«الناتو» في أفغانستان.. خطوات بطيئة لكن واثقة

المخبرون الأفغان يزاولون نشاطا خطيرا في مناطق «طالبان»

عناصر من طالبان يسلمون أسلحتهم في هراة ضمن البرنامج الأميركي المعلن لإعطائهم فرصة للاندماج في المجتمع (أ.ب)
TT

قد تكون التطورات التي تشهدها حملة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان بطيئة هذا الصيف، بيد أنها ستكون أكثر فعالية بفعل ذلك البطء، بحسب ما قاله رئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال مقابلة حصرية مع وكالة الأنباء الألمانية. وقال الأميرال، جيامباولو دي باولا: «إن مسؤولين أعلنوا الأسبوع الماضي أن هجوم الصيف الذي طال انتظاره في إقليم قندهار جنوب أفغانستان، سيكون أبطأ وأكثر تدرجا مما كان مخططا له، غير أن ذلك يعكس طبيعة الاستراتيجية الغربية الجديدة». ويرأس دي باولا حاليا اللجنة العسكرية الدائمة لحلف شمال الأطلسي، وهي أعلى هيئة استشارية تمد صناع القرار السياسي في «الناتو» بالمشورة العسكرية. وأضاف: «بالتأكيد لن تشهد قندهار يوما هجوما (محددا) كما كان الحال في مارجا، إنه مد بطيء لكنه متواصل». وشنت قوات المساعدة الأمنية الدولية (إيساف)، بقيادة حلف شمال الأطلسي، هجوما في فبراير (شباط) الماضي على معقل المسلحين في مارجا الواقعة في إقليم هلمند المضطرب. وكان هدف الحملة هو طرد مسلحي «طالبان» من المنطقة للأبد، كي تتمكن حكومة أفغانستان، المدعومة من قبل الغرب، من استعادة سيطرتها هناك. وانتهى القتال بنصر واضح لـ«إيساف»، لكن منذ ذلك الحين بدأت القوات الغربية تتكبد خسائر، وأدت التقارير الواردة عن صعوبة إقناع السكان المحليين بالتعاون مع الحكومة إلى القول إن محاولات خلق استقرار سياسي هناك باءت بالفشل. وقال دي باولا: «إننا نتحرك الآن في الاتجاه الصحيح.. لكننا بحاجة إلى صبر استراتيجي. نحن بحاجة إلى تفهم أن الأمور لا تتغير بين ليلة وضحاها». وبالفعل، تعاني قوات «إيساف» من تزايد حاد في أعداد الضحايا بين صفوف جنودها، منذ أن بدأت عملية مارجا، سواء خلال الاشتباكات في هلمند وإقليم قندهار المجاور له أو جراء تفجيرات القنابل والألغام في مناطق أخرى. وقتل 269 جنديا غربيا في أفغانستان هذا العام بحسب إحصاءات أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة. غير أن دي باولا يقول إن التقارير اليومية عن العمليات وأعداد الضحايا ينبغي النظر إليها من خلال مؤثرات طويلة المدى ولا يمكن تلمس آثارها بوضوح. وأضاف: «خذ الحرب العالمية الثانية كمثال، فعام 1942 إذا نظرت نظرة عابرة (إلى مجريات الأمور) ستعتقد أن الحلفاء يخسرون الحرب.. لكن إذا نظرت الآن.. من مسافة (زمنية مناسبة) ستدرك أن المد كان يتحول بالفعل». وفي يونيو (حزيران) 1942 بدا الأمر كما لو كانت ألمانيا النازية وحليفتها اليابان تمكنتا من تحقيق زخم عسكري لا يمكن إيقافه في أوروبا وشمال أفريقيا و«منطقة» المحيط الهادي.. لكن بحلول يناير (كانون الثاني) من عام 1943، حولت انتصارات الحلفاء في ميدواي والعلمين وستالينغراد، مسار الحرب. وتابع دي باولا: «أعتقد أننا (نعيش) في (أجواء) 1942، حيث نفتقر إلى الصبر وربما نفتقر أيضا إلى الفطنة اللازمة كي ندرك أن الأمور تنقلب» لصالح «الناتو». ويستند هذا الاستنتاج إلى ثلاثة عوامل، أولها أن هناك عشرات الآلاف من القوات الإضافية تستعد للانضمام إلى «إيساف» هذا الصيف. وأوضح دي باولا أنه «كلما زادت القوات المتوافرة، وهي لا تزال تتوافد، زاد الزخم». ثانيا، أن قادة «الناتو» يقولون إن جهود تدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانية بدأت تؤتي ثمارها، مما يضمن أن المسلحين لن يتمكنوا من فرض سيطرتهم مجددا في المواقع التي كانت تعد معاقل آمنة لهم، بمجرد تحرك قوات «إيساف». وأوضح دي باولا أن «التطور الذي (تحققه) القوات الأمنية الأفغانية، الجيش الأفغاني على وجه الخصوص، واضح، وذلك لا يعني أنهم لن يتعرضوا إلى هجوم (من قبل المسلحين) ولا يعني أنه لن تكون هناك قلاقل.. لكن أي عملية عسكرية لا تسير في خط مستقيم». وثالثا، يرى دي باولا أن إعلان «إيساف» المثير للجدل عن عملية مارجا مسبقا، كان بمثابة الصفعة التي أطاحت بهيبة المسلحين هناك.

وفي قندهار يرد النبأ ظهرا إلى القوات الأميركية المنتشرة في أفغانستان بوجود مخبأ أسلحة بوسط مدينة قندهار مهد حركة طالبان في جنوب البلاد. يحضر المخبر الأفغاني حاجبا وجهه بمنديل أصفر غليظ يضغط عليه بيده خشية أن ينزلق ويكشف عن نفسه، فينقل المعلومات الثمينة لقاء مكافأة إلى الفوج 293 في الشرطة العسكرية الأميركية الذي يقوم بتدريب القوات الأفغانية في ولاية قندهار. ويؤكد المخبر وجوب التحرك سريعا، إذ إن الصواريخ معدة على حد قوله لضرب معسكر نايثن سميث التابع للحلف الأطلسي في مساء اليوم نفسه، بعدما استهدف مؤخرا بعملية تفجير بسيارة مفخخة لم توقع ضحايا. ويقطع عناصر الفوج المسؤولون عن المنطقة المعنية بالمعلومات عملياتهم الروتينية للتوجه إلى موقع المخبأ، بعدما عادوا من زيارة إلى أحد حواجز الشرطة الأفغانية في المنطقة الشمالية من الولاية المكتظة بالسكان التي تشكل قاعدة خلفية لعناصر «طالبان». ويقول الرقيب مايك كراولي، إن «عددا من قادة (طالبان) يقيمون هنا».

وإن كانت المنطقة بقيت بمنأى نسبيا عن الاضطرابات الأمنية، فإن السكان يخشون التعرض إلى أعمال انتقامية إذا ما نقلوا معلومات إلى القوات الأفغانية والأطلسية.

ويروي الرقيب أن «المتمردين قطعوا أيدي عمال بناء كانوا يعملون في ورش تمولها الحكومة» مؤخرا بعدما وجهوا إليهم رسائل تهديد. وتعتمد القوات الأميركية على المخبرين المحليين في وقت يتواصل تدفق التعزيزات إلى قندهار تحضيرا لتشديد الهجوم على حركة طالبان في سياق استراتيجية تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ تسع سنوات في هذا البلد.