أهل غزة يشككون في جدية القرار الإسرائيلي بتخفيف الحصار عن القطاع

حماس: إسرائيل تريد «إدارة الحصار» وليس رفعه * اللجنة الرباعية ترحب بالقرار

الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى استقباله توني بلير رئيس اللجنة الرباعية الدولية في رام الله أمس (أ.ب)
TT

لم يثر القرار الإسرائيلي بتخفيف الحصار، والسماح بدخول ما عرف بـ«المواد ذات الاستخدام المدني» إلى غزة، حماس أهل غزة كثيرا، وذلك وسط شكوك في أن إسرائيل ستنفذ فعلا قرار تخفيف الحصار على القطاع. وقال خميس صبري صاحب إحدى المكتبات في حي الرمال في مدينة غزة لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل سبق أن أعلنت قبل أسبوع، وعبر بيان صادر عن مكتب نتنياهو، أنه سيتم السماح بإدخال القرطاسية (المواد المكتبية)، لكن لم يتم إدخال ولو ورقة واحدة للقطاع، حيث ظل اعتماد الناس على ما يتم تهريبه عبر الأنفاق. وتحدثت «الشرق الأوسط» لعدد من المارة الذين كانوا يتحركون على طول شارع عمر المختار، الذي يقسم مدينة غزة إلى نصفين، حيث بدت الشكوك والتشاؤم على ردات فعلهم على القرار الإسرائيلي.

سمير أبو هديب المدرس في إحدى مدارس المدينة قال لـ«الشرق الأوسط»: إنه «من الواضح أن إسرائيل تخطط لإدخال المزيد من المواد الغذائية التي تتكدس أصلا في المحلات التجارية بفعل التهريب عبر الأنفاق، ولا يتمكن معظم الناس من شرائها لارتفاع أسعارها، ونحن نبحث بشكل أساسي عن حرية الحركة»، مشيرا إلى أن مستقبل شقيقه قد تهاوى بعد أن منعته سلطات الاحتلال عن مواصلة الدراسة في إحدى جامعات الضفة الغربية، وأرجعته للقطاع. أما أحمد حماد، فقال لـ«الشرق الأوسط إن ابنته تعاني منذ سنتين من مرض فقر الدم، وتقرر أن يتم زراعة نخاع لها، وحتى الآن لم تسمح إسرائيل له بنقلها عبر معبر «إيرز».

لكن في الوقت الذي كان الفلسطينيون معنيين بالتعقيب على القرار الإسرائيلي، فإن رائد فتوح، رئيس لجنة إدخال البضائع إلى قطاع غزة، قد أعرب عن تعجبه من التصريحات الإسرائيلية بزيادة عدد الشاحنات المحملة بالبضائع المسموح دخولها إلى غزة، مشيرا إلى أنه لم تطرأ أي زيادة على عدد الشاحنات المسموح بدخولها للقطاع. حامد جاد الخبير الاقتصادي الفلسطيني، اعتبر أن القرار الإسرائيلي يشمل فقط السماح بدخول المواد ذات الطابع الاستهلاكي، وليس المواد ذات الطابع الاستراتيجي، التي يمكن أن تؤدي إلى إدارة عجلة الاقتصاد الفلسطيني بشكل يقلص من معدلات الفقر والبطالة.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قال جاد: «إن الإسرائيليين لن يسمحوا بإدخال مواد البناء والمواد الخام التي تستخدم في الصناعات، فضلا عن الماكينات، ومستلزمات الصناعة والزراعة، وهذا يعني أنه لن يتم استئناف عملية التنمية». ونوه جاد بأن قطاع الإنشاءات، الذي كان يشغل 30 ألف عامل قبل الحصار، لن يستفيد من القرار الإسرائيلي، حيث سيواصل عمال الإنشاءات العيش على المعونات التي تقدمها المنظمات الدولية، وأوضح أن المستفيد الأول من القرار الإسرائيلي هو الاقتصاد الإسرائيلي؛ إذ إنه سيتم إدخال المنتجات الإسرائيلية، في حين لن يتم السماح بتصدير المنتجات الفلسطينية. وأوضح جاد أن إسرائيل ستحاول تضليل العالم، بمحاولة تبرير عدم سماحها بدخول المواد الخام بأنها تستخدم في عمليات تصنيع السلاح، وتساءل: «ما هي العلاقة بين الإسمنت والقدرات التسليحية، وما العلاقة بين الماكينات التي تستخدم في عملية الصناعة وعمليات التسليح؟»، مشددا على أن إسرائيل تهدف إلى ضمان عدم نهوض الاقتصاد الفلسطيني في غزة. ونوه بأن القرار الإسرائيلي لا يشمل رفع الحصار المالي، حيث إن إسرائيل تواجه منع التحويلات البنكية ونقل الأموال للقطاع، بحيث إن قطاع غزة يعيش حاليا أزمة سيولة خانقة.

وأكد جاد أن المفارقة تكمن في أن إسرائيل تحاول التضليل، من خلال استخدام كلمة سلعة في الإشارة للمواد التي تسمح بدخولها للقطاع، حيث إنها تساوي بين دخول «الكاتشب» الذي لا يبحث عنه أحد في القطاع، والإسمنت الذي يعتبر أكثر المواد التي يحتاجها الفلسطينيون من أجل إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل. أما الدكتور صلاح البردويل القيادي البارز في حركة حماس، فقد اعتبر القرار الإسرائيلي محاولة للالتفاف على حركة التضامن الدولي المطالبة برفع الحصار بالكامل، مشددا على أن القرار الإسرائيلي يعكس رغبة إسرائيل في «إدارة الحصار» وليس رفعه.

وشدد البردويل على أن المطلوب أن يتم السماح بدخول كل المواد من دون أي تقييد على النوع أو الكمية، على اعتبار أنه من حق الفلسطينيين أن يعيشوا كبقية شعوب العالم. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» شدد البردويل على أن المطلوب أيضا السماح بحرية تنقل تامة للبضائع والأفراد من دون قيد أو شرط، وفتح جميع المعابر الحدودية والمائية بين غزة والعالم. ونوه البردويل بأن إسرائيل تحاول معاقبة الشعب الفلسطيني على خياراته السياسية، ممثلة في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، مشيرا إلى تصريحات نتنياهو التي أدلى بها صباح أمس الاثنين، عندما صرح بأن إسرائيل تحاول من خلال تخفيف الحصار الحصول على شرعية دولية من أجل مواصلته. ودعا البردويل العالم للضغط على إسرائيل لإجبارها على إنهاء الحصار، حاثا الدول العربية على وقف تآمرها على الشعب الفلسطيني، والتوقف عن مساندتها للحصار، مشددا على أن هذا السلوك لن يؤدي إلى تحقيق أي نتائج سياسية، بل سيعمل على تشبث الفلسطينيين بخياراتهم الديمقراطية، كما عبرت عنها نتائج الانتخابات الأخيرة.

من ناحيته اعتبر النائب الفلسطيني المستقل جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، أن إسرائيل تقوم بتضليل العالم وتجميل وجهها، عبر الحديث عن تخفيف الحصار. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» شدد الخضري على أنه من أجل إنهاء ملف الحصار يجب على إسرائيل القيام بأربع خطوات متلازمة: «فتح جميع المعابر بشكل كامل، السماح بدخول جميع المواد، وضمنها المواد اللازمة لإعادة الإعمار من دون تقييد، وافتتاح ممر آمن لتنقل الأشخاص بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى افتتاح ممر مائي بين غزة والعالم تحت إشراف جهة دولية». وشدد الخضري على أنه من دون الوفاء بهذه المتطلبات، فإن «انتفاضة السفن ستتواصل».

إلى ذلك رحبت اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط في بيان بثته الأمم المتحدة بقرار تخفيف الحصار عن قطاع غزة، لكنها شددت على أهمية إجراءات تطبيقه. وقالت اللجنة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي: «إن السياسة الجديدة إزاء غزة التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية لتوها مرحب بها». ولفتت إلى «أن أعداد التفاصيل وإجراءات التطبيق سيكون لها أهميتها لضمان فعالية هذه السياسة الجديدة».