السياسي الصاعد في البوسنة رادونجيتش: أطمح لرئاسة الوزراء بعد انتخابات أكتوبر

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن حزبه الجديد يمثل الصفوة وأولوياته اقتصادية

فخر الدين رادونجيتش
TT

عصامي بدأ من الصفر. كان صحافيا مغمورا، وهو اليوم من كبار رجال المال والأعمال، وسياسي يشق طريقه بسهولة نحو الزعامة في البوسنة، التي قدم إليها من الجبل الأسود بحقيبة ملابسه وبعض دفاتره، وآمال كبيرة في الصعود.

إنه فخر الدين رادونجيتش، 54 سنة، الذي عرفت حياته نمطا جديدا بعد لقائه الزعيم البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش، حيث تمكن من الحصول على 200 ألف يورو لإنشاء صحيفة، سماها «دنفني أفاز». وقد نجحت الجريدة نجاحا كبيرا مكنه من ولوج عالم المال والأعمال، وهو اليوم من رجال الأعمال الذين يشار إليهم بالبنان، حيث يطلق عليه «برلسكوني البلقان».

في الأيام الماضية شكل حزبا سياسيا، سماه «من أجل مستقبل أفضل»، وقد بدأ كبيرا كمشاريعه السابقة، فقد ضم النخبة الثقافية والسياسية في البلاد، وحضر مؤتمره الأول أكثر من 4 آلاف من عصارة المجتمع. وتتوقع مصادر غربية تقدمه على حارث سيلاجيتش، وسليمان تيهيتش، وحصوله على ما لا يقل عن 40% من الأصوات في الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مما يخوله تشكيل الحكومة المركزية القادمة مع الأحزاب العرقية الأخرى.

وأعرب زعيم حزب «من أجل مستقبل أفضل» الذي سيشارك لأول مرة في الانتخابات المقبلة، عن رضاه عن المؤتمر الذي عقده حزبه مؤخرا وتم اختياره بالإجماع عن طريق التزكية رئيسا للحزب. وقال رادونجيتش لـ «الشرق الأوسط»: «لقد أثبتنا أننا قوة واقعية وحقيقية، وكان الأربعة آلاف شخص الذين حضروا المؤتمر من صفوة المجتمع البوسني، حتى قيل إننا حزب المثقفين، لكننا في الوقت نفسه حزب الشعب، والمثقفون هم طلائعه». أعرب رادونجيتش عن رغبته في تولي منصب رئيس الوزراء، في الحكومة المركزية، والابتعاد عن المنافسة للحصول على مقعد عضو مجلس الرئاسة. وأوضح أنه سيركز على تنمية الاقتصاد، وعلى تعزيز الهوية القومية والدينية للمسلمين. وشدد على أن أولوياته اقتصادية. وفيما يلي نص الحوار الذي أجري معه في سراييفو:

* قلتم إن أولوياتكم اقتصادية، هل يمكن أن تحدثنا عن ذلك؟

- نحن في حاجة لبناء بنية تحتية، تشجع الاستثمار، واختصار المسافات على عملية النقل، ومن ذلك إنشاء طرق سريعة، بين سراييفو وبيهاتش (500 كيلومتر) وسراييفو وموستار (120 كيلومترا) وموستار وميناء بلوتشا (27 كيلومترا). نريد إحداث نقلة واسعة على صعيد الإصلاح القانوني لا سيما البنود المتعلقة بالاستثمار. ونحن في حاجة لزعيم له نفس طويل، وديناميكية سياسية، وبراغماتية تحافظ على الاستراتيجيات الكلية. زعيم يتحدث عن المستقبل، بالاستفادة من تجارب الحاضر والماضي، حتى لا تتكرر الأخطاء، وفي الوقت نفسه يحفزه النجاح على معانقته من جديد. ستكون معركتنا الأولى ضد الفقر، وبرنامجنا له أبعاد اجتماعية، وفي الوقت نفسه ننحاز للحريات، ولسلطة الشعب. أما عن هويتنا السياسية فنحن نصنف على كوننا من يمين الوسط.

* هل ستترشحون لعضوية مجلس الرئاسة؟

- هدفي الحصول على رئاسة الوزراء، ولكن لن أهرب من التحدي، لم أتخذ بعد قرارا بخوض الانتخابات الرئاسية، ولكني سأترشح إذا كان هناك داع لذلك. مثلا لو قام سليمان تيهيتش بترشيح نفسه لمنصب عضو مجلس الرئاسة، ستقل فرص المناورة لدي، وهناك كما قلت شخصيات طلبت مني الترشح، ذلك لأن المرشحين السابقين لم يفوا بوعودهم، لا سيما على مستوى الإصلاحات الدستورية. كان الزعيم علي عزت بيغوفيتش متفردا، وقد أثبتت الأيام أنه كان محنكا سياسيا إلى جانب كونه من كبار المثقفين في العالم. لقد جلس إلى جانبه في الرئاسة، مجرم حرب (ممشيلو كرايشنيك) حكم عليه بالسجن في لاهاي بعشرين سنة سجنا، ولكن الجميع في الداخل والخارج كانوا لا يرون في الرئاسة سوى علي عزت بيغوفيتش، لقد فرض حضوره، وغطى على كل من كان حوله بقوة شخصيته وحكمته وليس بأي شيء آخر.

* الكثير من الشخصيات السياسية، التي انضمت لحزبكم، لم تتسلم أي مراكز قيادية، مثل رئيس الوزراء البوسني الأسبق، عدنان تارزيتش. ما سبب ذلك؟

- سأكون صريحا ومباشرا معك، الشخصيات التي تسلمت مراكز في السابق هناك نفور شعبي منها، لأنها لم تحقق طموحات الناس. وعدنان تارزيتش على سبيل المثال بقي فترة في الحكم، رئيسا للوزراء، ونريد أن نبعده في هذه الفترة، لكننا بعد الانتخابات، سنضعه في مركز تنفيذي كنائب لرئيس الفيدرالية على سبيل المثال.

* بدأت الحملة الانتخابية من الآن، كيف تقيمون حضوركم وأنتم تملكون المال والإعلام؟

- عقدنا حتى الآن أكثر من 70 تجمعا انتخابيا، ولدينا 78 مقرا حزبيا. نملك أيضا 110 آلاف عضو في كافة مناطق البوسنة. نريد الاستفادة من تجارب رجالنا السابقة، لكننا مدركون أننا لن نقوم بتحقيق إنجازات بأناس فاشلين سابقا. لا يمكن أن نقدم شخصيات فشلت في السابق، حتى وإن كانت أسماء كبيرة. وسيكون فريق العمل الذي يقود حزبنا مكونا من 20 شخصا.

* كيف تقيمون الدور التركي في البوسنة ومنطقة البلقان؟

- نحن نثمن عاليا الدور التركي، والرغبة الصادقة في المساعدة. لكننا نستطيع تحقيق الكثير من التقدم بالحوار المباشر مع الدول المجاورة.

* في حال فوزكم في الانتخابات المرتقبة، كما تقدر بعض الاستطلاعات. مع من ستشكلون الحكومة المركزية؟

- كما تعلمون، نحن نعيش مع إثنيات أخرى غير البوشناق. ولذلك لدينا اتصالات مع ميلوراد دوديك، زعيم حزب «الاشتراكيين المستقلين» ومع «التجمع الكرواتي الديمقراطي» في البوسنة. وعلى الصعيد الإقليمي لدينا علاقات جيدة مع جميع الدول المجاورة ودول المنطقة ونتطلع لعلاقات دولية من خلال السفراء المعتمدين في البوسنة، لا سيما سفراء الدول الأوروبية والإسلامية وطبعا الولايات المتحدة الأميركية. ولوعدنا للوضع الداخلي لا سيما العلاقة مع الصرب، فنحن نسعى لنجعل ميلوراد دوديك جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة، وأن يكون عامل استقرار وليس عامل فوضى. لذلك يمكنكم، رؤية ائتلاف حاكم مكون من فخر الدين رادونجيتش، ودراغن تشوفيتش، وميلوراد دوديك، وذلك على مستوى الحكومة المركزية. وعلى مستوى الفيدرالية، يمكن أن نكون تحالفا مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والتجمع الكرواتي الديمقراطي.

* هناك اهتمام دبلوماسي واضح بحزبكم. بماذا تفسرون ذلك؟

- نحن سعداء بزيارة السفراء من الدول الإسلامية والأوروبية والولايات المتحدة الأميركية لمقرنا الرئيسي، يأتون ويناقشون معنا الأوضاع في البوسنة والمنطقة، ونتبادل الآراء والاقتراحات. يأتي إلينا السفير الأميركي، والسفير البريطاني، وسفراء الدول الإسلامية. وبالمناسبة البوشناق هم أقل احتكاكا بالجهات الدولية في بلادنا، فالآخرون يلتقون بهم ويكرمونهم وينقلونهم إلى الأماكن السياحية، ويقدمون لهم المعلومات الخاطئة، ويحرضونهم علينا. كان علينا أن نفعل الشيء نفسه على أن لا نقدم معلومات خاطئة وإنما وقائع حقيقية.

* في 4 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ستجرى الانتخابات، ما هي النسبة التي تتوقعون الفوز بها؟

- كما تعلمون فأنا رجل أعمال، ولا يمكن أن أهدر أموالي بدون هدف. ومن خلال المؤسسات الحكومية والمعاهد الدولية المتخصصة فإننا نتوقع الفوز بنسبة تتراوح بين 30 و40% من الأصوات، وذلك رغم الحملة الانتخابية ضدنا. أعتقد أنه كلما كانت الحملة (قوية ضدي)، كان ذلك في صالحي. وكما قلت في وقت سابق: لقد نجحت كإعلامي، ونجحت كرجل أعمال وسأنجح بعون الله كسياسي من موقع القيادة.

* كيف تقيمون الوضع الاقتصادي بعد 15 عاما من انتهاء الحرب في البوسنة؟

- المعلومات مقلقة. فالحكومات الجادة لا تربط مصيرها بصندوق النقد الدولي. والحكومة تطلب من الصندوق ملياري يورو بشروط غير جيدة. المبلغ لن يذهب للبناء حتى نقول إنه ستكون له عوائد وإنما للفواتير وأمور غير منتجة. ويبلغ الدين الخارجي 5.2 مليار يورو، بينما يبلغ الدين الداخلي ملياري يورو. وعلينا وضع استراتيجية للتعامل الجاد مع الديون.

* إلى جانب الوضع الاقتصادي، هناك قضايا مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات، مثل قضية العضو الكرواتي في مجلس الرئاسة، والإصلاحات الدستورية، والإعفاء من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي. ما هي رؤيتكم لهذه القضايا وكيفية حلها؟

- نحن كبوشناق مسلمون، ورغم أننا الأغلبية، لا نفكر في تهميش الكروات، فهم مكون من مكونات البوسنة الإثنية، فبعض الكروات يريدون عضوا في مجلس الرئاسة من «التجمع الكرواتي الديمقراطي»، والكنيسة تتهم البوشناق بأنهم من انتخب كرواتيًا من «الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، ليمثل الكروات. وبخصوص الدستور فنحن أكبر الضحايا لهذا الدستور، لقد قاد علي عزت بيغوفيتش، رحمه الله، شعبنا في وقت لم يكن هناك 11 سبتمبر (أيلول)، وكانت هناك 8 دول ضامنة لاتفاقية دايتون. ومع ذلك ليست لدينا حتى الآن استراتيجية كضحايا للحرب ولاتفاقية دايتون. هناك عدة مبادرات دولية (أوروبية وأميركية)، وقد فشلت جميع المحاولات السابقة، ولا بد من الاتفاق على حلول دنيا حتى لا يقال إن البوسنة، دولة فاشلة.

سنطلب من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، مساعدتنا للوصول إلى حل نتفق عليه نحن الطوائف الثلاث البوشناق والصرب والكروات. فالاتحاد الأوروبي لن يفرض حلا، والأفضل أن ننسق مع الولايات المتحدة. كذلك، لا بد من إنقاذ البوسنة اقتصاديا حتى تتمكن من مواجهة مشاكلها الأخرى. ونأمل أن تلغى تأشيرة دخول مواطنينا لدول الاتحاد الأوروبي نهاية العام الجاري. وبحكم علاقاتي الواسعة في المنطقة يمكنني أن أقوم بنفس الدور الذي يقوم به صديقي رئيس مونتينيغرو ميلو دجوكانوفيتش، فقد كنت رئيسه في العمل، فأنا مولود في الجبل الأسود. ودوري هو جلب الاستثمارات لكل مناطق البوسنة. سأقدم كل ما قدمه دجوكانوفيتش للمستثمرين الأجانب على صعيد القوانين وتهيئة البنية التحتية.