رئيس الحزب، صلاح الدين المزوار، الذي بادر إلى الانسحاب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر احتجاجا على ما تم التعبير عنه، وذكر بأنه في الوقت الذي انخرط فيه الحزب في معركة النضال الديمقراطي المؤسساتي والمشاركة في بناء مغرب المسيرة الخضراء وما بعدها «كان الكثيرون من المنتسبين حاليا إلى حزب العدالة والتنمية الذين يدعون اليوم إلى استئصال الأحزاب الوطنية، اختاروا طريق العنف لولا يقظة المغاربة وتصديهم الحازم للمشاريع الظلامية المتطرفة».

وكان بن كيران، قال في مؤتمر الحركة الشعبية، الذي التأم نهاية الأسبوع الماضي، إن «الأحزاب الوطنية في المغرب هي أربعة أحزاب فقط»، مشيرا إلى أن هذه الأحزاب هي «الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، وحزب العدالة والتنمية»، وأدت هذه الكلمة إلى إثارة غضب قادة الحزبين: صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، ووزير الاقتصاد المالية، ومحمد الشيخ بيد الله، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس مجلس المستشارين، وانسحابهما من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

من جهته، قال المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة في بيان له أنه «تلقى باستنكار واستهجان كبيرين هذه التصريحات التي ذهب فيها (الأمين العام لحزب العدالة والتنمية) إلى حصر الشرعية في أحزاب سياسية معينة، في تعارض مع مبدأ التعددية المكرس دستوريا وحق الأحزاب في التأسيس والوجود المكفول قانونا».

وأضاف البيان أن هذه التصريحات تعد «محاولة يائسة لإرجاع البلاد إلى نقاشات أصبحت جزءا من متحف تاريخها السياسي، وخصوصا أن رهان تكريس التعددية السياسية والحزبية كان ضمن الخيارات الكبرى للمؤسسة الملكية منذ حصول البلاد على استقلالها، والتي استماتت في الدفاع عنه ضد مشروع الحزب الوحيد ومناصريه، لتصبح بعد ذلك التعددية الحزبية ثابتا دستوريا غير قابل للمراجعة والتعديل»، على حد قول البيان، الذي اعتبر أن هذه التصريحات «تؤكد من جديد، حقيقة المشروع السياسي الإقصائي الذي يقوده هذا الحزب وتعامله مع الديمقراطية، ومناصرته لخيارات غير تلك المتوافق عليها من قبل مختلف أطياف الطبقة السياسية، التي تجلت في أكثر من مناسبة».

وطلب بيان الأصالة والمعاصرة من عباس الفاسي الوزير الأول (رئيس الوزراء) الذي كان حاضرا الجلسة الافتتاحية للمؤتمر «اتخاذ مواقف واضحة، عوض الركون لمنطق الرمادية».

وعلى صعيد آخر، نوه العاهل المغربي الملك محمد السادس تنويها خاصا بالمحجوبي أحرضان، الرئيس السابق للحركة الشعبية، الذي انسحب بعد المؤتمر عمليا من القيادة السياسية. وقال العاهل المغربي في برقية بعث بها إلى محند العنصر بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب الحركة الشعبية، إن أحرضان لديه «غيرة وطنية صادقة». ومضى يقول في برقيته «إذا كان هذا الرصيد الحافل قد جعل حزبكم يكرمه، بتخويله المكانة الشرفية للرئيس المؤسس، فإننا نعتبره من القيادات السياسية المرموقة والمرجعيات الوطنية الحكيمة التي طبعت تاريخ المغرب الحديث».

وأعيد انتخاب العنصر أمينا عاما للحركة الشعبية بأغلبية كاسحة. كما انتخب المؤتمر أعضاء المجلس الوطني، وهو بمثابة برلمان للحزب، ويضم 250 عضوا انتخبهم المؤتمر إضافة إلى الأمين العام للحزب وأعضاء المجموعة البرلمانية (في مجلسي النواب والمستشارين) وأعضاء سيقترحهم المكتب السياسي يشكلون 10 في المائة من أعضاء المجلس الوطني. وقالت مصادر من الحركة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» إن المكتب السياسي سيُنتَخب في وقت لاحق لم يحدد بعد.