رواندا الفقيرة توفر نظام تأمين صحي لغالبية سكانها

تمكنت من رفع متوسط عمر مواطنيها وخفض حالات الوفاة بسبب الولادة والملاريا

ممرض يأخذ عينة دم من امرأة يشتبه في إصابتها بالملاريا في منطقة مايانغ في رواندا («نيويورك تايمز»)
TT

يتسم جناح الولادة بالمركز الصحي في منطقة مايانغ ببساطة مبالغ فيها، إذ لا توجد هنا مياه جارية، وغرفة الولادة الصغيرة تتسع بما يزيد قليلا عن طاولتين. ولكن، كان طلاء الحوائط الأزرق جديدا نسبيا، ووضعت على سرر غرفة المخاض ناموسيات.

في الداخل، كان هناك ثلاثة أشخاص من عائلة يانكوليجي على سرير واحد: راشيل، 53 عاما، وابنتها تشانتال موجاويمانا، 22 عاما، والطفل تشانتال، الذي ولد حديثا ولم يسم حتى الآن. كان هذا المولود الأول في عائلته الذي تضعه أمه داخل مركز صحي بدلا من أن تضعه في كوخ من الطين. لكنه ليس الأول الذي يتمتع بالتأمين الصحي، فأمه وجدّته تتمتعان بذلك أيضا، وهذا هو سبب ولادته هنا.

يوجد في رواندا نظام تأمين صحي وطني منذ 11 عاما حتى الآن، ويغطي هذا النظام 92 في المائة من المواطنين، مقابل قسط سنوي قيمته دولاران.

ويلاحظ صاني نتايومبا، وهو محرر صحيفة «نيو تايمز» التي تتخذ من العاصمة كيغالي مقرا لها، هذه المفارقة: بلده، التي تعد من أفقر دول العالم بها تأمين صحي يغطي نسبة مواطنيها أكبر مما النسب المماثلة في دول أكثر ثراء. قابل نتايومبا طالبة جامعية أميركية العام الماضي، واكتشف أن «لديه تأمينا صحيا فيما لا تتمتع هي بتأمين صحي». ويقول: «إذا أصيبت بمرض، فإن والديها يمكن أن يفلسا. وكان أسوأ ما في الأمر أنها هزت كتفيها، وأعربت عن أملها ألا تمرض».

ومقابل دولارين في العام، نجد أن التغطية التأمينية داخل رواندا ليست أفضل من جناح الأمومة في مايانغ. وتغطي التكاليف الأساسية، ويجري في إطارها علاج الأسباب الأكثر شيوعا وتسبب الوفاة، مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والملاريا وسوء التغذية.

وعادة توجد لدى المراكز الصحية المحلية جميع الأدوية الموجودة على قائمة منظمة الصحة العالمية للأدوية الضرورية وتوجد معامل يمكنها إجراء تحليلات بول ودم بصورة دورية، مع اختبارات السل والملاريا.

وضعت موجاويمانا مولودها في حضور ممرضة، ورفع ذلك من احتمال بقائها على الحياة مع طفلها. ولو كانت هناك أمور أخرى، لربما ذهبت بسيارة إسعاف إلى المستشفى صحبة طبيب. وتقول الأم: «في السابق، كنا نأتي إلى هنا عندما تعاني الأم من مشكلات صحية. وفي الوقت الحالي، يطلب عامل الصحة في القرية من النساء عدم الوضع في المنزل».

ومنذ انتشار التأمين الصحي، ارتفع متوسط العمر المتوقع من 48 عاما إلى 52 عاما، على الرغم من استمرار وباء الإيدز، وذلك حسب ما تقوله أغنيس بيناغواهو، السكرتيرة الدائمة لوزارة الصحة في رواندا. وأضافت أن حالات الوفاة عند الولادة وبسبب الملاريا انخفضت بدرجة كبيرة.

وبالطبع، فإن الكثير من الأشياء الروتينية في الولايات المتحدة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي وغسيل الكلى غير متاح بصورة عامة. وتعني الإصابة بالسرطان والجلطات والأزمات القلبية الموت في أغلب الأحيان. ويوجد في الدولة، التي يبلغ عدد سكانها 9.7 مليون نسمة، طبيب أعصاب واحد وثلاثة أطباء قلب. (وفي المقابل فإنه في مدينة نيويورك 8 ملايين شخص، وفي بطولة بيسبول وطنية لأطباء الأعصاب أقيمت في سنترال بارك قبل عشرة أيام شاركت المستشفيات بخمسة فرق. وفي مقارنة أخرى مع الولايات المتحدة، فإن البدانة ومضاعفاتها الطبية لا تمثل قضية هنا، وسرعان ما يلاحظ أي زائر لرواندا أن جميع مَن الشارع نحفاء. ولا يرجع ذلك بالضرورة إلى سوء التغذية، فالرئيس بول كاغامي، وهو زاهد لا يتناول الكحوليات، نحيف أيضا).

تجري عمليات الجراحة العامة، ولكن ربما ينتظر الشخص ذلك لأسابيع. وربما تجرى عمليات جراحة متقدمة لعدد قليل من المرضى المحظوظين مجانا على أيدي أطباء زائرين من الولايات المتحدة وكوبا واستراليا وأماكن أخرى. ولكن لا يتوافر هؤلاء الأطباء دائما. ومن حين لآخر، تدفع وزارة الصحة مقابل ذهاب مريض إلى كينيا أو جنوب أفريقيا أو حتى الهند لتلقي العلاج.

ومع ذلك، كيف يمكن لدولة أن تتحمل تقديم الكثير مقابل دولارين في العام؟ والإجابة: لا يمكنها، من دون مساعدة خارجية. وتقول مؤسسة «شركاء في الصحة»، وهي مؤسسة صحية خيرية مقرها بوسطن تدير مستشفيين في الريف وشبكة من العيادات الأصغر في رواندا، إن تكاليفها تبلغ 28 دولارا للشخص في العام داخل المناطق التي تخدم فيها. وتقدّر أن الرعاية الحكومية الأساسية تتكلف ما بين 10 إلى 20 دولارا.

وحسب ما تفيد به دراسة نشرت أخيرا في «تروبيكال آند إنترناشونال هيلث»، فإن النفقات الصحية الإجمالية داخل رواندا وصلت إلى نحو 307 ملايين دولار في العام، ويأتي 53% من هذه النفقات من متبرعين أجانب، وتقدم الولايات المتحدة النسبة الأكبر. ومن بين المانحين الكبار «الصندوق الدولي لمحاربة الإيدز والسل والملاريا» الذي يختبر وسائل لدعم النظم الصحية بالكامل بدلا من معالجة الأمراض الثلاثة الموجودة في اسمه. ويدفع الصندوق أقساط 800.000 رواندي يوصفون رسميا بأنهم «أشد الفقراء فقرا».

وداخل الدولة التي يوجد بها مزارعون فقراء، تقوم مجالس القرى بتحديد الأفراد الأكثر فقرا بصورة رسمية. وتقوم هذه المجالس بتقييم الأصول مثل الأرض والماعز والدراجات وأجهزة الإذاعة وتنظر هل يحتوي الكوخ على سقف من الصفيح الغالي أم مجرد قش. ويقول فليسيان رواغاسوري، وهو منسق شؤون المرضى داخل عيادة مايانج: «يعرف الناس جيرانهم هنا، ولا يرتكبون أخطاء».

ويأتي جعل كل رواندي يدفع شيئا في إطار خطة طموحة للرئيس كاغامي من أجل دفع مواطنيه إلى الاعتماد بدرجة أكبر على النفس. ويطلق على رواندا «سنغافورة أفريقيا»، إذ تحتوي على شوارع نظيفة وبها معدل جريمة منخفض، وفي كل شهر يقوم كل شخص بخدمة المجتمع ليوم، مثل المشاركة في زرع الأشجار. ويحصل القطاع الخاص على دعم، ولا يعرف كاغامي الهوادة في سعيه إلى عقاب المسؤولين الفاسدين. ويقول منتقدون إنه باسم قمع التصريحات قد تحيي عداوات أفرزت عملية الإبادة عام 1994، يقوم بقمع المعارضة السياسية المعتادة أيضا.

ولكن هناك عقبة أكبر تقف أمام بناء نظام التأمين الصحي وهي أن معظم الفقراء في العالم، ومن بينهم الفقراء في رواندا، يرفضون فكرة الدفع سلفا لشيء ربما لا يستردونه أبدا.

ويعيش الكثيرون على المقايضة ولا يمكنهم تجميع دولارين نقدا، حسبما يقول الدكتور داماس دوكونداني، الذي يعمل في منطقة ريفية فقيرة. ويقول إن بعض المرضى يذهبون إلى المعالجين التقليديين في بعض الأحيان لأن الحكومة لا تقبل إلا مدفوعات نقدية. ويمكن أن يكون هؤلاء المعالجون خطرين ولكنهم يقبلون الماعز والدجاج.

ونتيجة لهذه العوامل، نجد أن رواندا بها خليط من العيادات، البعض منها أكثر ثراء أو أفضل من البعض الآخر. وتحصل عيادة مايانغ، على سبيل المثال، على تبرعات وإرشادات من «أكسيس بروجكت» الذي أسسه جوش روكسين، أستاذ الصحة العامة بكولومبيا الذي يعيش حاليا في كيغالي.

ويحتوي الكومبيوتر الذي يقوم بطباعة كروت التأمين على كاميرا ويب. ويقول الأستاذ روكسين إنه في السابق كان التأمين يتكلف دولارين، وكان السكان المحليون يضطرون إلى إحضار صور تكلفهم دولارا أو أكثر.

ويشير الأستاذ روكسين إلى مثال أكثر وضوحا يظهر كيف أن النظام يضع أعباء على الفقراء وهي حقيقة أن الروانديين الأكثر ثراء يدفعون دولارين مثل الفقراء بالمناطق الريفية. وتوافق على ذلك الدكتورة بيناغواهو، المسؤولة بوزارة الصحة. وتقول: «من غير المقبول تماما أن تدفع أمي نفس ما تدفعه المرأة التي تنظف منزلها. يجب تغيير هذا القانون». ومع ذلك تقول الدكتورة بيناغواهو إن رواندا يمكنها تقديم درس للولايات المتحدة عن التأمين الصحي: «التضامن.. لا يمكن أن تشعر بالسعادة كمجتمع إذا لم تنظم نفسك كي لا يموت الناس من الفقر».

* خدمة «نيويورك تايمز»