البصرة: مظاهرة للمطالبة بتحسين الكهرباء تتحول إلى مواجهات وتنتهي بمقتل متظاهر

المالكي يدعو إلى ضبط النفس.. ومسؤولون يتهمون أطرافا باستغلالها للتأثير على ترشيحه لولاية ثانية

جنود يواجهون المتظاهرين الغاضبين في البصرة أمس إثر تدني مستويات الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة (رويترز)
TT

قتل شخص وجرح اثنان آخران عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص في الهواء أمس، لتفريق مظاهرة قام بها آلاف من سكان البصرة أمام مجلس المحافظة؛ احتجاجا على النقص الحاد في التيار الكهربائي.

وكانت المظاهرة قد بدأت بشكل سلمي طالب المشاركون فيها الحكومة المحلية أن توفي بوعودها بتحسين الخدمات، ومهددين بتحويل المظاهرة إلى اعتصام وانتفاضة شعبية، مشددين على إقالة المحافظ والمسؤولين عن دوائر الكهرباء، ولما لم يجد المتظاهرون من يستقبلهم من المسؤولين ويستمع إلى مطالبهم، رجموا بناية مجلس المحافظة بالحجارة، مما حدا بالأجهزة الأمنية المكلفة بالحماية إلى إطلاق النار لتفريق المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة آخرين قبل وصول التعزيزات المحمولة بسيارات مدرعة التي طاردت المتظاهرين، واعتقلت العشرات منهم.

وقال متظاهرون لـ«الشرق الأوسط» إن المظاهرة دعا إليها أبناء المحافظة، ولم تقف جهة سياسية أو أحزاب خلفها، «بعد أن بلغ السيل الزبى» وتم تجاهل مطالبهم بالعمل على تحسين الأداء، رغم ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، في حين بلغ سعر قالب الثلج ما يعادل مائة ضعف سعره الطبيعي.

وقال بعضهم إن معظم الطاقة الكهربائية المخصصة للمحافظة تذهب إلى ما يسمى بـ«الخطوط الحرجة» أي التي لا تنقطع عنها الكهرباء، على اعتبار أنها مخصصة للمستشفيات، في حين أنها تغذي بيوت المسؤولين والمقرات الحزبية، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «لا نريد النفط والدواء، بل الماء والكهرباء»، و«جماهير البصرة تطالب المرجعية العليا بتوفير الخدمات للمواطنين». ورددوا هتافات عدة، بينها «اليوم سلمية وغدا حربية» في إشارة إلى المظاهرة، وأخرى باللهجة المحلية: «يا محافظ شيل إيدك (أي ارفع يدك) أهل البصرة ما تريدك». وقال الشيخ حيدر علي حسن (55 عاما): إن «أهالي البصرة مظلومون في الزمن السابق والحالي، لا نريد نفطا بل نريد كهرباء وماء». وأضاف أن «الكهرباء تقطع خمس ساعات، وتأتي ساعة واحدة، رغم أن درجات الحرارة فاقت الخمسين»، وتساءل: «هل هذا إنصاف من الحكومة المحلية أو المركزية؟». وحذر من أن «هذه المظاهرة سلمية، لكننا سنقوم بأعمال لا تحمد عقباها، إذا لم تتحقق مطالبنا».

والبصرة أغنى مدن العراق، ورئته الاقتصادية، وتضم أكبر الحقول النفطية، فضلا عن أنها المرفأ الرئيسي لتصدير النفط. ويعاني قطاع الكهرباء في العراق عموما من فشل في إنتاج الطاقة طوال السنوات الماضية، جراء تعرض المحطات وشبكات النقل إلى أضرار كبيرة عند اجتياح العراق عام 2003، أعقبه أعمال تخريب خلال الأعوام الماضية.

وفي حين أكد المتظاهرون أن مظاهرة البصرة كانت تلقائية، قال مسؤولون في مجلس المحافظة ينتمون لائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، إن المظاهرة استغلت من قبل منافسين سياسيين يريدون أن يتخلى المالكي عن سعيه لولاية ثانية في المحادثات الرامية لتشكيل حكومة ائتلافية، طبقا لما أوردته وكالة «رويترز».

ومن جهته، اتهم عدي كاظم النائب البرلماني عن كتلة الأحرار «بعض المندسين من أطراف أخرى بالمشاركة في تخريب المظاهرة».

ورفع بعض المتظاهرين لافتات تقول: «نادمون على التصويت في الانتخابات». وقالت لافتات أخرى: «يا أعضاء مجلس المحافظة أطفئوا مكيفاتكم»، و«إن كنتم عاجزين عن توفير الكهرباء، فلا تقودوا البلاد»، كما رفع المتظاهرون نعشا كتب عليه «موت الكهرباء»، و«يا رئيس الوزراء.. البصرة تحتاج الكهرباء».

في حين رمى الدكتور شلتاغ عبود محافظ البصرة الكرة في مرمى وزارة الكهرباء، وحملها مسؤولية الأزمة التي تمر بها المحافظة منذ بداية الصيف الحالي؛ حيث أوضح المحافظ في مؤتمر صحافي قصير عقد في مقر إقامته بالقصور الرئاسية أن «مشكلة الكهرباء لا تعنينا وحدنا، وإنما وزارة الكهرباء هي المسؤولة عنها بالدرجة الأولى، وقد بذلنا الكثير من الجهود من أجل تحسين الواقع الكهربائي»، وألمح إلى أن «هناك من حاول أن يثير الفتن عبر إثارة الشغب في المظاهرة، من أجل الوصول إلى السلطة المحلية بطرق غير مشروعة».

وقال للصحافيين إن «حصة المحافظة من الإنتاج الكهربائي هو 360 ميغاواط تسحب منه 250 ميغاواط للأحمال النفطية والصناعية، ويتبقى فقط 150 ميغاواط، الأمر الذي يجعل من استمرار عملية انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق البصرة لأكثر من 6 ساعات مقابل ساعتين غير مستمرة».

وفي وقت لاحق أمس، وجه المالكي وفدا وزاريا إلى البصرة لمباشرة اتخاذ الإجراءات السريعة لمعالجة نقص الطاقة الكهربائية في المحافظة, بعد أن أصدر توجيهاته بزيادة حصة الوقود لأصحاب المولدات الكهربائية الأهلية بنسبة ثلاثة وثلاثين في المائة عن الحصة المقررة لزيادة إنتاج الكهرباء للمواطنين. كما اتجه إلى محاسبة جميع المسؤولين في وزارة الكهرباء من الذين أخلوا بالتزاماتهم ووعودهم بزيادة الطاقة الكهربائية في بغداد وباقي المحافظات إلى تسع ساعات، مع حلول يونيو (حزيران) الحالي, ودعا المالكي أهالي البصرة إلى الالتزام بالهدوء وضبط النفس وتفويت الفرصة على أولئك الذين يحاولون استغلال هذه القضية، وإثارة عدم الاستقرار في محافظة البصرة. وأمر المالكي القوات الأمنية بضرورة الحفاظ على الأمن وتوفير الحماية للمواطنين وممتلكات الدولة، وعدم السماح باستغلال هذه القضية لتحقيق أغراض سياسية. وعلى صعيد ذي صلة، ندد صحافيون وإعلاميون في ساحة الفردوس ببغداد بما تعرض له المتظاهرون في مدينة البصرة.