دوفيلبان يعلن تأسيس «فرنسا المتضامنة»

في خطوة تهدف لمنافسة ساركوزي والتهيؤ مبكرا لسباق الرئاسة

TT

ولد أمس في باريس حزب سياسي ينتظر أن يكون آلة حرب ضد الرئيس نيكولا ساركوزي ووسيلة لتحقيق طموحات منافسه السياسي رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان. فقد أعلن الأخير إطلاق حركة «فرنسا المتضامنة»، التي يراد لها أن تكون فوق الأحزاب «حرة، مستقلة، ومفتوحة أمام الجميع» من اليمين واليسار. وأعلن دوفيلبان قيام حزبه في خطاب ألقاه أمام نحو 3 آلاف شخص، ذي نفحة غنائية تذكر بأنه شاعر. ومما جاء في خطابه «كل الذين يشعرون بالإحباط في بلدنا يتعين عليهم أن يقتنعوا بأن شيئا ما جديدا ينهض في فرنسا وهو سيكبر مع الأيام»، في إشارة إلى حزبه الجديد الذي هو، في الواقع، تطوير لما كان يسمى «نوادي دوفيلبان»، التي تضم وفق المشرفين عليها نحو 15 ألف شخص. وأهمية التحول إلى حزب أنها ستتيح لدوفيلبان جمع الأموال الضرورية لحملة انتخابية.

لم يكن اختيار تاريخ الإعلان عن الحزب والنفحة الديغولية التي تميز بها خطاب دوفيلبان محض صدفة، إذ إنه يأتي بعد يوم من الاحتفال بـ«نداء 18 يونيو» الذي أطلقه الجنرال ديغول قبل 40 سنة، من إذاعة «بي بي سي» في لندن، التي لجأ إليها داعيا الفرنسيين للالتفاف حوله من أجل محاربة النازية. وبذلك يكون دوفيلبان قد طرح نفسه «وريثا» شرعيا للإرث الديغولي وللمدرسة الفكرية والاجتماعية التي أطلقها واستمرت بعده مع الأحزاب التي استوحت خطه، مثل «التجمع من أجل الجمهورية»، ومع الرئيس جورج بومبيدو ثم لاحقا مع جاك شيراك.

يبرر دوفيلبان إطلاق الحزب الذي يقع على يمين الخريطة السياسية الفرنسية بأنه يريد تقديم «بديل» عن ساركوزي للناخبين. لكن الواقع أن «وريثي» جاك شيراك، دوفيلبان وساركوزي، يخوضان حربا لا هوادة فيها سواء أمام القضاء عبر قضية كليرستريم أو أمام الناخبين بمناسبة الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2012. فقضائيا، سيعود رئيس الحكومة السابق ليمثل أمام محكمة الاستئناف في ربيع عام 2011 بعد أن أخلت المحكمة الابتدائية سبيله في الدعوى التي أقامها ساركوزي ضده. أما سياسيا، فالمنافسة بين ساركوزي ودوفيلبان ستتفجر في الانتخابات الرئاسية القادمة حيث ينتظر أن يتنافس الرجلان اللذان لا يخفيان طموحاتهما لتمثيل اليمين. فساركوزي يرغب في ولاية ثانية، ودوفيلبان يطمح في منعه من تحقيق هدفه. لكن ميزان القوى يميل حتما لصالح الأول، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن دوفيلبان لن يحوز أكثر من 10% من الأصوات في الدورة الأولى. لكن مع تعدد الترشيحات بما فيها ترشيح وزير الدفاع الحالي هيرفيه موران (يمين الوسط) وفرنسوا بايرو (الوسط) واليمين السيادي (دوبان دينيان) فضلا عن ترشيح ممثل لليمين المتطرف، فإن الخطر الذي يهدد ساركوزي هو تشتت الأصوات ونسف فرص فوزه بولاية ثانية.

وبسبب هذه المخاطر، سعى ساركوزي ومعه حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية إلى سحب البساط من تحت أقدام دوفيلبان، وذلك عن طريق استمالة النواب القلائل الذي بقوا أوفياء له إما عن طريق منحهم مناصب وزارية أو عن طريق ضمان وجودهم على لوائح مرشحي اليمين في الانتخابات النيابية القادمة. وهكذا، فمدير مكتب دوفيلبان عين وزيرا للزراعة، والنائب جورج ترون المقرب منه وزير دولة لشؤون الوظيفة العمومية. ونجحت هذه العملية إلى حد ما إذ لم ينضم إلى دوفيلبان أي اسم من الأسماء ذات الوزن السياسي.

وبما أن دوفيلبان يعتبر حركته فوق الأحزاب، فإن الانتماء إليها لا يستدعي أبدا التخلي عن عضوية أحزاب أخرى. وهكذا فإنه شخصيا أعلن أنه لن يترك حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية. لكن من المؤكد أن منتقديه سيأخذون عليه الإبقاء على رجل في الداخل فيما الرجل الثاني في الخارج. لكن هذا الأمر يصدر عن حسابات سياسية تكتيكية إذ إنه يريد «مشاكسة» ساركوزي من الداخل وإحداث البلبلة في صفوف حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية والسعي للتأثير على قراراته. وفي كل الأحوال، فإن ظهور الحزب الجديد يعني بالدرجة الأولى فتح المعركة الرئاسية يمينا في وقت مبكر واشتداد المنافسة والضغوط المتبادلة والمنازلات بين شخصين عملا معا كوزيرين في حكومات شيراك الأولى، فيما كان الرئيس الحالي وزيرا للداخلية في الحكومة الأخيرة للرئيس السابق التي شكلها دوفيلبان.

لكن ضعف الأخير يكمن في أن هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الناخبين، بينما ساركوزي أصبح رئيسا لبلدية نويي (غرب باريس) في سن الثامنة والعشرين من العمر.