القصة الكاملة لـ«الحراك الجنوبي» في اليمن (2): «الشرق الأوسط» في وسط «العصيان المدني».. ومسؤول الحزب الحاكم: القتلة هم المتصالحون والمتسامحون

أحمد عبادي: «الحراك الجنوبي» و«القاعدة» يلتقيان في عداء السلطة

صور للعصيان المدني في الضالع وحالمين («الشرق الأوسط»)
TT

يوم الاثنين الذي وافق الـ5 من أبريل (نيسان) الماضي، كان اليوم الأول في الأسبوع الأول الذي قررت قوى وفصائل «الحراك الجنوبي» تنفيذ «عصيان مدني» في محافظات جنوب اليمن، وبصورة أسبوعية، وذلك احتجاجا على ما يسمى «حصار الضالع عسكريا»، رغم أن بعض المراقبين يشككون في ذلك الهدف، وخصوصا أن موضوع العصيان المدني طرح، قبل ذلك، أي قبل حصار الضالع، ويقولون إن الهدف من مثل هذا العصيان المدني أو الإضراب العام، هو «جس نبض مدى تجاوب المواطنين في تنفيذ فعاليات مستقبلية أكبر وأعظم».

صادف هذا اليوم أن «الشرق الأوسط» موجودة في الجنوب، في الضالع، في ذلك الصباح، بدت المدينة أشبه بمدينة أشباح لخلوها من المواطنين، باستثناء الانتشار الأمني الكثيف جدا وبضعة مواطنين يتجولون في الشوارع بحذر شديد، لكن المحال التجارية كانت مغلقة، لن تستطيع أن تحصل حتى زجاجة ماء أو كوب شاي، والغريب أن دعوة «الحراك الجنوبي» كانت موجهة إلى أنصاره فقط، لكن المؤسسات الحكومية والبنوك والمدارس وغيرها، كانت جميعها، مغلقة، وشبه أحدهم الضالع في ذلك اليوم، بأن نهارها يشبه، كثيرا، أي نهار في شهر رمضان الكريم عندما تخلو الشوارع وتغلق المحال التجارية.

لكن الأمر الأبرز والأهم والفارق البيّن، هو ذلك الانتشار الأمني، غير الاعتيادي، الذي لا يمكن معه، لصحافي، إلا بصعوبة بالغة، أن يخرج كاميرته ويلتقط صورة لذلك السُبات، شبه التام، كما أن إجراء أي مقابلة مع أي شخص، في الشارع، أمر مستحيل، فالجنود من الجيش والأمن متوترون ومشحونون، وأي حركة اعتيادية تعنى الرد عليها بالرصاص الحي، وأي شخص، ولو كان غريبا عن المنطقة، يعتبر مشتبها به، والأمر الأصعب من ذلك أن الكثير من «المدنيين» المنتشرين في شوارع المدينة فوق السيارات والدراجات النارية، غالبيتهم، عناصر أمنية ومخابراتية، كما حدث عندما حاولنا تصوير طريق مقطوع من قبل مسلحين في «الحراك» وبعيدا عن الوجود الأمني، فجأة كان اثنان من المخابرات في زي مدني - شعبي يمنعوننا من هذا الحق المكفول في الدستور والقوانين للجميع، وبخاصة للصحافيين.

قبل أن نغادر مدينة الضالع، كنا قد ضربنا موعدا للقاء صحافي مع العقيد غازي أحمد علي محسن، مدير أمن محافظة الضالع، وهو يمني جنوبي من محافظة شبوة ومن جماعة تسمى «الزمرة»، وهي الجماعة التي فرت من جنوب اليمن إلى شماله في أعقاب أحداث يناير (كانون الثاني) عام 1986 في الجنوب، ووالده حاليا محافظ لمحافظة المحويت الشمالية، لكن حينما وصلنا إلى مبنى إدارة أمن المحافظة لم يكن موجودا، وبعد أن عدنا إلى العاصمة، صنعاء، اعتذر لـ«الشرق الأوسط» عن عدم إجراء أي حوار صحافي، لأن وزير الداخلية اليمني، اللواء مطهر رشاد المصري، يمنع المسؤولين الأمنيين من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، على حد قوله.

تلك الأجواء بعثت في نفوسنا الرعب واضطررنا إلى مغادرة الضالع، وخصوصا أننا لم نحصل على أي ضمانات أمنية لزيارة المنطقة التالية وهي مدينة الحبيلين، عاصمة مديريات ردفان الخمس في محافظات لحج، وهي أكثر المناطق، اضطرابا أمنيا في الجنوب، حاليا.

وفي الحوار التالي الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع أحمد عبادي، مسؤول حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم، في محافظة الضالع، نتطرق إلى جملة من القضايا الجوهرية والمفصلية التي يتحدث فيها عن «الحراك» ومن يقف وراءه وقضايا سياسية وأمنية أخرى، فإلى نص الحوار:

> في البدء ما موقفكم في المؤتمر الشعبي العام من «الحراك الجنوبي»؟

- أولا أريد أن أوضح شيئا، وهو أن المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الحاكم في اليمن، ولكنه هنا في الضالع، حزب معارض، والحزب الحاكم هو «تكتل المشترك»، وعلى كل حال، فما يسمى بـ«الحراك الجنوبي» ولد من رحم أحزاب «المشترك» (المعارضة)، وتحديدا من الحزب الاشتراكي، ومن البارزين في «الحراك» هو صلاح الشنفرة، عضو مجلس النواب الذي انتخب باسم «المشترك».

ومن الملاحظ أنه تم استغلال بعض الظروف التي كانت مواتية كالفقر والجفاف في المحافظة، والبطالة، وارتفاع الأسعار وغيرها من العوامل التي استغلت، و«الحراك» بدأ في بادئ الأمر يطرح أنصاره مطالب حقوقية كمستحقات العسكريين والمتقاعدين وفعاليات للتنديد بنهب الأراضي في عدن، و«الحراك» استغلوا هذه القضايا وغيرها واستغلوا الديمقراطية وبدأت الفوضى، بقطع الطرق وإحراق الإطارات في الشوارع وإطلاق النار.

> لكن جماعة «الحراك» ينفون أي علاقة أو صلة بطرد المواطنين الشماليين أو قتلهم أو نهبهم؟

- هل تتوقع أن يقولوا لك إنهم هم القتلة؟ هذا شيء بديهي، القاتل يقتل والناس يرونه وينكر، وإذا اعترف يقول لك «كنت سكران».

> بم تفسر تمكن «الحراك» من إقامة مسيرات وعصيانات مدنية رغم التشديد الأمني الذي نلحظه؟

- من الملاحظ أن ما سموه العصيان، الذي اعتبر ناجحا، يرجع إلى أن مسلحي «الحراك»، ومنذ اليوم الذي يسبق العصيان، تجدهم بأسلحتهم ويمرون يهددون أصحاب المحال التجارية بأنه إذا لم يلتزموا بالعصيان ويغلقوا محلاتهم، فإنهم سوف يقومون بقتلهم وإحراق محلاتهم، ونفس الحال مع إدارات المدارس.. وسبق وأطلقوا النار على إحدى مدارس البنات، أما بالنسبة للنقاط العسكرية فهي لمنع دخول السلاح إلى المدينة، وذلك حرصا من الدولة وخشية أن يحدث اقتتال بين المواطنين أنفسهم، ومدينة الضالع تعتبر مدينة ريفية، أصلا، وليست كالمدن الحضرية.

وأنت تقول لي إنك شاهدت عددا كبيرا من النقاط العسكرية في المدينة، لكنك لو تحركت إلى أطرافها فستجد أن هناك نقاطا لجماعة «الحراك» أنفسهم وهم بأسلحتهم ويمنعون السيارات من المرور.

> أنتم في حزب المؤتمر كحزب معارض في هذه المحافظة، ألم تدخلوا في حوار مع أحزاب «المشترك» أو مع «الحراك»؟

- بلى.. لقد التقينا أكثر من مرة بأحزاب «المشترك» وكنا نخرج بنتائج إيجابية، فمثلا التقينا معا قبل عدة أسابيع واتفقنا على عدد من النقاط أهمها ما يتعلق بالجانب الأمني، كيف نؤمن المنطقة ونرفض الأعمال الفوضوية وعدم إطلاق النار من جوار المنازل وفي المقابل أجهزة الأمن لا تطلق النار، لكن كل ذلك لا ينفّذ.

> هل لديكم إحصائية عن ضحايا الصراع خلال السنوات الأخيرة؟

- نعم لدينا إحصائية.. ولكن لا تحضرني حاليا، وبالمناسبة مدير عام مديرية الضالع نشر بعض الأرقام مؤخرا، غير أن أحزاب «المشترك» اعترضت على ذلك وطالبت وقامت بسحب الثقة منه بحكم امتلاكها الأغلبية في المجلس المحلي أو البلدي (أعيد إلى العمل بقرار من نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية الدكتور رشاد العليمي، والمجلس المحلي يعلق أعماله حاليا احتجاجا على ذلك).

> هل أفهم منك أن «المشترك» هو «الحراك» و«الحراك» هو «المشترك»؟

- نعم كان كذلك في بادئ الأمر، لكن «المشترك» بدأ مؤخرا يشعر بالخطر، لقد حذرناهم منذ البداية وقلنا لهم إن هؤلاء لا يقتنعون بكم أو بنا، لأن عندهم جنون العظمة وجنون الحكم، لأن بعضهم أو آباء بعضهم كانوا في الماضي يحكمون، ومن الصعب أن يسمحوا للآخرين بالوصول إلى مواقع قيادية أمنية أو عسكرية أو مدنية، وطبعا الكثير من الشباب الذين يتظاهرون، إذا جلست مع أحدهم، تجده في النهاية يبحث عن وظيفة، لكن هناك مجموعة بسيطة لها ارتباطات مع علي سالم البيض (الرئيس الجنوبي السابق) أو غيره، هي التي تقف وراء ما يجري.

> قيادات «الحراك» تقول إن مظاهراتهم سلمية لكن قوات الأمن تقوم بقمعهم.. ما تعليقك؟

- يا أخي.. دائما في تصريحاتهم يعلنون أنهم سيخرجون في مسيرات سلمية، لكن يحدث عكس ذلك، وأنا على استعداد أن أعطيك كاسيتات وهم يتظاهرون ويحملون الـ«آر بي جيه» والكلاشنيكوف والقناصات والقنابل، وهؤلاء هم نموذج لما يسمى «الحراك السلمي»، وعلى سبيل المثال، من الذي قتل وجرح العسكر؟ هل قتلوا أنفسهم بأنفسهم؟ لنكن واقعيين.. فنحن في المؤتمر الشعبي العام لدينا شفافية وإذا أردنا تجاوز أي أزمة فيجب أن نتحدث بالواقع.

> هل لديكم أسماء معينة متهمة بـ«المساس بالوحدة الوطنية»؟

- كمثال، صلاح الشنفرة.. وهم أصلا يدعون إلى الانفصال، وأحزاب «المشترك» هي الآن في حسرة داخل المحافظات الجنوبية لأنه (المشترك) بدأ بالتعاون مع «الحراك» بترديد قصة، شمالي جنوبي، والآن يلهث وراء «الحراك» من أجل الشعبية، لكنهم لا يستمعون إليه أو إلينا.

> ما الخطورة التي تستشعرونها من تصنيف المواطنين بين شمالي وجنوبي؟

- فيها خطورة كبيرة، عندما أحقد عليك كشمالي أو جنوبي دون أن أعرف ما السبب، فقط لأنهم زرعوا في داخلي صورة مشوهة بأن هذا شمالي، وزرعت هذه الفكرة في عقول الشباب والمراهقين ووصل الأمر إلى داخل المدارس، وهناك معلمون استغلوا الطلاب داخل الفصول الدراسية ويسألون الطلاب من منكم شمالي ومن منكم جنوبي؟ هذه أمور خطيرة على البلد وبحاجة إلى بذل جهود من كل الخيرين وفي مقدمتهم أئمة وخطباء المساجد.

> هل هناك علاقة بين «الحراك» والإرهاب و«القاعدة» وأريد إجابة صريحة؟

- «الحراك» و«القاعدة» قد يلتقيان في تحديد العدو والخصم، أي في عدائهما للسلطة، لكن لكل منهما مفاهيمه ورؤاه الخاصة به، وعقيدتهما وأهدافهما مختلفة، لكن قد يلتقون من أجل زعزعة الأمن والاستقرار أو من هذا القبيل.

> قبل انطلاق «الحراك»، حدث تصالح وتسامح في الجنوب بين خصوم الأمس، ولكن من يدعم «الحراك» من الداخل أو من الخارج؟

- بالنسبة للتصالح والتسامح، هو باختصار قاتل يسامح قاتل، وفي اعتقادي إذا كنا صادقين في التصالح والتسامح، فعلينا أولا أن نتصالح مع أبناء الأشخاص الذين ذبحناهم منذ بداية السبعينات وحتى عام 1986، فقدنا هامات كبيرة، مثلا من كانوا في حادثة الطائرة الدبلوماسية (تحديدا في 30 أبريل 1973)، وتلك الحادثة أعتبرها شخصيا مذبحة، فهل الذين قالوا إنهم تصالحوا وتسامحوا والذين اقتتلوا في 13 يناير 1986، حضر معهم، في تصالحهم، بعض أسر الشهداء؟

> هل أفهم أنك تقول إن حادثة الطائرة كانت مدبرة؟

- نعم كانت مدبرة دون شك، ولا يستطيع أي أحد أن يخفي ذلك، وتلك الحادثة قتلت اليمن الديمقراطي حينها.

> إذن ما هو الحل في اعتقادك للوضع القائم في اليمن حاليا؟ وهل تعتقد أن الجنوب يمكن أن ينفصل في يوم من الأيام؟

- بالنسبة للانفصال فهو أمر فيه صعوبة، دون شك، صعب صعب، لكن في الوقت نفسه، يجب علينا أن نشخص المشكلات القائمة بصدق وأمانة، ولا بد من حلها.

> البعض يعتقد أن الفساد القائم في البلاد أسهم في ظهور «الحراك الجنوبي»، وربما حراكات أخرى في مناطق أخرى قادمة.. ما تعليقك؟

- يا أخي.. الذين نهبوا الأراضي، مثلا، هم قلة قليلة، لكن لماذا لا نشخص هذه المشكلة؟ والأخ الرئيس علي عبد الله صالح دعا أكثر من مرة إلى الحوار، ونتمنى أن تطرح مثل هذه القضايا على طاولة الحوار. والمشكلة أن المعارضة في اليمن تطرح دائما السلبيات فقط ولا تطرح المعالجات ولا تعترف بإيجابيات الطرف الآخر، كما أنهم يرفضون الجلوس لمناقشة هذه المشكلات، وهذه مشكلة في حد ذاتها.

> ألست معي في أن من الصعوبة بمكان أن يقبل من كانوا حكاما، كقادة عسكريين أو سفراء أو وزراء، أن يُرموا إلى الشارع ويحل مكانهم آخرون من مناطق أخرى؟

- أنا لست مع هذا الطرح، ولكن فعلا هناك أخطاء وكانت هناك قيادات من المحافظات الجنوبية، إن لم تكن ككل، مثلا من الضالع، قتلوا أو ماتوا ونحن منذ ما بعد الحرب عام 1994، نحاول في «المؤتمر» الحاكم أن نضع أولادهم كمسؤولين، بينما باقي المؤتمريين والوحدويين في الجنوب الذين انخرطوا في صفوف المؤتمر الشعبي العام، وحموا الوحدة في 1994، لم يحصلوا على شيء ومعظم القيادات حاليا من القيادات الاشتراكية السابقة.

> كم يبلغ عدد أعضاء وكوادر المؤتمر الشعبي في الضالع، مثلا؟

- أعتقد أن الرقم حق تنظيمي لا نقوله أو نصرح به.

> والنسبة؟

- النسبة «كويسة» جدا، وعليك أن ترجع إلى نتائج الانتخابات.

> نتائج الانتخابات تقول إنكم أصبحتم أقلية ومعارضة في هذه المحافظة؟

- ارجع إلى نتائج الانتخابات وستعرف نسبة وجود «المؤتمر» في الضالع.

> كقيادي في الحزب الحاكم ما هي قراءتك لمستقبل الجنوب؟

- قراءتي للوضع في اليمن كله أنه لا بد من حوار ووضع الحلول المناسبة وإخراج البلد من أزماته.