الحكومة البريطانية تعترف بعد 38 عاما أن «الأحد الدامي» كان خطأ غير مبرر

كاميرون يعتذر عن قتل 14 مدنيا في آيرلندا الشمالية برصاص الجيش.. ولكن تضميد الجراح قد يأخذ وقتا

TT

بعد 38 عاما على يوم «الأحد الدامي» الذي أشعل صراعا بين الكاثوليك والبروتستانت في آيرلندا استمر عقودا ولم ينته إلا قبل سنوات قليلة، اعترفت الحكومة البريطانية بأن إطلاق القوى الأمنية النار على المتظاهرين في ذلك اليوم وقتل 14 شخصا منهم، بينهم 7 مراهقين، كان خطأ. وحتى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي كان طفلا لا يتعدى الخمس سنوات حين اندلعت تلك الأحداث، قدم اعتذارا علنيا لأهالي الضحايا، باسم الحكومة والبلاد، عن إلصاق تهمة الإرهاب بهم طوال كل هذه السنوات. ولكن هل يكفي هذا الاعتراف الذي كان نتيجة تحقيق طويل انتهى قبل يومين، لطي صفحة قاتمة في تاريخ بريطانيا؟

ينتظر أهالي الضحايا الـ14 الذين قتلوا في ديري كما يسميها الكاثوليك، أو لندنديري كما يسميها البروتستانت، نتائج تحقيق لجنة سيفيل منذ أن أسسها رئيس الوزراء السابق توني بلير عام 1998. أرادوا أن يسمعوا من الحكومة البريطانية اعترافا بأن أهاليهم وأقاربهم الذين قتلوا في ذلك اليوم، في 30 يناير (كانون الثاني) 1972، على أيدي القوات البريطانية، لم يكونوا إرهابيين. وقبل يومين، حصلوا على الاعتراف الأول من نوعه منذ اندلاع أحداث «الأحد الدامي».

وقف رئيس الوزراء البريطاني في مجلس العموم، وأقر أمام النواب الذين سكنوا فجأة، في خطاب نقل مباشرة على كل قنوات الأخبار البريطانية، نتائج تقرير سيفيل، وقال: «لم أشأ أن أصدق أبدا أي شيء سيئ عن بلدنا. لم أرد أن أستجوب قواتنا. كانوا الأفضل في العالم، ولكن نتائج هذا التقرير واضحة. ليس هناك من شك. ليس هناك شيء مريب. وليس هناك غموض. ما حدث يوم الأحد الدامي لا مبرر له ولا يمكن تبريره. كان خطأ». وتابع كاميرون قراءة التفاصيل المروعة لتقرير سيفيل أمام برلمان لم يحسن الإصغاء بهذا الشكل منذ مدة. وصف الأحداث بأنها «مأساوية وصادمة». أقرأ ما توصل إليه المحقق من أن أحد الجنود أطلق النار على واحد من الضحايا وهو كان يساعد آخر أصيب. وكيف أن القتلى كانوا كلهم ناشطين مدنيين مسالمين. لم يكن واحدا منهم مسلحا...

أنهى كاميرون قراءته لنتائج التحقيق بتقديم اعتذاره لأهالي الضحايا... وهم كانوا يسمعون وينتظرون متجمعين في ساحة في ديري. صفقوا بعد أن سمعوا كاميرون يعتذر. كثيرون عبروا عن ارتياحهم بعد سماع رئيس الوزراء. قالت امرأة إنها كثيرا ما عرفت أن ابنها ليس إرهابيا، واليوم عرف العالم ذلك أيضا...

ولكن لم يكن الجميع يشعر بالفرح نفسه لسماع نتائج تحقيق لجنة سيفيل. فالقتلى في ذلك اليوم كانوا كلهم من الآيرلنديين الكاثوليك. كانوا يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم المدنية. أرادوا أن يعاملوا كمواطنين درجة أولى، مثلهم مثل الآيرلنديين البروتستانت. ولكن قوات الجيش البريطاني فتحت النيران عليهم من دون سبب. كان ذلك اليوم الشرارة التي أسست لسنوات من العنف والإرهاب قادها الجيش الجمهوري الآيرلندي، في حرب استمرت عشرات السنين وأدت إلى مقتل أكثر من 3500 شخص.

واليوم لا يزال كثيرون يعتبرون أن إعادة فتح جروح الماضي كان قرارا خاطئا لا ضرورة له. البروتستانت في آيرلندا الشمالية كانوا يتساءلون بالأمس ما الجدوى من إعادة الحديث عن الماضي، بعد أن تم تجاوز الخلافات. وحتى أن بعض الصحف اليمينية، مثل الـ«تيليغراف»، دعت إلى فتح تحقيق في الضحايا المدنيين الذين قتلوا على أيدي الجيش الجمهوري الآيرلندي في فترة الحرب التي تلت «الأحد الدامي». وكتب نورمان تيبيت، وهو سياسي محافظ خدم في حكومة مارغريت ثاتشر، في صحيفة الـ«تيليغراف»، يطالب بفتح تحقيق في تفجيرات برايتون التي استهدفت مؤتمر حزب المحافظين في العام 1984. نجت حينها ثاتشر من القنبلة التي زرعها الجيش الجمهوري الآيرلندي، ولكن قتل 5 آخرين بينهم نائب من حزب المحافظين. وقال اللورد تيبيت في مقاله أمس: «ضحايا برايتون ليسوا أقل أهمية من ضحايا لندنديري. يجب أن لا يعاملوا على أنهم ضحايا درجة ثانية».

الجدل الذي أراد بلير أن ينهيه مع قراره تشكيل لجنة سيفيل، لا يبدو أنه سينتهي قريبا. فالكثيرون من البروتستانت مستاءون من إعادة فتح الجراح. وأهالي ضحايا ديري يريدون أن يدفع القتلة الثمن. الاعتراف بالذنب والاعتذار ليس كافيا بالنسبة للكثير منهم. يريدون أن يحاكموا، خصوصا أن الجنود الذين أطلقوا النيران معروفون ولا يزالون أحياء. فهل تستمر عملية طي تلك الصفحة السوداء في تاريخ بريطانيا، أم أن العملية ستنتهي هنا؟