تمشيط كمبوديا بحثا عن صديق فقد خلال الحرب

صحافي غربي فقد زميله خلال حرب فيتنام لم يفقد الأمل في العثور على رفاته

TT

قال تيم بيغ، أحد المصورين الذين اتسموا بالجرأة والتهور خلال تغطيته حرب فيتنام، وهو يربط حزام الأمان في الكرسي الأمامي من شاحنة الدفع الرباعي «لنبدأ المغامرة». مع بداية الرحلة بدأ الرجل يتذكر قصة مغادرته مع اثنين من زملائه، قائلا «غادر ثلاثة صحافيين شجعان، مثل فلين وستون، بنوم بنه في صباح يوم حار إلى كامبونغ تشام».

استرخى بيغ في مقعده لبدء رحلة طويلة مارا بمدينة سكون المشهورة بأكل العناكب المقلية وأشجار المطاط، إلى تلك القرية القريبة من نهر ميكونغ، حيث يعتقد أنها المكان الذي يحوي رفات المصورين شين فلين ودانا ستون.

كانت رحلة معتادة بالنسبة لبيغ (66 عاما) الذي ظل في عملية بحث لسنوات، عازما الإجابة عن أسئلة الوصول إلى توافق مع الحرب التي هيمنت على حياته.

منذ 40 عاما خرج فلين وستون حاملين كاميراتهم بحثا عن مقاتلي الخمير الحمر، لكن أحدا لم يسمع عنهما منذ ذلك الحين. صار اختفاؤهما أحد ألغاز الحرب. كان المصوران الصحافيان قد ركبا دراجتيهما الناريتين، مثل أفلام المغامرات، إلى منطقة محرمة وخسرا رهانهما ضد القدر.

شارك بيغ في بعض الرحلات إلى تلك النقاط المظلمة، وكانت زيارته إلى بخار دونغ الأخيرة بين الكثير من جولات البحث التي سماها «25 عاما من الجنون» في اقتفاء عظام الرجل الذي يعتبره أخاه. قبل أسابيع، زعم صائدا جوائز أنهما وجدوهما، مما جدد اهتمام الأميركيين بالبحث وزيادة المساعي في البحث عن الصحافيين المفقودين.

ينشد بيغ في بحثه السلام لروحه، التي أثخنتها جراح القتال، وخسارة صديقين، ومحاولة جمع ما سماه لغزا هائلا وراحة الجسد والروح. وقال «لا أعتقد أن أي فرد شارك في حرب كهذه خرج منها سليما. أعتقد أن مصير شين له علاقة بانتهاء تجربة الحرب ككل».

المودة التي جمعت بين بيغ وفلين تشكلت عبر الخطر المشترك. وكتب في مذكراته التي نشرها تحت عنوان «الخروج عن المسار في حديقة انتصار العم هو»: «كان يمكن أن نكون إخوة، ولقد شعرت بأننا كذلك، فقد كنا نجلس لساعات في الغرفة ذاتها نتحدث بالكاد، لكن كانت بيننا ترددات أشبه بالمودة التي بين المحبين».

بالنسبة لبيغ استمرت هذه المودة والصلة، واستمر معها سماعه لأصوات أصدقائه بين الحين الآخر، صوت تلك الأرواح المعذبة. وقال خلال الرحلة متجاوزا أشجار المطاط التي خلقت كثرة صفوفها عالما شبحيا إلى حد كبير، إنه غالبا ما يسمع صوت صديقه يقول له «كيف حالك؟ وماذا تفعل أيها الشاب؟ ماذا تفعل يا صديقي؟».

عظام فلين وروحه الهائمة ليست الوحيدة هنا في كمبوديا، التي قتل ما يقرب من ربع سكانها في أواخر السبعينات إبان فترة الحكم الوحشي للخمير الحمر. والكثير من هذه الرفات، كتلك التي تخص فلين، لا تزال منتشرة في حقول القتل المنتشرة في أنحاء كمبوديا.

كانت كمبوديا مكانا خطرا بالنسبة للمراسلين الأجانب خلال سنوات الحرب الخمس التي سبقت انتصار الخمير الحمر عام 1973، حيث قتل أو اختفى 37 مراسلا بينهم 15 خلال ستة أسابيع في عام 1970.

بعد تتبع الكثير من النظريات والآثار الخاطئة، قال بيغ إنه يعتقد الآن أن فلين نجا لمدة عام في أعقاب اختفائه، وربما يكون قتل بحقنة قاتلة في مستشفى ميداني هنا. وفي زيارة العام الماضي عثر بيغ على بعض زجاجات الأدوية التي أرسلها للتحليل في مكتب الجيش الأميركي في هاواي الذي يسعى إلى اكتشاف بقايا جنوده المفقودين.

هذه الزيارة الجديدة إلى بخار دونغ، لم تقدم الكثير لحل اللغز نظرا لأن صائدي الجوائز نقبا الموقع بحفار، وفرض المكتب العسكري الأميركي المعروف اختصارا بـ«جيه بي إيه سي» طوقا على المنطقة، وأعادت الشرطة المحلية بيغ.

وأشار إلى أنه يخطط في المستقبل إلى الحديث مع سكان قرى مجاورة ربما يكونون شاهدوا بعض الأسرى الأجانب في السابق وما حدث لهم.

حتى وإن لم تؤت تلك المحاولة ثمارها، يقول بيغ إن بحثه ساعده في تكريم فلين والصحافيين الآخرين الذين ماتوا أو اختفوا في فيتنام وكمبوديا ولاوس. كانت محاولاته الحثيثة مصدر إلهام لفيلم وثائقي تخليدا لذكرى القتلى والمفقودين من الصحافيين في بنوم بنه ومسار الصحافة بالنسبة للصحافيين المحليين، وربما الإلهام الأبرز كتاب بعنوان «الموسيقى الجنائزية»، الذي يتضمن عمل 135 مصورا ماتوا خلال تغطية الحرب الصينية - الهندية التي دارت رحاها على مدار عقد.

نشأ بيغ في بريطانيا، وتعلم التصوير ذاتيا، وغطى الحرب كمصور حر في الفترة من 1965 إلى 1969 مرسلا صوره إلى المطبوعات الأميركية والفرنسية الشهيرة مثل الـ«تايم» و«لايف» و«لوك» و«باري ماتش». نال شهرته الواسعة من صور المعارك الحية وأيضا على مجازفته التي واجهها والجراح التي عانى منها. في الوقت الذي اختفى فيه فلين عندما كان بيغ يعاني من أخطر الجروح التي تعرض لها، وكانت نتيجة انفجار لغم أصاب مخه وجسده.

على الرغم من اقترابه من تلك النقطة إلا أنه ينفق طاقته في البحث في القبور المجهولة لأصدقائه، وأحيانا ما يجد الراحة في مقابر هادئة. ويقول بيغ «دائما ما تشعر بالسلم في المقابر».

* خدمة «نيويورك تايمز»