حكم موغابي يتقوى باكتشافات ضخمة للأحجار الكريمة

زيمبابوي في طريقها لتصبح واحدة من أكبر 6 دول منتجة للماس في العالم

أحجار كريمة عثر عليها في حقول مارانج في زيمبابوي
TT

أثمرت عمليات منجمية جديدة في زيمبابوي سريعا عن جمع ملايين القراريط من الألماس، وهو ما يساعد هذه الدولة، على الأرجح، على القفز إلى عداد الدول الأكثر إنتاجا للألماس في العالم، حسبما أفاد رئيس مجموعة خبراء تابعين لمشروع مدعوم من الأمم المتحدة يهدف لوقف الاتجار في الألماس المتنازع عليه.

لكن، الكشف عن هذه الثروة الجديدة أثار مخاوف من استخدام الأحجار النفيسة لتقويض محاولات تهدف إلى نشر الديمقراطية في زيمبابوي، التي طالما عانت من الاستبداد، إضافة إلى ظهور مخاوف من استخدام هذه الثروة الجديدة في تمويل نزاعات قائمة.

ويقول الخبير مارك فان بوكستيل: «لا شك أن هذه الأحجار رائعة». ووصف تركيز الألماس في حقول مارانج شرق زيمبابوي بأنه من أعلى التركيزات في العالم، مشيرا إلى أن ذلك «أمر استثنائي». ويوافق خبراء آخرون على أن الكشف عن وجود الألماس أمر مهم، لكنهم ينتظرون توافر معلومات أكثر لتقييم الكمية بالكامل. وشجع التراكم المطرد من الأحجار الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي، 85 عاما، على تعزيز سيطرته على حقول مارانج من أجل تمديد وجوده في السلطة المستمر منذ 30 عاما، حسبما يقول أفراد في الدائرة المحيطة به.

وعلى الرغم من أن موغابي يحكم حاليا في إطار اتفاق غير واضح المعالم لاقتسام السلطة مع منافسيه الدائمين، تشرف على حقول الألماس وزارة يديرها حزبه «الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي - الجبهة الوطنية»، ويحرسها جيش يورد تقاريره إلى موغابي ويعطيه وحلفاءه سيطرة على ركيزة اقتصادية توجد حاجة ملحة لها.

وقال صديق مقرب من موغابي، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه يفترض أن يكون كلامه مع الرئيس سريا: «إنه طوق نجاة للاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي - الجبهة الوطنية». وأشار إلى أن الألماس يُباع في السوق السوداء من أجل تحقيق مكاسب حزبية وشخصية، ويحقق قادة في الحزب مكاسب فيما يُحرم آخرون.

وتواجه إمكانية قيام زيمبابوي ببيع الألماس المستخرج من حقول مارانج في الأسواق العالمية كأحجار لا تشارك في تمويل نزاعات، اختبارا مهما خلال الأسبوع الحالي. وفي اجتماع بدأ يوم الاثنين في تل أبيب، ستنظر «عملية كيمبرلي» (مبادرة من حكومات وقطاع الألماس ومنظمات تهدف لوقف تجارة الألماس غير المشروعة التي تمول حروبا في أنغولا وسيراليون والكونغو)، فيما إذا كان يتعين السماح بتصدير الألماس المستخرج من حقول مارانج. وقد تعهدت أكثر من 70 دولة بعدم التجارة مع دول لا تلبي المعايير التي تضعها «عملية كيمبرلي».

وقد جمع محققون تابعون لـ«عملية كيمبرلي» ومنظمات حقوقية ما يصفونها بتقارير يُعتمد عليها تدل على أن الجيش استخدم أعمال عنف مفرطة في عمليته عام 2008 من أجل السيطرة على حقول مارانج، واستخدم الكلاب ورشاشات «إيه كي-47» وقنابل ألقتها مروحيات. وتقول المنظمات إنه بعد ذلك قام ضباط بتشكيل منظمات تهريب تابعة لهم. ويقول إيان سميلي، صاحب فكرة «عملية كيمبرلي»: «لم يكن أحد يتخيل أن الحكومات ستطلق النار على مواطنيها من أجل السيطرة على الألماس».وعثر على أحجار الألماس في منطقة تبلغ مساحتها 265 ميلا مربعا، ومنها 46 ميلا مربعا يعتقد أن بها تركيزا عاليا لأحجار الألماس. ويقدر فان بوكستيل أن نحو 5% من هذه الأحجار عالية الجودة، فيما كانت قرابة 90% منها ذات جودة منخفضة، وستفيد فقط في أغراض صناعية، مشيرا إلى أنها مثل الحصى أو شظايا زجاجية بنية وخضراء اللون. وقال: «إذا وجد شخص واحدة من هذه في الشارع، ربما لا يلتقطها».

وفي نهاية العام الماضي، بدأت شركتان مع شركة التعدين الحكومية عملية تعدين في امتيازات مارانج، وجمع بالفعل 4.4 مليون قيراط من الألماس بحلول مايو (أيار) الماضي. ويقول فان بوكستيل، وهو عالم جيولوجي، إنه ينتظر التقرير الجيولوجي الذي وعدت زيمبابوي بنشره عن هذه الحقول. لكن اعتمادا على مقابلات مع مسؤولين ومعلومات أخرى، فإن بوكستيل يتوقع أن تدر هذه الحقول عوائد سنوية تقدر ما بين مليار و1.7 مليار دولار، وهو ما سيجعل زيمبابوي واحدة من بين أكبر ست دول منتجة للألماس حول العالم.

وتعتبر هذه الأرقام ضخمة بالنسبة لدولة بلغ إجمالي إنتاجها المحلي في عام 2009، مبلغ 4.4 مليار دولار، طبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وتحتاج زيمبابوي بشدة إلى الأموال لتساعدها على مكافحة الجوع، والمرض، والفقر.

وساورت البعض شكوك عن الحقول بعدما تركت شركة «دي بيرز»، عملاق التعدين، امتيازها في حقل مارانج ينتهي في عام 2006. ولكن أندروا بون، مدير العلاقات الدولية بالشركة، وصف الألماس هناك بأنه «اكتشاف مهم. فهو أكثر مما يتوقع الكثيرون». وأوضح بون أن شركة «دي بيرز» قررت الانسحاب بسبب قلقها من الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، مضيفا: «ربما لم نقم بالمزيد من أعمال البحث بالدرجة التي كنا نستطيع القيام بها».

لكن هناك في القطاع من يتعامل مع هذا الأمر بدرجة أكبر من الجدية. وفي هذا الإطار، أوضح أرنست بلوم، مدير نادي تجار الألماس الجنوب أفريقي، أن هذا المستودع يحتوي على ألماس منخفض الجودة، لكن «بالنظر إلى العدد الهائل من قراريط الألماس الموجودة لكل طن. فإنه يعتبر ضخما».

ومن جانب آخر، تباينت الآراء حول السماح لزيمبابوي ببيع الألماس المستخرج. واعتبر الرئيس موغابي الجهود الهادفة لمنع بلاده من التجارة في الألماس جزءا من مخطط غربي هدفه الإطاحة به. وينفي المسؤولون في حزب موغابي، كل الاتهامات الموجهة للدولة برعاية عنف استهدف العاملين بالمناجم، مؤكدين أن الحكومة التزمت بالمعايير الدولية المطلوبة لتأمين حقول الماس. لكن مجموعات حقوقية، تابعة لـ«عملية كيمبرلي»، تنفي ذلك، وتقول إنه يجب إيقاف زيمبابوي بسبب استمرار انتهاكات حقوق الإنسان بها.

وأسندت «عملية كيمبرلي» إلى أبي تشيكان، وهو رجل أعمال جنوب أفريقي، مهمة مراقبة العمل في حقول مارانج. وأوصى تشيكان هذا الشهر بإجازة الألماس وباستمرار حماية الجيش للحقول حتى تتسلم الشرطة، وهي أيضا تتلقى الأوامر من موغابي، السيطرة على هذه الحقول. وقال تشيكان في تقرير سري، قدمه لـ«عملية كيمبرلي» وأرسله طرف مشارك إلى صحيفة «نيويورك تايمز»: «لقد أظهرت حكومة زيمبابوي التزامها بأدنى حد من المتطلبات».

وتطرح قضية زيمبابوي تحديات أمام «عملية كيمبرلي» نفسها، حيث تتمثل مهمتها في منع التجارة في الألماس الذي يستخدم في تمويل حركات التمرد. لكن في زيمبابوي تتهم عناصر من الحكومة نفسها بممارسة العنف ضد المواطنين الذين تدفقوا على حقول مارانج بحثا عن الألماس عام 2006.

ومن المتوقع أن تستمر هذه النقاشات. وكان من المفترض أن يشارك فاراري ماغيوو، أكثر الناشطين الزيمبابويين حديثا عن قضايا الألماس، في اجتماع تل أبيب، لكن تم اعتقاله في هراري بعد تقديمه معلومات لتشيكان.

وقد أعرب محللون وقادة مدنيون عن خشيتهم من أن تعزز هذه الثروة الجديدة الحكم الاستبدادي في البلاد بدلا من أن تجلب الأمل لشعب زيمبابوي الذي عانى كثيرا. ويحذرون من أن هذه الثروة قد تستخدم لتمويل المحسوبية والقمع اللذين استخدمهما موغابي للحفاظ على بقائه في السلطة، بل قد تصيب الحركة من أجل التغيير الديمقراطي، الشريك الأصغر في الحكومة لتقاسم السلطة، بما أطلق عليه إلدريد مسونوغور، أستاذ علم السياسة بجامعة زيمبابوي، «الفيروس الضار». وحذر مسونوغور من أنه «من غير المحتمل أن يسير قطار الكسب غير المشروع ناحية الديمقراطية».

(شارك في هذا التقرير صحافي من زيمبابوي) (* خدمة «نيويورك تايمز»)