العلاقات الشخصية بين السياسيين العراقيين تعرقل المفاوضات والسفير الأميركي يتحدث عن طبقة «انتهازية»

عراقيون يصفون المفاوضات بـ«المسرحية».. وغضبهم يتصاعد في ظل غياب الخدمات

وزير الأمن الوطني شيروان الوائلي وإبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق في مقابلة بعد انتهاء جلسة البرلمان أول من أمس (نيويورك تايمز)
TT

في الوقت الذي اجتمع فيه البرلمان العراقي يوم الاثنين، بعد ثلاثة أشهر من انتخابه عجت بالطعون في المحاكم وإعادة فرز الأصوات ونفي الأهلية عن المرشحين الفائزين، كان سيف علي، صاحب أحد المتاجر، ينفس عن غضبه من الساسة العراقيين.

لقد كانت درجة الحرارة في ذلك اليوم تقترب من 50 درجة مئوية، ولم يكن لديه سوى ساعات قليلة من التيار الكهربائي.

وقال: «بكل صراحة، إن السياسيين لا يفعلون شيئا سوى إرهاقنا. البطالة؟ الكهرباء؟ الإسكان؟ منذ عام 2003، وعلى مدار سبعة أعوام حتى الآن، لم يقم أي فرد بحل هذه المشكلات».

وهز علي رأسه، وكانت جبينه مبللة بالعرق، في إشارة إلى عدم حالة عدم الرضا والحزن التي يعانيها، وقال: «حتى الماء ملوث».

وأشاد المشرعون بجلسة يوم الاثنين، والتي استمرت 18 دقيقة، ووصفوها بأنها حجر الزاوية في تشكيل حكومة جديدة، على الرغم من أنها كانت رمزية، ربما. بيد أن المسؤولين والدبلوماسيين والسياسيين أنفسهم كانوا يشعرون بالقلق من أن حالة الإحباط التي يعانيها علي وغيره من المواطنين قد تشكل للمرة الأولى تهديدا أكبر لهذه العملية السياسية الناشئة بالمقارنة بالتهديد الذي شكله الصراع الطائفي أو أعمال التمرد التي تضاءلت لكن لا تزال موجودة.

وباستثناء الأحزاب الكردية وأنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يحظى بالشعبية، لا يحظى عدد كبير من السياسيين بأي تأييد شعبي للمساعدة في معالجة حالة الغضب المتصاعدة بين الشعب الذي رحب بتوفير مستوى أفضل من الأمن، لكنه الآن يطالب بحياة أفضل. وفي جميع الأحاديث تقريبا، يتعمق الانتقاد تجاه طبقة سياسية مشبعة بالانتهازية التي ينظر إليها الكثيرون على أنها صفة شائعة في جميع الحكومات العراقية تقريبا منذ الإطاحة بالملكية عام 1958.

وقال ريان كروكر، السفير الأميركي الأسبق في العراق الدبلوماسي الخبير بمنطقة الشرق الأوسط، «بكل وضوح، يوجد هناك انقسام».

وقال إن هناك «استبدادا نخبويا يتجاهل الشعب بصورة أساسية».

وقال: «في الوقت الراهن، ما أشعر بالقلق بشأنه هو استمرار الثقافة السياسية، التي لا يهتم الحكام فيها بالمحكومين. ولم يخترع صدام (حسين) هذه الثقافة. إنها جزء من ثقافة سياسية عراقية مستمرة، لم تسفر عن دولة سعيدة في أي وقت بعد عام 1958، وأشعر بالقلق لأنها لا تفعل ذلك حتى الآن».

وقد ثبت أن العملية السياسية في العراق معرضة للجمود وسياسة حافة الهاوية؛ لقد تشكلت آخر حكومة في البلاد بعد ستة أشهر. بيد أن جلسة البرلمان يوم الاثنين جاءت بمثابة عالم مصغر لعملية سياسية متشابكة، تعد كل خطوة فيها، سواء إجرائية أو غير ذلك، محل خلاف.

وأصر المشرعون الأكراد على أنه يجب تلاوة القسم باللغتين العربية والكردية. (وفي النهاية، حدث ذلك). ولم يتحدث أي من قادة العراق أثناء هذه الجلسة لأن معارضيهم، حسبما ذكر سياسيون، طالبوا بوقت مساو في الحديث. وهدد أنصار الصدر، الذي حاربت الميليشيا التابعة له الجيش الأميركي مرتين عام 2004، بالانسحاب من الجلسة إذا حضرها السفير الأميركي كريستوفر هيل. (وفي النهاية لم يفعلوا ذلك).

وقال عمر المشهداني، أحد المتحدثين باسم رئيس البرلمان السابق إياد السامرائي، وهو يهز رأسه: «تستطيع أن تتوقع أي شيء في أي وقت».

ومن أول رئيس الوزراء نوري المالكي إلى السياسيين، يدافع الجميع عن المفاوضات التي طال أمدها، في الوقت الذي يقرون فيه بحالة الغضب المتصاعدة بين الشعب.

يقولون إن القضايا الحقيقية في خطر، وهي من سيحكم العراق في الوقت الذي تسحب فيه الولايات المتحدة ما يقرب من 90 ألف جندي من قواتها بنهاية عام 2011. وأيا كان الائتلاف الذي يندمج في النهاية، فسيساعد على تحديد الصيغة التي تحكم بها الأغلبية الشيعية دولة منقسمة بصورة كبيرة بين طوائف وأعراق كثيرة. وسيواجه رئيس الوزراء، الذي سيتم الاتفاق عليه في نهاية المطاف، محاولات لنقل السلطة من مكتبه إلى مجلس الوزراء والبرلمان، ليوضح حدود سلطة الدولة.

ويجعل العدد الكبير من الفصائل هذه العملية أكثر صعوبة أيضا. فالجميع يتفاوضون مع بعضهم البعض، في ظل درجات متفاوتة من الإخلاص وصعوبة تحقيق أي نجاح.

وقال عادل عبد المهدي، نائب الرئيس وأحد المرشحين لرئاسة الوزراء، «لا يوجد هناك تقدم حقيقي حتى الآن. إننا لا نزال في طريق مسدود».

ومع ذلك، وصف بعض الأفراد هذه المفاوضات على نحو غاضب بأنها مثل المسرحية، وهناك في الحقيقة عنصر دال على ذلك. فالتردد متأصل للغاية لدرجة أن الرئيس جلال طالباني، الذي يحق له دعوة البرلمان للانعقاد، أصدر بيانا يستطلع الآراء حول التاريخ الذي ينبغي له أن يختاره. وسرب حلفاء للمالكي الشيعة مقطع فيديو للمعارضين السنة بدا كأنه يقوض حجة المالكي في تشكيل الحكومة المقبلة.

ثم إن هناك إياد علاوي، زعيم التحالف المسلم السني العلماني الذي فاز بمعظم المقاعد في البرلمان أثناء الانتخابات التي جرت في السابع من شهر مارس (آذار) الماضي.

وقال علي الموسوي، المتحدث باسم حكومة المالكي، «أتحدى أي فرد أن يخبرني بأن علاوي مكث في العراق أكثر من سبعة أيام منذ الانتخابات الماضية». ودافع مساعدو علاوي عنه، وقالوا إن سفره خارج البلاد كان ضروريا للمساعدة في إصلاح العلاقات بين العراق والدول المجاورة.

وتساءل عبد المهدي بشأن ما إذا كان اختلاف انتماءات السياسيين قد صعب من اتخاذ القرارات. وعندما كان صبيا، كان يسبح مع أحمد الجلبي في بركة السباحة الخاصة بوالد الجلبي. وكلاهما درس في المدرسة نفسها التي درس فيها علاوي. وفي المنفى في سبعينات القرن الماضي، دار طالباني وعبد المهدي في الدوائر الفلسطينية نفسها في لبنان.

وقال عبد المهدي: «نظرا للعلاقات الودية، والمجاملات، لا يتم في بعض الأوقات إثارة القضايا الحقيقية. تعتقد أن صديقك يخطئ، ولا تستطيع أن تكون صريحا للغاية معه».

ولا ينتشر حس السخاء لديه خارج حدود المنطقة الخضراء، حيث حذر الجميع بداية من آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الشيعي الأكثر نفوذا في البلاد، إلى التجار في الشوارع التي يملؤها الحواجز الأمنية في بغداد، من حالة السخط. والكلمة الملازمة في محادثاتهم هي المصالح، ويعمل السياسيون من أجل مصالحهم الشخصية.

وصاح محمود علي، التاجر بشارع فلسطين في بغداد، قائلا: «لقد تعبت، الطقس حار للغاية، والأعمال التجارية في وضع سيئ، والحكومة سيئة للغاية. لقد انتهى الأمر. هل أستطيع أن أخبرك بأي شيء أكثر من ذلك؟».

ويخترق تيار عميق من المؤامرة والشك هذه المشاعر، مثل الذي ظهر أثناء الأيام الأولى للاحتلال الأميركي عام 2003. نادرا ما يتم توجيه اللوم إلى السياسيين الأفراد. إنها في الغالب الدولة بأكملها، ومؤسساتها التي أخفقت في تقديم الخدمات الأساسية أو في تخفيف الشعور الذي يشبه الحصار لهذه المدينة المحصنة.

وقال علاء الصباح، الذي كان يتسوق في شارع مليء بالقمامة، «إنهم يعرفون مشكلاتنا، لكنهم لا يلقون لها بالا. والناس الذين انتخبوهم، لا يبرزون في تفكيرهم».

وأشار هيل، السفير الأميركي، إلى أن حالة الغضب التي تسري بين الشعب قد تجبر السياسيين على التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل ائتلاف في وقت أقرب مما يتوقعون.

وقال: «سيتحتم عليهم حل ذلك، أو سيواجهون الاتهام بأنهم سمحوا لطموحاتهم الشخصية بالوقوف في طريق مصالح الشعب».

لكن شأنه شأن الكثيرين، رأى رياض مهدي حالة من السخط بين الحكومة والمحكومين. وقال رياض، وهو مالك لأحد محال الملابس، إنه لا يثق في البرلمان الذي اجتمع يوم الاثنين.

وقال: «عندما يحين وقت تلقي الرواتب، سيكونون جميعا هناك. وعندما يكون هناك جلسة لمناقشة المشكلات التي تواجهها العراق، سيكون بمقدورك إحصاء العد الذي يحضر على أصابع يديك. سبعة أو ثمانية. إنهم هناك من أجل المال والسلطة. هذا هو كل شيء».

وتوقف، ونظر إلى الشارع تحت أشعة الشمس الحارقة، وقال: «أقسم بأن النظام الملكي أفضل من هذا النظام الجمهوري».

* خدمة «نيويورك تايمز»