باكستان تتردد في استهداف الحركات الأصولية المتطرفة في أقاليمها الرئيسية

تنامي نفوذ الجماعات المسلحة في البنجاب يثير قلق المسؤولين الأميركيين

TT

على الرغم من قتالها الضاري ضد المتمردين في المناطق الجبلية من الحدود الغربية، تبدي الحكومة الباكستانية ترددا كبيرا بشأن التعامل مع المتطرفين السنة الذين تقول إن قوتهم تتعاظم داخل مناطقها الرئيسية الآهلة بالسكان.

ففي الأراضي المنخفضة لإقليم البنجاب الضخم تعمل الجماعات الأصولية، والطائفية والمحظورة على خلفية صلاتها بجماعات إرهابية، بصورة علنية وبدعم من المسؤولين. وفي ذلك يشير أحد المسؤولين المحليين إلى: «غض المسؤولين الطرف عن الجماعات التي تشجع على العنف ضد الأقليات والآخرين الذين تعتبرهم كفارا، لأن ذلك جزء من العقلية السياسية الباكستانية».

وقد استعرض المتطرفون قوتهم بعنف في ضواحي البنجاب الشرقية خلال العام الماضي، عندما شنوا عدة هجمات على الشيعة وفرضوا أخيرا حصارا على مسجدين أسفر عن مقتل ما يقرب من 100 من أبناء الطريقة الأحمدية التي تتعرض لاضطهاد منذ زمن طويل. وعلى الرغم من اعتراف السلطات بأن للمهاجمين جذورا في البنجاب فإنهم يصرون على أن جوهر المشكلة يكمن في معسكرات طالبان في الأراضي الحدودية، والتي ينظر إليها هنا على أنها بؤر تفريخ للإرهابيين.

لكن المنتقدين يقولون إن العلاقات بين طالبان في المناطق القبلية والمنظمات المتطرفة في البنجاب كانت غير واضحة منذ زمن بعيد، بيد أن تعاونهما بمثابة قنبلة زمنية. ويرى المحللون أن الحكومات المحلية نأت بنفسها خشية هذه الجماعات لأنها تعتمد على الدعم الديني للمحافظين الذين يؤثرون في قطاعات كبيرة من السكان حتى وإن كانت وجهات نظرهم الراديكالية تمثل أقلية.

ويقول آي إيه رحمان، مدير مفوضية حقوق الإنسان الباكستانية: «تحظى طالبان بحلفاء لها في البنجاب، لكن الحكومة لا ترغب في الاعتراف بذلك. وهؤلاء الإرهابيون لا يحاربون على نطاق ضيق، إنهم يحاربون للاستيلاء على السلطة في باكستان».

تنامي نفوذ الجماعات المقاتلة في البنجاب يثير قلق المسؤولين الأميركيين، وهو ما أكده تصريح روبرت أو بلاك، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون وسط وجنوب آسيا للمراسلين في واشنطن في أبريل (نيسان): «نعتقد بضرورة تحرك باكستان ضد الجماعات الموجودة في البنجاب والتي تستهدف العديد من الدول ومنها باكستان ذاتها وهو ما يشكل ضرورة ملحة للحكومة للتصرف إزاء هذه المجموعات».

لا تدير طالبان أو الجماعات المسلحة الأخرى معسكرات تدريب أخرى أو تسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي الباكستانية على عكس الجبال. لكن جنوب البنجاب الأكثر من ناحية الكثافة السكانية في هذه الدولة النامية يعتبر قاعدة للعديد من الجماعات السنية المتطرفة التي عمل بعضها كوكلاء للدولة من قبل، إضافة إلى فقرها وانتشار التوترات الطائفية بها.

تدير الجماعات المسلحة المحظورة رسميا مثل «جيش محمد» و«عسكر طيبة» المساجد والحلقات الدراسية وتعمد إلى توظيفها كعامل جذب للراغبين في الجهاد تحت سمع وبصر المسؤولين. ففي أعقاب الهجوم على جماعة الأحمدي لم تبد الحكومة الفيدرالية - الخصم السياسي لحزب البنجاب المحافظ الحاكم - اعتراضا على ذلك. وقد لمح وزير الداخلية الباكستاني رحمان مالك إلى تنفيذ الوزارة عملية في جنوب البنجاب، حيث أشار إلى وقوع 44 في المائة من المدارس الدينية في البلاد في هذه المنطقة. وعندما احتل الجيش المنطقة القبلية نظر الجميع إليها على أنها منطقة خالية من التهديد.

ويرى مسؤولو وسلطات إنفاذ القانون في البنجاب أنه لا توجد خلايا إرهابية منظمة في الإقليم، على الرغم من تأكيد قائد شرطة لاهور محمد إسلام تاريم، أن طالبان اخترقت المنطقة. وأشار إلى أن شرطة المدينة تخطط لإنشاء قوة لمكافحة الإرهاب، وأنهم يراقبون، مثل السلطات المحلية، الخطب الدينية عن كثب ويشنون غارات على المدارس الدينية. وذكرت وسائل الإعلام الباكستاني الأسبوع الماضي أن الإقليم كان يخطط لتقويض سطوة هذه الجماعات المتطرفة وأن عملاء الاستخبارات حاولوا إقناع قادة هذه الجماعات بكبح جماح أتباعهم وقطع علاقاتهم بطالبان و«القاعدة».

ويرى المتشككون أن هذه الجهود لن تسفر عن تحقيق الكثير من النتائج، إذا ما وضعنا تاريخ الحكومة دليلا لنا. فالعديد من المشتبه بهم بالمذابح الطائفية يتم إطلاق سراحهم سرا. وقد شوهد الداعون إلى قتل اليهود والنصارى والأحمديين في الشوارع الرئيسة قبل مقتل الأحمديين. كما نظمت «جماعة الدعوة» التي قالت الأمم المتحدة بأنها واجهة جماعة عسكر طيبة، مسيرة حاشدة هذا الشهر.

في بداية العام الحالي، أجرى وزير القانون في البنجاب - الذي يعتبر الذراع اليمنى لشهباز شريف - حملته الانتخابية في مدينة جهانغ الجنوبية إلى جانب زعيم جماعة «سباه صحابة» المقاتلة المحظورة في باكستان.

ودافع وزير القانون رانا سناء الله، عن هذه الخطوة بالقول إن ما يقرب من 20 في المائة من أعضاء المنظمات المحظورة ربما يكونون إرهابيين لكنهم موجودون في المناطق القبلية أما الأعضاء الباقون فيجب أن يتم تشجيعهم على المشاركة في الديمقراطية الباكستانية وأن ملاحقتهم من أجل التلويح براية الجماعات المحظورة سيشجع التطرف.

وقال سناء الله: «نشر الكراهية بين الطوائف المختلفة، هو المتعارف عليه بين المدن الباكستانية، فالكراهية الطائفية لا يسمح بها القانون، لكن الأفراد الذين يروجون لأفكار طائفية ليسوا إرهابيين من نوعية الأشخاص الذين يقوم بعمليات تفجير انتحارية».

يرى المنتقدون، ذلك فكرة ساذجة للغاية، وأشاروا إلى أن المشتبه بهم في العديد من الهجمات التي وقعت في البنجاب كانوا على صلة بالجماعات الإرهابية البنجابية وأن طالبان والجماعات الطائفية تتقاسم الأرضية المشتركة في اعتبار الطوائف الأخرى كفارا. ويقول المسؤولون إن أجنحة الجماعات المتطرفة في البنجاب وجدت ملاذات لها في المناطق القبلية.

وقال سالم تاسير، الذي تم تعيينه من قبل الحكومة الفيدرالية التي لا تشرف على تنفيذ القانون في الإقليم: «يجب ألا نتسامح على الإطلاق مع تلك الجماعات سواء قدموا من منطقة الحدود أم من أفغانستان حيث يأتون ويستقرون هنا في هذه المناطق التي تتعاطف مع هذه الجماعات الإرهابية. فكلها جماعات عنف».

وتملك الحكومة الفيدرالية حلفاء سياسيين لها بين الأحزاب الدينية المحافظة. ويقول تاسير إن «الحزب الحاكم لن يدفع باتجاه تغيير القوانين التمييزية ضد جماعة الأحمديين - وهي خطوة يعتقد بعض الناشطين أنها ستساعد في حمايتهم - لأنها قد تتسبب في اندلاع أعمال الشغب والقتل».

ورد كتاب الرأي والناشطون على هجمة 28 مايو (أيار) بغضب وتمكنت ثلاث سياسيات باكستانيات من الدفع بتشريع يدين الهجوم لكن مظاهرات الشارع كانت فاترة. وتجنب السياسيون في البنجاب تقديم التعازي في المساجد الأحمدية حيث قام انتحاريون بتفجير أنفسهم وإلقاء قنابل يدوية.

وعندما دعا نواز شريف، رئيس الوزراء الأسبق والذي يرأس الحزب الحاكم في البنجاب، بـ«الإخوة والأخوات»، نعته رجال الدين السنة المحافظون بالخائن، ومن ثم نأى هو وحزبه عن التعليق على الهجوم هذه المرة.

لكن في لقاء أجري مع بعض الأفراد في حديقة حيوان لاهور عبر كثيرون عن تأييدهم للملالي. وقال محمد نديم، 26 عاما، عن الأحمديين: «ليس لديهم الحق في العيش هنا، فهم أتباع للشيطان». وأشار إلى أن الهجمات كانت «جيدة جدا».

ويقول الأحمديون إن لديهم شكوكا ضئيلة في إنهم لا يزالون مستهدفين من المتشددين. ويقول قادتهم إنهم تلقوا تهديدات قبل الهجمات وإن الشرطة تجاهلتها، لكن الشرطة أنكرت ورود مثل هذه التهديدات. لكن رجال الشرطة القليلون فروا عندما بدأ المسلحون في إطلاق الرصاص. على الرغم من ذلك سارع الأحمديون إلى مسح الدم واستئناف العبادة. كما سارعوا إلى وضع أكياس الرمال خارج مسجد «دار الذكر»، حيث قتل 70 شخصا، ووقف عدد من الرجال من أبناء الطائفة خارج المسجد وحملوا أسلحة أخفوها في طيات ملابسهم وهو أمر تقول السلطات الإقليمية إنها سمحت به بعد الحصار. وقال نصير الحق خان، عقيد الجيش المتقاعد، والذي كان موجودا في المسجد يوم الهجوم: «اعتقدنا أن الشرطة ستحمينا، لكننا الآن أكثر حرصا».

* «خدمة نيويورك تايمز»