لقاء حاسم بين أوباما وماكريستال يحدد مستقبل قيادة الحرب في أفغانستان

مقابلة صحافية للجنرال تهز واشنطن وتسلط الضوء على الخلافات الأميركية حول الحرب

القائد الأميركي قائد قوات الناتو في أفغانستان «إيساف» الجنرال ستانلي ماكريستال في لقطة خلال حديثه عن الاستراتيجية الجديدة (أ.ب)
TT

كان من المرتقب أن يعقد الرئيس الأميركي باراك أوباما اجتماعه الشهري الدوري حول الأوضاع في أفغانستان وباكستان اليوم لبحث آخر التطورات السياسية والأمنية في البلدين والتشاور مع كبار مستشاريه حول الخطوات المقبلة لضمان نجاح مؤتمر كابل الدولي المرتقب عقده في يوليو (تموز) المقبل.

إلا أن أجندة اجتماع اليوم تغيرت بشكل كبير وستركز على مستقبل القيادة الأميركية العسكرية للحرب في أفغانستان، وتحديدا علاقة أوباما بالقائد الأميركي قائد قوات الناتو في أفغانستان «إيساف» الجنرال ستانلي ماكريستال الذي استدعي للحضور إلى العاصمة الأميركية لتفسير تصريحاته حول إدارة أوباما في مقابلة صحافية هزت واشنطن يوم أمس.

ومن المرتقب أن يعتذر ماكريستال اليوم للرئيس الأميركي وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية حول تصريحات أدلى بها ونقلت عنه في مقال موسع مبني على مقابلات مع ماكريستال في مجلة «رولينغ ستون». المقال الذي نشرت تفاصيله أمس وينزل في الأسواق يوم الجمعة المقبل يسلط الضوء على الانقسامات الكبيرة والحقيقية بين ماكريستال وإدارة أوباما، ليس فقط حول تفكيرهم فيما يخص استراتيجية الحرب في أفغانستان، بل أيضا الخلافات الشخصية بين ماكريستال ومسؤولين مدنيين مثل السفير الأميركي في كابل كارك إيكنبيري والمبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك.

وفي المقابلة التي استغرقت أسابيع عدة قضاها الصحافي مع ماكريستال ومساعديه بين كابل وباريس، يصف الكاتب «إحباط» ماكريستال من مقابلته الأولى مع أوباما، بالإضافة إلى تصريحات ساخرة من ماكريستال حول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وهولبروك. وبحسب المقال المنشور في «رولينغ ستون»، قال ماكريستال إنه عانى من فترة مراجعة أوباما للاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، فبينما كان ماكريستال يريد استراتيجية مبنية على أسس مكافحة التمرد واستقرار أفغانستان على المدى البعيد، كان بايدن وغيره من المسؤولين في البيت الأبيض يريدون استراتيجية مختصرة مبنية على مكافحة الإرهاب وهزم «القاعدة». وقال ماكريستال: «وجدت تلك الفترة مؤلمة.. كنت أروج لموقف من الصعب الترويج له». أما فيما يخص هولبروك، فيقول أحد مساعدي ماكريستال الذي لم يسمه الصحافي إن ماكريستال يعتبر هولبروك مثل «الحيوان الجريح» بسبب الإشاعات المتواصلة حول إمكانية إقالته. ووصف مساعد آخر لماكريستال أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز بأنه «مهرج» يعيش وكأنه في عام 1985 – أي عقليته متحجرة وعالقة في الحرب الباردة. ويرسم المقال، الذي حمل عنوان «الجنرال الشارد»، صورة من استهزاء ماكريستال وإحباطه في أنه واحد مع عناصر أساسية في إدارة أوباما.

وبعد الكشف عن المقال، سارع ماكريستال في تقديم اعتذاره عنه. وقال في بيان صادر أمس إنه يحمل «احتراما كبيرا وإعجابا تجاه الرئيس أوباما وفريقه للأمن الوطني». وأضاف: «خلال مهنتي، عملت حسب مبادئ الشرف الشخصي والنزاهة المهنية»، موضحا: «ما عكس في هذا المقال لا يصل إلى هذا المستوى». وتابع: «أقدم اعتذاري الصادق لهذا البروفايل.. إنه خطأ يعكس حكما خاطئا وكان يجب أن لا يحدث» إلا أنه من الملفت بأن ماكريستال لم ينف التفاصيل الواردة في المقال والذي بني على مقابلات عدة مع ماكريستال ومستشاريه. وأكد المحرر التنفيذي لـ«رولينغ ستون» إريك بايتس في مقابلة مع قناة «إم إس إن بي سي» صباح أمس أن ماكريستال اطلع على كل التصريحات التي كانت ستنشر في المقابلة ولم يعترض عليها.

وأجرى ماكريستال اتصالات عدة مع قادة أميركيين منهم قائد القوة المشتركة الأدميرال مايك مالون وبايدن ووزير الدفاع روبرت غيتس، لكن مواجهته ستكون وجها لوجه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم في البيت الأبيض. وامتنع ناطق باسم البيت الأبيض عن التعليق لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كان أوباما سيلتقي ماكريستال على حدة، بينما أكد مسؤول أميركي أن ماكريستال سيحضر الاجتماع الموسع حول الاستراتيجية في أفغانستان وباكستان. وقال غيتس في بيان أمس: «لقد قرأت بقلق مقال البروفايل حول الجنرال ستانلي ماكريستال.. وأعتقد أن الجنرال ماكريستال ارتكب خطأ كبيرا واتخذ قرارا خاطئا في هذه القضية». وأكد أن ماكريستال اتصل به وقدم اعتذارا له «وهو يتصل بآخرين تم تسميتهم في المقال للاعتذار أيضا». وأضاف: «نحن نحارب ضد (القاعدة) وحلفائها المتطرفين الذين يهددون الولايات المتحدة وأفغانستان وأصدقاءنا وحلفاءنا حول العالم»، موضحا أن مستقبلا: «علينا أن نقود هذه المهمة بناء على الوحدة في الهدف».

ومن غير الواضح إذا كان هذا المستقبل سيشمل ماكريستال، إذ لم يوضح مسؤولون أميركيون إذا كان أوباما سيقرر إقالة ماكريستال. وتصاعدت أصوات المعلقين الأميركيين المطالبين باستقالة ماكريستال بينما أصوات أخرى مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري طالبت بالهدوء وبالتركيز على الحرب في أفغانستان بدلا من خوض معارك أميركية داخلية. وقال كيري أمس: «ما يهمني هو ما يحدث في أفغانستان وكيف يمكن إنجاح الاستراتيجية». وبينما تستمر الخلافات الداخلية في إدارة أوباما حول مجرى الحرب في أفغانستان ومراجعة الاستراتيجية قبل سبتمبر (أيلول) المقبل، هز المقال واشنطن بسبب صراحة تعليقات ماكريستال حول الإدارة الأميركية وطريقة عمل كبار مسؤوليها.

وأكدت مصادر أميركية أمس أن مستشار ماكريستال للشؤون الإعلامية، دانكن بوذبي، قدم استقالته أمس على خلفية المقال والسماح للصحافي بنقل كل ما سمعه ورآه خلال اصطحابه للجنرال لأسابيع عدة. ومن المعروف عن بوذبي، وهو مستشار مدني عمل في العراق وأفغانستان مع قادة عسكريين عدة، اعتماده على مبدأ السماح للصحافي بنقل كل ما يسمعه، إلا إذا طلب منه عدم نقل تصريح معين. وكان بوذبي المسؤول عن إجراء المقابلات العدة، بالإضافة إلى الموافقة على فحوى المقال.