قرغيزستان: اتهامات للجيش بالتورط في عمليات تطهير عرقي

الحكومة مصرة على الاستفتاء رغم الاضطرابات.. ودول الجوار سترسل خبراء وليس قوات سلام

جندي قرغيزي يدقق في وثائق سائق سيارة في مدينة أوش الجنوبية أمس (إ.ب.أ)
TT

احتشد أكثر من 10 آلاف شخص من الإثنية الأوزبكية في بلدة صغيرة حدودية بجنوب قرغيزستان، ولدى كل واحد منهم قصة يرويها عن الطريقة التي أرغمها به غوغائيون قرغيز على الهرب، كما أن لكل منهم سببا يمنعه من العودة لمنزله، رغم تدهور الوضع في البلدة الحدودية. وصف هؤلاء كيف أن رجالا مسلحين من القرغيز اقتحموا منازلهم وخطفوا بناتهم. تحدثوا عن عصابات أحرقت أحياءهم، وأحيانا حاصرت بعض الناس وسط النيران. كما اتهموا الشرطة وجنودا من القرغيز بالمشاركة في المجزرة بدلا من حمايتهم.

تقدت زاخومار عصام الدين أوفا، 33 سنة، أمام الحشد وقالت أول من أمس: «كيف نعود إلى منازلنا. إنهم يطلقون النار علينا، ويقتلوننا. يقولون إن الوضع صار أكثر أمنا الآن لكن كيف نعرف أن هذا صحيح؟»، حسبما أفادت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها. يجلس الناس هنا، وغالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين. ينامون في مجموعات مكونة من نحو 40 شخصا في الغرفة الواحدة، أو داخل عدد قليل من الخيام تم نصبها. المياه غير نظيفة والطعام بدأ ينفد، والأطباء يقولون إنهم بحاجة إلى مزيد من الأدوية لمعالجة الناس من الإسهال والاكتئاب.

بعد أيام من المواجهات العرقية التي خلفت مئات القتلى في المنطقة، انتشر جنود نقلتهم الحكومة المؤقتة أول من أمس، وبدوا أنهم يبذلون جهودا لإعادة الاستقرار، لكن الأقلية الأوزبكية واصلت الاختباء في جيوبها. وبعد أن بدأت قصص التطهير العرقي تظهر شيئا فشيئا، بدا من غير المرجح أن ثقة الأوزبك في السلطات قد تعود قريبا. هذه الثقة المفقودة فاقمت من الأزمة الإنسانية في المناطق التي فر إليها النازحون وجعلت من الصعب على الحكومة أن تقنع الناس بالعودة إلى مناطق سكنهم الأصلية، في وقت تم فيه أيضا منع مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية التي أرسلت إلى مدينة أوش الجنوبية، من الوصول إلى النازحين رغم أنهم الأكثر حاجة لها.

وقال مسؤولون قرغيزيون إنهم لم يتوقفوا عن تقديم المساعدات إلى قادة المجموعات الأوزبكية، لكن الأوزبك يؤكدون أنهم لم يتلقوا سوى النزر القليل من السلطات. وتقول منظمات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان إنه يتعين على المجتمع الدولي إرسال قوات أو عناصر شرطة محايدة لضمان إيصال المساعدات.

وقتل 191 شخصا على الأقل في أعمال العنف في جنوب قرغيزستان منذ اندلاع أعمال العنف بين القرغيز والأوزبك في العاشر من الشهر الحالي، على الرغم من أن بعض المراقبين في المنطقة يقولون إن عدد القتلى يقترب من الألف. وتقدر مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن أكثر من 200 ألف شخص فروا من منازلهم بسبب الاضطرابات الأخيرة. كما تقول منظمات إغاثية إن أكثر من 100 ألف شخص عبروا الحدود إلى أوزبكستان، إلا أن الحكومة الأوزبكية أغلقت حدودها أمام المهاجرين الجدد الاثنين الماضي، ووجهت نداء إلى المجتمع الدولي بتقديم المساعدات مشددة على عجزها عن استقبال المزيد من الناس.

في غضون ذلك، تعهدت الحكومة القرغيزية المؤقتة أمس بالمضي قدما في خططها الرامية لإجراء استفتاء على تعديلات دستورية الشهر الحالي، رغم المخاوف الأمنية في أعقاب أعمال العنف العرقية الأخيرة. ورغم التراجع النسبي في أعمال العنف خلال اليومين الماضيين، فإن المخاوف بشأن الأمن قبل الاستفتاء المقرر يوم 27 من الشهر الحالي حول مستقبل البلاد، لا تزال قائمة. وقالت الحكومة المؤقتة إنها عازمة على إجراء الاستفتاء الذي تحتاجه لترسيخ حكمها وللمضي قدما في خطة للإصلاح. وقال عظيم بك بيكنازاروف نائب رئيسة الحكومة المؤقتة للصحافيين في العاصمة بشكيك «الوضع في أوش آخذ في الاستقرار. لدينا ما يكفي من القوات». وأضاف «يجب علينا تنظيم (الاستفتاء). على كل من يدعون أنفسهم مواطنين قرغيز أن يصوتوا في الاستفتاء».

وتعتزم الحكومة المؤقتة إجراء استفتاء على تعديلات دستورية مقترحة، يوم 27 من الشهر الحالي. واقترح بعض المسؤولين إرجاءه إلى حين استقرار الأوضاع. وقال مبعوث الأمم المتحدة ميروسلاف جينكا «إذا أجري بطريقة غير صحيحة فهذا بالقطع سيؤدي إلى مشاكل. على الحكومة أن تقيم ما إذا كانت قادرة على تنظيم الاستفتاء بطريقة تتسم بالشرعية حتى يلقى اعترافا».

وتخشى روسيا والغرب من أن توفر حالة عدم الاستقرار في الجمهورية السوفياتية السابقة ملاذا آمنا للمتشددين الإسلاميين أو تعزز الجماعات المتشددة في آسيا الوسطى. وحذر مبعوث الأمم المتحدة جينكا من أن الاضطرابات الأخيرة في قرغيزستان، تعد أرضا خصبة للتشدد الإسلامي في البلاد. وقال جينكا في حديث مع «رويترز» الليلة قبل الماضية: «هناك خطر انتشار التطرف في وادي فرغانة وبشكل أوسع نطاقا في آسيا الوسطى كلها مع الوضع في الاعتبار أن آسيا الوسطى تقع على حدود أفغانستان». وأضاف «هناك العديد من المنظمات المتطرفة. وبالطبع في هذه الظروف تجد أرضا خصبة لتنفيذ خططها».

كذلك، قالت الحكومة القرغيزية في بيان إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بحثت أمس في اتصال هاتفي مع رئيسة الحكومة المؤقتة في قرغيزستان روزا أوتونباييفا تطورات الصراع. ومن المقرر أن يزور مساعد وزيرة الخارجية الأميركية روبرت بليك، أرفع مسؤول أميركي لشؤون آسيا الوسطى، بشكيك اليوم (الجمعة). وتحدثت أوتونباييفا في وقت سابق مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.

وعلى الرغم من مناشدات قرغيزستان رفضت موسكو، التي أرسلت قوات إلى قرغيزستان في 1990 لإخماد صراع أصغر عندما كانت آسيا الوسطى جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق، التدخل هذه المرة ووصفت الصراع بأنه شأن داخلي. ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن الأمين العام لمنظمة اتفاقية الأمن الجماعي التي تهيمن عليها روسيا قوله أمس إن المنظمة لا تعتزم إرسال قوات لحفظ السلام إلى قرغيزستان لكنها قد تبعث بمستشارين للمساعدة في تجنب المزيد من الاضطرابات. ونقلت «إنترفاكس» عن الأمين العام للمنظمة نيكولاي بورديوجا قوله: «تجري دراسة مسألة إيفاد متخصصين يعرفون كيف يخططون ويعدون العمليات لمنع اضطرابات واسعة وتحديد المتآمرين واحتواء العصابات التي تتسبب في تصعيد الوضع، لكننا لا نتحدث عن إرسال قوات لحفظ السلام إلى قرغيزستان».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»