لصوص نيجيريا ينظفون التسرب النفطي.. بعيدا عن خليج المكسيك

يسرقونه لبيعه في السوق السوداء وليس في إطار الجهود التي تبذل لاحتواء التسرب

TT

مستخدما أنبوبين أصفرين كبيرين لتحويل المياه الملوثة إلى قاربه الخشبي الصغير، يساعد الفتى النيجيري دانيال موكور في «إزالة» أحدث تسرب نفطي في جداول دلتا النيجر.

لكن موكور البالغ من العمر 15 عاما لا يعمل في إطار الجهود التي تبذلها السلطات الاتحادية في نيجيريا لاحتواء التسرب، فالفتى يسرق النفط لبيعه في السوق السوداء.

والملمح الوحيد لجهود تطهير بقعة النفط في جداول بودو هو حاجز مهمل لتطويق بقعة النفط برتقالي اللون يمتد بطول زورقين يقول السكان إن عمال شركة نفط وضعوه هناك وليس الحكومة.

لم تظهر في موقع التسرب غواصات موجهة آليا لاحتوائه ولا تجري الحكومة تحقيقات على مستوى عال لمعرفة أسبابه كما لم تحصل المجتمعات المحلية التي لحقت بها أضرار على أي تعويضات. فهذه نيجيريا وليست الولايات المتحدة.

أما التغطية الإخبارية اليومية للمعركة الشاملة التي تخوضها الحكومة الأميركية لاحتواء تسرب النفط في خليج المكسيك في أكبر كارثة بيئية في تاريخ الولايات المتحدة فتذكر النيجيريين بالترسانة التي تمتلكها الدول الغنية.

يقول جون نيدا، مساعد سكرتير جماعة الشبان الرئيسية في البلدة، في تقرير لـ«رويترز» «في الولايات المتحدة كان هناك تحرك من جانب الحكومة. لكن في نيجيريا لم تكن هناك أي استجابة. يواصلون القول إنهم سيأتون اليوم وإنهم سيأتون غدا لكنهم لا يأتون أبدا».

وتدفقت ملايين الجالونات من خام النفط في خليج المكسيك منذ أن انفجر حفار بحري في 20 أبريل (نيسان) مما أسفر أيضا عن مقتل 11 عاملا وفجر بئرا تابعة لشركة «بي.بي» البريطانية.

لوث التسرب 190 كيلومترا من الساحل الأميركي وعطل أنشطة الصيد وصناعة السياحة التي تقدر بعدة مليارات من الدولارات وتسبب في نفوق طيور وسلاحف البحر والدلافين.

ومارس الرئيس الأميركي باراك أوباما ضغوطا على «بي.بي» لتدفع تعويضات لضحايا التسرب بينما اتهم المشرعون الأميركيون الشركة باستخدام وسائل محفوفة بالمخاطر في بئرها المعطوبة.

أما في دلتا النيجر، موطن أكبر صناعة للنفط والغاز في أفريقيا، والتي تقع على بعد آلاف الأميال من أزمة الخليج الأميركي، فقد أُهملت حوادث التسرب النفطي وتركت لتتفاقم على مدار عقود وتلوث الهواء والتربة والمياه في المجتمعات المحلية الفقيرة.

ولا يعرف أحد على وجه التأكيد حجم النفط الذي تسرب إلى الأنهار والجداول في دلتا النيجر لكن دعاة حماية البيئة يقولون إن التأثيرات البيئية على مر الزمن في واحدة من أكبر مستنقعات العالم هي أسوأ كثيرا مما حدث في الولايات المتحدة.

يقول ألاجوا موريس، المراقب الميداني لمؤسسة «أنفيرومنتال رايتس أكشن» في ولاية بايلسا «حالات التسرب النفطي في دلتا النيجر أكبر مما حدث بخليج المكسيك.. تركت بعض مواقع التسرب في نيجيريا لتقذف بالنفط الخام إلى البيئة لأكثر من شهرين».

لكن إدارة الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان لا تتفق مع وجهة النظر تلك وتقول إن حوادث تسرب النفط أصغر كثيرا مما حدث في الولايات المتحدة وعادة ما يتم وقفها في غضون بضعة أيام.

وقال وزير البيئة جون أودي «الوضع الذي نشهده في المكسيك، لم نشهد مثله في نيجيريا منذ عشر سنوات». وأردف «إنها مغالطة أن يقارن بعض الناس التسرب في خليج المكسيك بما يحدث هنا».

وترجع شركات النفط الكثير من حوادث التسرب التي وقعت مؤخرا إلى هجمات لمتشددين أو مخربين يحاولون سرقة الخام من خطوط الأنابيب.

وتقول شركة «رويال داتش شل» أكبر شركة نفط تعمل في الدولة الأفريقية إنها تنظف بقع النفط في أسرع وقت ممكن بغض النظر عن أسبابها وأوضحت أنها أحيانا تتأخر بسبب المخاوف الأمنية أو لأن السكان المحليين يمنعونها من الوصول إلى موقع التسرب.

وتقول الشركة البريطانية الهولندية العملاقة إن مشروعها المشترك في نيجيريا خسر أكثر من نحو 14 ألف طن من النفط بسبب حوادث التسرب العام الماضي فقط وهو ما يرجع في جانب كبير إلى الهجمات على منشآتها.

وتعتبر بلدة بودو التي تقع خارج مركز بورت هاركورت النفطي مباشرة أحد المجتمعات المحلية النفطية العديدة في دلتا النيجر التي دمرتها سنوات من حوادث التسرب النفطي.

في جداول البلدة يخرج الأطفال بعد اللهو في المياه وقد علقت حبيبات من النفط بجلودهم فيما تجلس حفنة من الصيادين العاطلين تحملق في النباتات الهالكة الملطخة باللون الأسود على طول ضفاف الجداول.

قال اينوسنت توني وهو أب لأربعة أطفال يبلغ من العمر 46 عاما «منذ عامين كنت أصطاد يوميا لكن توقف هذا بسبب تسرب النفط... إننا محبطون تماما. لا أعرف ماذا أفعل».

ويرى بعض السكان أنه ليس أمامهم خيار سوى العودة إلى التجارة المربحة غير المشروعة في سرقة النفط الخام لكسب العيش. حيث قال موكور، الذي كان يرتدي سروالا قصيرا منقوشا تلطخه بقع النفط ويلف قميصه القطني الأصفر حول رأسه ليحميه من الشمس، «ليس هناك سمك لنصطاده. ليس أمامي خيارات. هذه هي وسيلتي لكسب الرزق الآن».

ويمكن للفتى الصغير أن يكسب نحو 10 ألاف نايرا (67 دولارا) يوميا من جمع النفط الملوث وهو أجر كبير مقارنة بمعظم سكان نيجيريا البالغ عددهم 140 مليون نسمة الذين يكسبون أقل من دولارين في اليوم.

سيقود موكور زورقه المليء بالنفط إلى أحد مواقع التكرير غير القانونية العديدة التي يمكن العثور عليها بسهولة عن طريق سحب الدخان المنبعثة من أشجار المانجروف في أنحاء الجداول. وهناك يتم غلي النفط وتنقيته من أجل بيعه كوقود للطهو أو لمولدات الطاقة.

وساعدت سرقة النفط المتسرب في تمويل الجريمة في دلتا النيجر حيث تشيع حوادث الخطف طلبا للفدى وسرقة السيارات.

ومنعت التوترات في المنطقة نيجيريا، العضو في منظمة أوبك، من إنتاج أكثر من ثلثي طاقتها الإنتاجية التي تبلغ ثلاثة ملايين برميل يوميا مما كلف ثاني أكبر اقتصاد في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى ملايين الدولارات من الإيرادات الضائعة سنويا.