الحريري يتعهد بمتابعة ملف الحقوق المدنية للفلسطينيين.. والمسيحيون يتخوفون من التوطين

كلام جنبلاط عن «غباء اليمين» يوحد القوات والكتائب والعونيين

سعد الحريري (إ.ب.أ)
TT

لم ينجلِ في بيروت بعدُ غبار عاصفة «الحقوق المدنية» للفلسطينيين المقيمين في لبنان، والتي أثارت انقساما طائفيا في البرلمان اللبناني والقوى السياسية الأساسية فيه، والتي لم يمنعها سوى اقتراح رئيس الحكومة سعد الحريري سحب الموضوع لمدة شهر، وإقدام رئيس البرلمان نبيه بري على إحالته إلى اللجان لدرس الاقتراحات الثلاثة التي قدمها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط تمهيدا لإعادة طرحها أمام الهيئة العامة لمجلس النواب خلال فترة شهر تطبيقا للتسوية التي رتبها الحريري لسحب الملف من التداول.

فقد أثار تقديم النائب وليد جنبلاط وعدد من نواب كتلته 3 اقتراحات قوانين أمام الهيئة العامة للبرلمان تهدف إلى إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية، حفيظة القوى المسيحية التي تتخوف عادة من إعطاء هذه الحقوق. وأتى الدفع من قبل الكتل الرئيسية للتصويت على القبول بعرض هذه المشاريع أمام الهيئة العامة ليزيد من مخاوف القوى المسيحية المتناقضة سياسيا كقوى الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والتي تتعامل بحساسية مع المخاوف من «توطين اللاجئين الفلسطينيين» في لبنان، نظرا لما قد يتسبب فيه هذا التوطين من تغيير ديموغرافي لصالح المسلمين بإضافة أكثر من 400 ألف فلسطيني يقيمون في لبنان منذ العام 1948.

وفيما بدت القوى المسيحية في «14 آذار» أكثر ليونة في التعاطي مع هذا الملف، كان فريق النائب ميشال عون الأكثر معارضة للموضوع، علما بأن موضوع التوطين كان أكثر المواضيع التي استخدمها تيار عون في الحملات ضد فريق «14 آذار» وتحديدا تيار المستقبل خلال الأزمة التي عصفت بلبنان في السنوات الماضية، مما حمل فريق الأكثرية آنذاك على تقديم اقتراح لتعديل الدستور لمنع التوطين نهائيا.

وأوضح النائب جنبلاط أمس لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يدخل في مزيد من السجالات حول هذا الموضوع، مشيرا إلى أن الرئيس الحريري وعده بمعالجة هذا الموضوع وهو ينتظر، أما رامي الريس مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه جنبلاط، فقد رأى أن لا حجة أمام المنادين بالمزيد من التمهل، معتبرا أن هذا الموضوع «مؤجل منذ 62 عاما، ولا يمكن لأحد أن يقول إن الوقت دهمه». موضحا أن الحزب عقد مؤتمرا حول الحقوق الإنسانية للفلسطينيين شاركت فيه معظم القوى السياسية المعترضة، وهي شاركت في التوصيات أيضا رغم أن بعضها أبدى هواجسه حيال هذا الموضوع». وإذ أشار إلى أن ما حصل قد حصل، فقد رأى أن «الأهم الآن هو أن يقر هذا المشروع بعيدا عن الحسابات الضيقة»، مستدركا بالقول «مع أن التجارب السابقة لا توحي بالكثير من الثقة والأمل».

وفيما كان جنبلاط «يستريح» من عناء مواجهة أول من أمس، كان صدى كلماته يثير غضب القوى المسيحية على اختلافها، فتناوبت في الرد عليه، ودعا النائب إبراهيم كنعان، أمين سر تكتل «التغيير والإصلاح» (الذي يرأسه النائب ميشال عون)، إلى الكف عن المزايدة يمنة ويسرة في ملف حقوق الفلسطينيين، وقال: «لا يجب على وليد جنبلاط أن يزايد علينا إذا ذهب يمينا أو يسارا»، مؤكدا أن التكتل يملك موقفا وهوية وعندما «نتكلم لا نبيع كلاما بل نعني ما نقوله». وانتقد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا موقف جنبلاط، فرأى أنه «إذا كان الدفاع عن الدولة ومشروعها في لبنان غباء، فنحن فخورون بهذا الغباء، لأننا نعمل وفق اقتناعاتنا». فيما كان عضو كتلة الكتائب اللبنانية إيلي ماروني أكثر عنفا في رده على جنبلاط عن غباء وانعزال اليمين اللبناني، إذ قال: «بالنسبة لوصفنا بالانعزاليين، فالمسيحيون في لبنان أثبتوا، على مر التاريخ مدى انتمائهم إلى العرب والعروبة»، معتبرا أن «الانعزالي هو من خلق في الماضي ويخلق في الحاضر كانتوناته المستقلة ومصالحه المستقلّة». مشيرا إلى أن «جنبلاط سبق أن نعت الرئيس السوري بشار الأسد بأفظع النعوت، ثم عاد وتوسل الكرة الأرضية كلها ليسترضيه ويعتذر منه، فلا أستبعد، بالتالي أن يقول الشيء اليوم وعكسه غدا».

وكان الرئيس الحريري، الذي قالت مصادر قريبة منه لـ«الشرق الأوسط» إنه اضطر (أول من) أمس إلى التصويت ضد قناعاته للمرة الثانية، بعد تصويته في المرة السابقة على سحب مشروع خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة إرضاء لحلفائه المسيحيين، يبدو أكثر عزما على معالجة هذا الملف. إذ أشارت مصادره إلى ضرورة تحمل كل الأطراف مسؤولياتها في هذا الإطار باعتبار أنه «لم يعد جائزا استمرار الوضع على حاله في المخيمات وخارجها» مكررة تحذيره من أن «البؤس يصنع إرهابيين».

وأشار وزير الإعلام طارق متري إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري في تجاوبه مع اقتراح نواب «اللقاء الديمقراطي» عبر عن التزام الحكومة ببيانها الوزاري، لافتا إلى أن البيان المذكور يقول في الفقرة 11 «سوف تواصل الحكومة العمل على صعيد توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية». مذكرا من سماهم «البعض» بأن هذا النص جاء بمثابة اتفاق على الحد الأدنى المقبول، وأن الموافقة على اقتراحات القوانين خطوة على طريق احترام هذا الاتفاق، ويرتب ذلك على القوى المتمثلة في الحكومة مسؤولية سياسية وأخلاقية، ولا يعفي أحدا من هذه المسؤولية التذرع بمحاربة التوطين أو إثارة الحساسيات وتوسلها، معتبرا أن صدقية الجميع تحت المحك».

أما مسيحيا، فقد استمرت الردود الرافضة لـ«سلق المشروع»، وقال نواب من كتل القوات وعون والكتائب ومستقلين، أنهم يرفضون سلق هذا الموضوع. ويرى النائب عاطف مجدلاني وهو من النواب المسيحيين الذين عارضوا الاقتراحات أنها «تتضمن مغالطات قانونية تحتاج إلى درس في اللجان المختصة». ويعزو النائب مجدلاني الانقسام السياسي إلى «تخوف بعض النواب من أن يشكل إعطاء الفلسطينيين حقوقهم مدخلا للتوطين»، مؤكدا في المقابل أن «لا خوف من التوطين لأن جميع اللبنانيين يرفضونه حفاظا على القضية الفلسطينية وحق العودة».

وجدد النائب إبراهيم كنعان التأكيد أن التكتل مع حقوق الفلسطينيين المدنية، لافتا إلى أن الاعتراض في جلسة مجلس النواب (أول من) أمس بسبب أن اقتراح القوانين قدمت قبل جلسة البرلمان بـ4 أيام.. وسأل غامزا من قناة رئيس مجلس النواب نبيه بري «لماذا القوانين التي نتقدم بها تبقى 12 سنة».

من جهته، أعطى عضو كتلة حزب الله النائب نواف الموسوي أسبابا تخفيفية لحلفاء الحزب في التيار الوطني الحر، معتبرا أن «حدة الاعتراض لم تأت من التيار الوطني الحر بل أتت من مكان آخر، فالتيار طرح هواجس ولكن قدم في الوقت نفسه طرحا عمليا عندما دعا إلى دراسة هذه المقترحات وطرحها بشكل كامل». أما النائب زهرا (القوات) فقد أعلن أنه لا يعارض إعطاء الفلسطينيين حقوقا إنسانية، لكنه أشار إلى أنه لو تم إعطاء هؤلاء الحقوق المدنية فلن نستطيع أن نقول لهم شيئا عندما يأتونا بعد 10 سنوات مطالبين بحقوق سياسية.

* خيبة أمل فلسطينية

* أثار سحب اقتراحات القوانين المتعلقة بالحقوق المدنية من التداول وما رافقه من نقاشات، حفيظة القوى الفلسطينية، فانتقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، في بيان «رفض بعض الأطراف منح الحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين في لبنان». ونبهت الجبهة إلى «خطورة استمرار تلك السياسات العنصرية والطائفية»، مؤكدة «سقوط كل الذرائع والمحاولات الخبيثة لسحب السلاح الفلسطيني في لبنان»، معتبرة أن «كل الوقائع تشير إلى أن هذا السلاح وبالذات السلاح خارج المخيمات هو ضمانة وطنية لمواجهة العدو الصهيوني وعملائه وحماية شعبنا الفلسطيني في لبنان من مشاريع التوطين وشبح المجازر الذي ما زال قائما ويحيط بالمخيمات الفلسطينية».

وإذ نوه اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني بمبادرة اللقاء الديمقراطي و«طرحه مشاريع القوانين لإقرار الحقوق الإنسانية للفلسطينيين»، استغرب «مواقف بعض القوى والكتل النيابية التي عرقلت وتنصلت من إقرار هذه القوانين والمصادقة عليها (...) لأن التأجيل والمماطلة في إقرار هذه الحقوق والقوانين يشكل ضررا على العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية».

* الفلسطيني محروم من 70 مهنة ومن التملك

* تعتبر التشريعات اللبنانية الفلسطيني المقيم على أرض لبنان أجنبيا ومن مترتبات هذا التعريف وتداعياته عدم القدرة على العمل في مهن كثيرة. ورغم أن وزير العمل السابق طراد حمادي سمح للفلسطينيين بالعمل في بعض المهن الحرفية التي كانوا يزاولونها بطريقة غير رسمية، فإن الفلسطينيين لا يزالون ممنوعين من العمل في 70 مهنة، بينها الطب والمحاماة والهندسة والصحافة وغيرها من المهن. وقد نُظمت أوضاع الفلسطينيين بموجب مراسيم عدة، صدر أولها عام 1950 باسم اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين، برئاسة مسؤول البرتوكول في القصر الجمهوري الذي كُلف بمهمة الاجتماع مع رئيس وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) والتباحث معه بوضعهم، وإمكانية تشغيلهم في مشروعات خاصة في الجنوب والبقاع وعكار. أما الثاني فقد صدر عام 1959 باستحداث مديرية شؤون اللاجئين، ومن مهامها الاتصال بوكالة الغوث لتأمين العناية والإيواء بالشؤون الصحية والاجتماعية، وتنظيم قضايا أحوالهم الشخصية، وحركة تنقلهم ومكان إقاماتهم.

أما في عام 2001 فقد صدر قانون يمنعهم من التملك في لبنان، وبات كل فلسطيني يمتلك شقة في لبنان غير قادر على توريثها لأبنائه».