قادة أوروبا يقرون عقوبات ضد إيران تعوق الاستثمار في النفط والتكرير واستخراج الغاز

روسيا تنتقد أميركا والاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز العقوبات: نشعر بخيبة أمل بالغة

مشهد من فيلم بعنوان «إيران: الأصوات غير المسموعة» للمخرج داوود جيراميفارد الذي تعرض لمحاولة اغتيال بالرصاص قبيل الانتخابات الرئاسية الايرانية العام الماضي (أ ب)
TT

وجهت روسيا انتقادات لكل من أميركا والاتحاد الأوروبي وأعربت عن خيبة الأمل بعدما فرض الجانبان عقوبات إضافية على طهران تتجاوز عقوبات الأمم المتحدة وتتعلق بالاستثمارات في قطاعي الغاز والنفط وشركات الشحن ومزيد من البنوك الإيرانية.

وذكرت وكالة «إنتر فاكس» للأنباء أن روسيا انتقدت بشدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب التخطيط لعقوبات ضد إيران بالإضافة للإجراءات التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي. ونقلت الوكالة عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف قوله «نشعر بخيبة أمل بالغة من أنه لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي يستجيبان لدعواتنا للإحجام عن مثل هذه الخطوات».

وتابع المسوؤل الروسي أن العقوبات من جانب واحد «ضارة»، وحذر من أن الغرب يخاطر بفقد تأييد موسكو للجهود المنسقة لكبح أنشطة إيران النووية. ونقلت عنه الوكالة قوله: «نحن نستخلص بعض النتائج من ذلك بما في ذلك ما يخص فرص العمل المشترك» في إطار مجلس الأمن ومجموعة الدول الست التي تقود الجهود الدولية لضمان ألا تطور إيران أسلحة نووية. وأضاف أن العقوبات المنفردة والتي تتجاوز إجراءات الأمم المتحدة «ليست ضارة فحسب بل إنها تقوض أساس عملنا المشترك ضمن الدول الست ومجلس الأمن». وربما استهدفت ملاحظات ريابكوف في جانب منها إصلاح العلاقات المتوترة مع إيران حيث توجد مصالح لموسكو التي تقيم محطة قوى نووية لإيران وطمأنة الروس إلى أن الكرملين لا ينفذ ما تراه الولايات المتحدة. لكنه أكد أن روسيا تفسر عقوبات الأمم المتحدة على أنها تحظر عليها تسليم نظام صواريخ اس - 300 ارض - جو إلى إيران بموجب عقد حثت الولايات المتحدة موسكو على عدم تنفيذه.

ووافق زعماء الاتحاد الأوروبي أمس على فرض عقوبات أشد قسوة على إيران بما يتضمن إجراءات تعوق الاستثمارات في قطاع النفط والغاز الإيراني وتقلص من قدرات طهران على التكرير واستخراج الغاز الطبيعي. وتتجاوز هذه العقوبات بشكل كبير العقوبات التي وافقت عليها الأمم المتحدة في العاشر من يونيو (حزيران) وتهدف إلى الضغط على إيران كي تعود إلى المحادثات بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم الذي تعتقد القوى الغربية أنه مصمم لإنتاج الأسلحة النووية.

وتركز الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي، التي يمكن أن يبدأ العمل بها خلال أسابيع على التجارة بما في ذلك البضائع ذات الاستخدام المزدوج والبنوك والتأمين وقطاع النقل الإيراني بما في ذلك النقل البحري والجوي إلى جانب العقوبات على صناعة النفط والغاز الحيوية.

وقال رؤساء الدول والحكومات في قرارهم إن العقوبات على قطاع الطاقة سوف تحظر «الاستثمارات الجديدة والمساعدة الفنية ونقل التكنولوجيا والمعدات والخدمات التي تتعلق بهذه المجالات وخصوصا تلك التي تتعلق بالتكرير وتكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال».

وتتجاوز الإجراءات ما توقعه بعض الدبلوماسيين ومن المتوقع أن تضع ضغوطا مالية شديدة على إيران خامس أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، التي تملك قدرات تكرير محدودة.

وقال زعماء الاتحاد الأوروبي «يأسف المجلس الأوروبي بشدة على عدم استغلال إيران للفرص الكثيرة التي أتيحت لها لتزيل مخاوف المجتمع الدولي بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني. وفي ظل هذه الظروف لم يعد من الممكن تفادي إجراءات تقييد جديدة».

وقال دبلوماسيون إن بعض دول الاتحاد الأوروبي وبالتحديد ألمانيا ولها استثمارات كبيرة في قطاع النفط والغاز الإيراني لديها مخاوف بشأن تشديد العقوبات، لكن ما حدث هو أن كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سارعت لتأييد البيان المكتوب بلهجة قاسية.

واحتل الملف الإيراني حيزا كبيرا من مناقشات قمة الاتحاد الأوروبي ببروكسل أمس، وتمسك القادة بالمقاربة المزدوجة التي تتضمن تطبيق عقوبات على طهران، وفي نفس الوقت الإبقاء على الحوار وإمكانية إيجاد حل تفاوضي. وخلال المناقشات طالبت بعض الدول بإرجاء أي قرار نهائي بشأن العقوبات حتى النصف الثاني من الشهر المقبل خلال اجتماع مقرر لوزراء خارجية الاتحاد في التاسع عشر من يوليو (تموز). وتوافق القادة على بيان سياسي حول الملف الإيراني، تضمن دعم قرار مجلس الأمن بشأن العقوبات الأخيرة.

وشهدت المناقشات التعبير عن القلق الأوروبي المتزايد بسبب الملف النووي الإيراني، نظرا لمواصلة طهران برنامجها لتخصيب اليورانيوم على الرغم من عقوبات مجلس الأمن، وجدد القادة الإشادة بالاتفاق الثلاثي الإيراني - التركي - البرازيلي بشأن الوقود النووي، ولكنهم أكدوا أنه لا يعتبر حلا نهائيا للملف. ودعا البيان إيران إلى البدء في مفاوضات جدية بشأن برنامجها النووي، وذكر طهران بالمسؤوليات المترتبة عليها ضمن اتفاق الحد من انتشار الأسلحة الذرية. وأعرب البيان عن الأسف بسبب تخلف إيران عن طمأنة المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي وأكد أن قرار إيران برفع درجة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة يعزز هذا الشعور.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت بدورها ليل أول من أمس عن عقوبات جديدة على إيران منها إدراج بنك آخر مملوك للدولة وشركات تعمل كواجهة لشركة الملاحة الإيرانية وقيادتي القوات الجوية والصاروخية بالحرس الثوري الإيراني على القائمة السوداء. واتخذت الخزانة الأميركية أيضا خطوة منفصلة للضغط على قطاع الطاقة الإيراني إذ صنفت نحو 20 شركة للنفط والبتروكيماويات على أنها خاضعة لسيطرة الحكومة الإيرانية وهو إجراء يمنع حصولها على أعمال أميركية بموجب حظر تجاري عام.

وقال مسؤولو الخزانة إن بعض هذه الشركات مقرها خارج إيران وروابطها بطهران ليست واضحة. وأضافوا قولهم إن شركتي تأمين ستخضعان للحظر التجاري إحداهما مقرها في بريطانيا. وتستهدف إجراءات وزارة الخزانة الأميركية أيضا منع شركة الملاحة الإيرانية من التحايل على العقوبات الدولية بإطلاق أسماء جديدة على السفن ونقلها إلى شركات جديدة كواجهة. وأدرجت الخزانة الأميركية 5 من هذه الشركات على القائمة السوداء وأخضعت 27 سفينة جديدة للعقوبات وقامت بتحديث قائمة تضم 71 سفينة أخرى تم تغيير أسمائها والأعلام التي ترفعها. ويعتمد نجاح العقوبات الأميركية على المؤسسات الإيرانية بشكل كبير على ما إذا كانت الحكومات والشركات الأجنبية ستلتزم بها. وحتى الآن أوقفت عدة بنوك أوروبية التجارة مع شركات موضوعة على القوائم السوداء لوزارة الخزانة الأميركية ويخطط المسؤولون الأميركيون لبذل جهود كبيرة لإقناع الحكومات بدعم العقوبات الأميركية واتخاذ خطوات شبيهة. وقال السيناتور الأميركي جوزيف ليبرمان إنه يتوقع أن ينتهي الكونغرس قريبا من سن قانون يشدد العقوبات الأميركية على إيران يتضمن إجراءات تؤثر في صادرات المنتجات البترولية المكررة وإجراءات تضيف إلى العقوبات المفروضة حاليا على القطاع المالي الإيراني.

وليبرمان المستقل عضو في لجنة لمجلسي الشيوخ والنواب تضم مفاوضين يعملون على وضع التفاصيل النهائية للقانون، وقال إن القانون قد يتم إقراره بحلول الرابع من يوليو. وقال للصحافيين «بالتأكيد سيتضمن ذلك بنودا تتعلق بالمنتجات النفطية المكررة.. أعتقد أيضا أنه ستكون هناك عقوبات قوية حقا على القطاع المالي في إيران». وأضاف «يجب أن تكون قوية لأن العقوبات الاقتصادية في رأيي هي الفرصة الأخيرة أمامنا لتفادي الخيار بين إيران نووية والقيام بعمل عسكري ضدها».وفي أول رد فعل إيراني على قرار العقوبات الإضافية من الاتحاد الأوروبي، حذر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الاتحاد الأوروبي من «اتخاذ موقف عدائي» جديد ضد إيران.

وتابع لاريجاني أنه «لو جاء حجر من جانب الأعداء نحو إيران.. فعليهم أن يحذروا لأنه حتى تراب إيران سيدخل في عيونهم». وأضاف في تصريح للصحافيين في مدينة قم أمس «خلال الأعوام العشرة الأخيرة سعت أميركا على الدوام لجعل الأوروبيين مواكبين لها في عدائها ضد إيران، وأن تقوم بتوريطهم، وأن تدفع بهم إلى الأمام في العداء مع إيران. لكن بعض القادة الأوروبيين كانوا أكثر ذكاء وحذرين على الدوام في إطار هذه القضية، ذلك لأن الاتحاد الأوروبي له مصالح مشتركة مع منطقتنا دوما».

وأضاف أن «أميركا تزرع الرعب في قلوب الأوروبيين من الصواريخ الإيرانية، في حين أن هذه الصواريخ لم تكن موجهة إليهم أبدا. إن هذه من ألاعيب أميركا والكيان الصهيوني، لذا على الأوروبيين ألا يقوموا بفرض عقوبات ضد إيران تبعا للقرار الصادر عن مجلس الأمن»، مؤكدا أن مثل هذه العقوبات لن تعوق مسيرة التكنولوجيا النووية الإيرانية السلمية. وتابع لاريجاني أنه «في حال فرض عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي فإن إيران ستأخذ في الاعتبار الرد بالمثل».

إلا أن رئيس البرلمان الإيراني شدد في الوقت نفسه على أن «تصرفات الدول الغربية لا ينبغي أن تدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة بحيث تسفر عن الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية».

وأضاف أن «مواقف الدول الغربية أضعفت وكالة الطاقة الذرية، وليس أمامنا إلا خياران: إما أن نبقى تحت مظلة المعاهدة ونساعد على تطبيقها، وإما أن نخرج من المعاهدة وهو أمر سوف يسفر عن إضعافها». وأكد أن إيران قبل التوقيع على البيان الثلاثي أبلغت البرازيل وتركيا بأنها لا تثق في الدول الغربية، لكن البرازيل وتركيا أصرتا على التوقيع على البيان.

من ناحيته، قال وزير الدفاع الإيراني إن القوى الكبرى فرضت حظرا على بيع السلاح لإيران «لكننا لسنا بحاجة للسلاح وحسب وإنما لدينا القدرة على التصدير». ونقلت وكالة «فارس» عن العميد أحمدي وحيدي قوله إن إيران تملك الأرضية المناسبة لصناعة وإنتاج المدفعية والدبابات والمروحيات والسفن الحربية بما يحقق لها الاكتفاء الذاتي «حيث إن العقوبات الأخيرة تظهر عجز قوى الاستكبار ومجلس الأمن، وسوء النية تجاه الشعب الإيراني».