ثورة القرويين الأفغان ضد طالبان

مسؤول أميركي: الانتفاضة الحدث الأهم هذا العام في جنوب أفغانستان

TT

بدأت انتفاضة «شباب غيزاب الطيبون» باجتماع سري في الساعة الثانية صباحا. ومع شروق الشمس قام 15 من القرويين الغاضبين بإقامة نقاط التفتيش على الطريق الرئيسي واستطاعوا الإمساك بأول مجموعة من أسراهم. في الساعات التالية بدأ عددهم في الازدياد مع وصول العشرات من الجيران الذين جاءوا حاملين بنادقهم ومعلنين رغبتهم في الانضمام إليهم.

واندلعت المواجهات، وأُرسل طلب مساعدة لأقرب قوات أميركية من المكان، لكن سكان هذه المنطقة، التي تحوطها الجبال جنوب أفغانستان، استطاعوا الصمود. ومع غروب الشمس تحقق إنجاز غير متوقع، وتمكنوا من طرد مقاتلي طالبان من المنطقة.

ويقول لالي، وهو تاجر خطط لهذه المعركة التي وقعت في أواخر شهر أبريل (نيسان) الماضي، في تفسيره لسبب هذه الانتفاضة: «تعبنا من قهر مقاتلي طالبان، لذلك قررنا قتالهم». ولكن يعتبر المسؤولون الأميركيون السياسيون والعسكريون هذه الانتفاضة نقطة تحول هامة في الحرب الدائرة منذ تسعة أعوام. فهذه أول مرة، في هذه المرحلة من الصراع، ينتفض أفغان عاديون في الجنوب، الذي يموج بأعمال العنف، لانتزاع منطقة من أيدي المتمردين.

حقا، إنه تحول لم يكن يتوقعه المسؤولون الأميركيون والأفغان. ويصف أحد القادة العسكريين الأميركيين هذه الانتفاضة قائلا: «قد تكون الحدث الأهم هذا العام في جنوب أفغانستان».

وعلى الرغم من أن غيزاب كانت تستخدم فقط كمحطة استراحة وإعادة إمداد لمقاتلي طالبان الذين يتنقلون بين مناطق القتال في قندهار وهلمند، فإن فقدانها يمثل ضربة تكتيكية للمتمردين. وبالطبع، لن تغير هذه المعركة في حد ذاتها مسار الحرب، كما لا يوجد أي إشارة على أن هزيمة طالبان في غيزاب سيكون لها تأثير مباشر على المناطق الأخرى التي تشهد أعمال عنف مثل مرجا وقندهار.

ومع ذلك أشار مسؤولون أميركيون إلى أنهم قد رصدوا حالة متزايدة من القلق بين الكثير من قادة طالبان، وذلك من خلال محادثات هاتفية تم اعتراضها. كما أن الكثير من المقاتلين وعددا قليلا من قادة الصف الأوسط في طالبان تركوا أسلحتهم واندمجوا داخل المجتمع. والأهم أن سكان المدن المجاورة قد أبلغوا زعماء غيزاب برغبتهم في الانقلاب على المتمردين. وفي تعليقه على ما حدث في غيزاب، قال البريجادير جنرال أوستين إس ميلر، القائد الأعلى للعمليات الخاصة في أفغانستان: «اعتقدت طالبان أن هذا المكان آمن، ولكن سكانه أروهم، والعالم أجمع، أنهم يستطيعون الوقوف في وجه مقاتلي الحركة والتحرر من قبضتهم».

وقد أرسلت القوات الأميركية الخاصة إحدى فرقها إلى غيزاب بعد هذه الانتفاضة لتدريب الحراس المحليين الذين أطلقت عليهم القوات الأميركية «الشباب الطيبون». وفي البداية، لم تجذب هذه الانتفاضة انتباه المسؤولين في كابل وواشنطن، لأن غيزاب منطقة نائية في أقاصي البلاد تتجاهلها الحكومة الأفغانية والقوات الدولية. ولكن بمجرد أن بدأ تناقل الكلام عما حدث بها، سارع المسؤولون الأميركيون والأفغان لفهم كيفية حدوث ذلك وكيف يمكن تكراره.

وتشير الحوارات مع زعماء غيزاب وضباط القوات الأميركية الخاصة إلى أنه لا يوجد سبب واحد مباشر لهذه الانتفاضة، لكن يبدو أنها نتاج تراكم مجموعة من الأسباب، من بينها تجاوزات طالبان، والتشجيع الأميركي، وغضب السكان. ويقول مسؤول أميركي في جنوب أفغانستان: «نحن نبحث عن نماذج يحتذى بها، وإذا وجدنا ذلك سنكون بالقرب من تحقيق إنجاز».

كانت الدفعة الأولى من قادة طالبان قد تحركت إلى غيزاب في عام 2007. وكان السكان المحليون مذعنين لهم في البداية، وكان الشباب العاطلون عن العمل في المنطقة متحمسين لتجنيدهم كمقاتلين، ولم يكن ثمة وجود للشرطة. وتقع غيزاب، وهي على بعد 100 ميل شمال قندهار، على رأس شبكة تسلل تربط المناطق القبلية غرب باكستان، التي يغيب عنها حكم القانون، بالمناطق الهامة جنوب أفغانستان. وهي جزء من محافظة دايكندي، التي يعتبرها القادة الأميركيون وقادة الناتو بلا أهمية كبيرة، ولذا لا يوجد سوى أقل من 50 جنديا من القوات الدولية هنا. وعلى عكس باقي دايكندي، التي يسيطر عليها الهزارة، يوجد داخل غيزاب البشتون بالأساس، كما هو الحال في حركة طالبان. ولكن بدأت حركة طالبان تفقد قبولها بين المواطنين هناك العام الماضي، واغتصب مقاتلوها العيادات الصحية، وحطموا المدارس، وبدأوا في مصادرة شاحنات على امتداد الطريق، إما لسرقة الشحنات أو لفرض ضرائب.

ويقول عبد الرب، وهو مزارع: «كانوا ودودين مع المواطنين، ولكنهم تغيروا بعد ذلك». وبدأت شرارة التمرد في منتصف أبريل، بعد أن حصل لالي على تعويض قيمته 24.000 دولار من الحكومة الأفغانية لتوزيعها على أقارب اثني عشر قرويا - ستة منهم أفراد في عائلته - قتلوا بسبب انفجار قنبلة زرعتها حركة طالبان في جانب أحد الطرق. وطلب منه قيادي في حركة طالبان تسليم المال، قائلا إن قبول أموال من الحكومة يتنافى مع تعاليم الإسلام. ويتذكر لالي أنه رد عليه قائلا: «إذا كان ذلك حراما علي فهو حرام عليك أيضا».

ولم يلِن المتمردون، واعتقلوا أخاه وأباه، وهو زعيم قبلي في القرية، وحينها قرر لالي التخطيط لمؤامرة. وقبل أسابيع قليلة كان لالي وعدد قليل من الرجال من غيزاب قد اجتمعوا مع أفراد من فصيل تابع للقوات الخاصة قام بتنظيم شباب في مجموعتي دفاع محليتين مسلحتين داخل مدينتين في الشمال. ويقوم الفصيل داخل كلا المكانين بتمويل مشروعات تنموية لتوفير وظائف ملحة. ويقول قائد الفصيل، الذي لا يمكنه ذكر اسمه بسبب القواعد العسكرية الأميركية: «أوضحنا أنه يمكننا تقديم نفس الشيء لهم». ودفع اختطاف أقارب لالي القرويين إلى التحرك من دون انتظار الأميركيين. ولكن بمجرد أن وضع القرويون أول حاجز على الطريق وأسروا متمردَين اثنين، بعثوا برسول إلى الفصيل يطلبون المساعدة. ولم تستطع القوات الأميركية الوصول في ذلك اليوم بسبب فيضان أحد الأنهار، ولذا أُرسل فريق من جنود القوات الخاصة الأسترالية باستخدام مروحية. وعندما هبط الجنود داخل غيزاب، وجدوا لالي ورجاله في معركة حامية الوطيس مع مقاتلين تابعين لحركة طالبان. وانضم إلى الأستراليين فصيل آخر من القوات الخاصة الأميركية. وللتمييز بين الصديق والعدو خلال القتال أعطوا لـ«شباب غيزاب الطيبون» قطعا من قماش برتقالي عاكس ليربطوه حول فوهات البنادق.

وخفت حدة القتال في اليوم التالي، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن مئات قليلة من القرويين قرروا الوقوف ضد المتمردين. وتعززت مصداقية لالي في أعين زملائه، إذ كان الكثير منهم يشك في أنه يمكنهم تحقيق نجاح، بسبب الطريقة التي تعامل بها مع سجناء طالبان الثلاثة الأول، فقد أعدم الثلاثة قبل وصول الأستراليين. وتوسعت قوة لالي لتصل إلى 300 رجل، ويخرجون حاليا في دوريات راجلة، ويشرفون على نقاط تفتيش داخل وحول غيزاب. وانتشرت الثورة أيضا داخل 14 قرية مجاورة، ويوجد بكل منها فرقة دفاع من عشرة رجال. وتحرك فصيل القوات الخاصة الذي كان مقره في الشمال منذ ذلك الحين إلى غيزاب، حيث يقوم أفراده بتدريب عناصر الدفاع المحلية ويراقبونهم لمنع أي عمليات قتل أخرى خارج إطار المحاكم. وتوقفت هجمات المتمردين وعمليات الترويع التي يمارسونها. ويقول لالي، الذي يضع على كتفه حزام رصاص: «لا يزال بعض عناصر طالبان في الجبال، ولكنهم مختبئون، ولا يجرؤون على الخروج لقتالنا». واستسلم المتمردون الذين ظهروا، وفي الشهر الحالي طلب قائد من المستوى المتوسط، كان مساعدا لرئيس طالبان في غيزاب، العفو عنه. ويقول أحمد الله، شقيق لالي: «أخبرني أنه لم يكن في استطاعته القيام بشيء آخر». ولكن يحذّر لالي وزعماء محللون آخرون من أن السلام هنا لا يزال هشا بسبب عدم وضوح الطريقة التي ستحصل بها القوة التابعة له على التمويل والمعدات. وقد أمرت الحكومة الأفغانية بتعين قوة شرطية قوامها 53 رجلا للمنطقة بالكامل. ويعمل مسؤولون أميركيون مع وزارة الداخلية الأفغانية لإيفاد الآخرين كأفراد في «قوة حماية شرطية»، وهو ما يمكّنهم من ارتداء زي موحد والحصول على رواتب. ولكن يقول زعماء غيزاب إن الحصول على 60 دولارا في الشهر لا يكفي. ويقول صفي الله، وهو أحد مساعدي لالي: «لا يقدم ذلك شيئا لعائلاتنا، وعندما يسمع الناس ذلك يقولون إنهم سيرحلون».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»