نتنياهو وباراك يحاولان إطفاء حريق مشروع الهدم في حي سلوان

هناك في إسرائيل من يرى في ذلك تخريبا للقاء المرتقب لرئيس الوزراء مع أوباما

TT

يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، إطفاء الحريق الذي أشعله قرار لجنة داخلية في بلدية القدس الغربية بهدم 22 بيتا فلسطينيا في حي سلوان، من أجل إقامة حديقة سياحية. ومع أن الإدارة الأميركية، رفضت هذا القرار واعتبرته «من نوع القرارات التي لا تساعد على بناء الثقة، وتعرقل مفاوضات المصالحة والتسوية»، فإن الإسرائيليين اعتبروه «بيانا معتدلا». لكنهم يسعون في الوقت نفسه إلى معالجة الموضوع بشكل يمنع التدهور من جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة.

وأعلن باراك، من مقر إقامته في واشنطن، حيث يدير محادثات سياسية وعسكرية، وصفت في تل أبيب بأنها مثيرة، أن «اليهود انتظروا 3000 سنة، وبإمكانهم الانتظار فترة أخرى حتى تقام الحديقة الدينية في سلوان».

وقال مصدر مقرب منه إنه يشعر بأن هناك أوساطا إسرائيلية معنية بتدمير العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، التي تعتبر كنزا استراتيجيا لإسرائيل، وتتصرف بشكل صبياني وتخرب المصالح الإسرائيلية القومية. وأكد أن حزبه لن يسمح بتمرير قرارات الهدم في سلوان، وسيسعى لإيجاد علاج مناسب للموضوع.

ونفى ناطق بلسان نتنياهو أن يكون على علم مسبق بهذا القرار، حيث انه قرار للجنة تنظيم محلية تابعة لبلدية القدس ولا يوجد لرئيس الحكومة أو الحكومة صلاحية قانونية لإلغائه. وقال: «إنه قرار بدائي يحتاج إلى مصادقات عديدة وطويلة جدا. ومكتب رئيس الوزراء بدأ الاتصالات لإيجاد حلول مناسبة ترضي جميع أطراف الصراع حول هذا المشروع».

بيد أن السلطة الفلسطينية، رفضت أية تسوية في الموضوع، وقالت إن هذا شكل آخر من أشكال الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي في القدس الشرقية المحتلة. وتوجهت بشكوى إلى الإدارة الأميركية طالبة تدخلها لإلغاء القرار. وفي القدس نفسها، هدد الأهالي بالتصدي لجرافات الهدم بأجسادهم، وبالرد على القرار بانتفاضة عارمة.

من جهة ثانية، يتوقع أن تتفاقم الأزمة على خلفية الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، حيث يجتمع المجلس المركزي لحزب الليكود، غدا الخميس، لإقرار خطة لاستئناف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل. ورحب وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بهذه الخطوة، وقال في لقاء مع المراسلين السياسيين الإسرائيليين، أمس، إن استئناف الاستيطان هو الامتحان الحقيقي لوطنية هذه الحكومة. وأضاف أنه يعد الأيام ساعة بساعة حتى يحين هذا الموعد ليرى الجرافات وعمال البناء ينتشرون من جديد في المستوطنات.

وصرح مسؤول حكومي إسرائيلي رفض ذكر اسمه، أمس، بأن تجميد البناء الاستيطاني لم يفد إسرائيل بشيء، لأن الفلسطينيين لم يقابلوه بأية خطوة إيجابية من طرفهم.

وهاجم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قائلا: «إنه لا يمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة، ولا يقدم المفاوضات السلمية شبرا واحدا إلى الأمام. وكل ما يفعله هو التحريض على إسرائيل في العالم. لذلك، لا بد من العودة إلى البناء الاستيطاني المكثف».

وفي ظل هذه الأجواء، دعا الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، نتنياهو وزوجته إلى مأدبة عشاء في بيته، وأعرب أمامه عن القلق الشديد من أوضاع إسرائيل في العالم. وقال إن على الحكومة أن تبادر إلى خطوات جوهرية لتغيير وضعها الدولي. وأشار إلى تحريك مسيرة السلام كرافعة وحيدة تساعد إسرائيل على الخروج من مأزقها. ورد نتنياهو قائلا إن الوضع ليس كما ينشر في الصحف، وإن هناك مزيدا من التفهم للسياسة الإسرائيلية خصوصا في الولايات المتحدة، وإن زيارته القادمة إلى واشنطن، في السادس من الشهر المقبل، تهدف بالأساس إلى تحريك مسيرة السلام ودفعها إلى الأمام. وأشار نتنياهو إلى رفع الحصار المدني عن قطاع غزة بالتنسيق مع الرباعية الدولية ومندوبها في المنطقة، توني بلير، وقال: «اسمع كيف يدافع بلير أمام الصحافة العالمية عن إسرائيل ويشيد بتعاونها».

يذكر أن بلير أمضى يوم أمس على المعابر الواصلة بين إسرائيل وقطاع غزة، حيث أشرف بنفسه على إدخال البضائع الإسرائيلية بحمولة 100 شاحنة. وقال إنه سعيد بذلك. وإن الحكومة الإسرائيلية تنفذ الاتفاق مع الرباعية بحذافيره. ولكنه أضاف أن هذه الإجراءات الإسرائيلية غير كافية، وأن هناك حاجة ماسة لكسر الحصار نهائيا.

* حي سلوان

* يقع حي سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، وكلمة «سلوان» جاءت من لفظ سيلوان الأرامية وتعني الشوك والعليق أو من اللفظ العربي سلوان بمعنى الصبر. وسلوان هي البلدة الأكثر التصاقا بالمسجد الأقصى المبارك. وهي أساس مدينة القدس، بناها اليبوسيون العرب من أصول كنعانية على سفوح تلال الضهور، وسميت على اسمهم، وعمرها نحو ستة آلاف سنة، إذ يعود بناؤها إلى 4000 عام ق.م، وفيها عين ماء مشهورة يرتبط تاريخها بتاريخ القدس، حيث شكلت مصدر المياه الأساسي منذ الفترة الكنعانية، عبر قنوات صخرية بناها اليبوسيون بطول 533 مترا، وما زالت آثارها إلى اليوم. ويبلغ عدد سكان بلدة سلوان اليوم أكثر من خمسين ألف نسمة، أما مسطح أراضيها فيبلغ 5421 دونما، وتملك سلوان جزءا كبيرا من الأراضي المشاع الواقعة بين القدس والبحر الميت، وأهمها منطقة السهل الأحمر، الواقعة على طريق القدس أريحا، والتي عرفت تاريخيا بخان السلاونة (الخان الأحمر)، وقد صودرت أراضي خان السلاونة بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وأقيمت عليها مستوطنة «معالية أدوميم».

ويحد بلدة سلوان من الشمال المسجد الأقصى المبارك والسور التاريخي للبلدة القديمة بالقدس وحي المغاربة الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، ومن الغرب حي الثوري، ومن الجنوب أراضي بيت صفافا وجبل المكبر، ومن الشرق قرى أبو ديس والعيزرية وجبل الطور. واهتم الخلفاء الراشدون بمدينة القدس منذ الفتح العمري، حيث أمّن أهلها على أنفسهم وأموالهم، أما وقد مرّ الخليفة عمر بن الخطاب منها بعد نزوله من جبل المكبر، فقد أوقف الخليفة عثمان بن عفان عين سلوان المشهورة، بعد أن وسعها، على ضعفاء المسلمين وجعل بساتينها وقفا لنفع عموم أهل القدس، وفي الفتح الصلاحي قام القائد صلاح الدين الأيوبي بوقف بلدة سلوان بما فيها العين بكاملها على المدرسة الصلاحية.

وحتى عام 1990 لم يسكن يهودي واحد في سلوان، ولكن مع بدايات عقد تسعينات القرن الماضي، وضعت المؤسسة الإسرائيلية أولى خطواتها لتنفيذ تهويد سلوان، ضمن مخطط شامل لتهويد محيط المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة بالقدس، وأسكن أول مستوطن يهودي في سلوان عام 1990.

وكانت جمعية «إلعاد» الاستيطانية، هي الذراع التنفيذية للاستيطان اليهودي حول الأقصى. وبحسب إحصاء غير رسمي فهناك نحو 40 بؤرة استيطانية في بلدة سلوان، تتركز في منطقة وادي حلوة وفي وسط سلوان قريبا من عين سلوان، وتعتبر المنطقة التي يطلقون عليها «مركز الزوّار – مدينة داود»، هي أخطر مركز استيطاني تهويدي في بلدة سلوان، وهي الأقرب إلى المسجد الأقصى المبارك من الجهة الجنوبية. ومن بين المخططات التهويدية في سلوان بناء كنيس يهودي، وبجانبه مكتبة وعشر شقق سكنية استيطانية وموقف يتسع لمائة سيارة. وبموازاة الاستيطان اليهودي فوق الأرض، فإنّ هناك شبكة من الأنفاق التي حفرتها المؤسسة الإسرائيلية تحت بلدة سلوان، أحدثت تشققات خطيرة في بيوت سلوان وشوارعها، وكل هذه الأنفاق التي يصل طولها إلى مئات الأمتار، تتجه نحو المسجد الأقصى، لتصل إلى أسفله خصوصا من جهة الزاوية الجنوبية الغربية.

وفي أواخر عام 2008 أعلنت المؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية وبلديتها في القدس أنها ستمضي قدما في بناء حديقة توراتية تحت اسم «حديقة الملك داوود» ضمن سلسلة حدائق توراتية تطوق المسجد الأقصى من جميع جهاته، ومن أجل تحقيق هذا الهدف التلمودي أرسلت بلدية الاحتلال إخطارات بهدم نحو 88 بيتا في حي البستان، أحد أحياء بلدة سلوان، حيث تخطط المؤسسة الإسرائيلية لبناء الحديقة التوراتية، وتوالت حملة إخطارات هدم البيوت لباقي أحياء سلوان والأحياء الفلسطينية الأخرى.