لبنان يصر على عدم الاعتذار للسودان.. ومظاهرات في الخرطوم أمام السفارة اللبنانية

السفير السوداني في بيروت: تبلغنا بالحادثة من خلال الإعلام ولا نقبل بإهانة مواطنينا

متظاهرون سودانيون أمام السفارة اللبنانية في الخرطوم يطالبون لبنان بالاعتذار (إ.ب.أ)
TT

رفض السفير اللبناني في الخرطوم تقديم اعتذار للشعب السوداني أمس إلى حين اكتمال التحقيقات حول اعتداءات تعرض لها سودانيون في بيروت من قبل عناصر أمنية. وجاء ذلك وسط مطالبات متظاهرين أمام السفارة اللبنانية بالخرطوم باعتذار وتعويضات مادية ومعنوية ومحاسبة المتورطين في «الإساءات العنصرية» للسودانيين، في وقت يجري فيه البلدان تحركات مكثفة لاحتواء الأزمة.

وتظاهر ناشطون سودانيون أمس أمام السفارة اللبنانية بالخرطوم وقدموا مذكرة للسفير أحمد الشماط، تطالب باعتذار فوري للشعب السوداني نتيجة لما تعرض له سودانيون مقيمون ببيروت من «اعتداءات» بعد أن اقتحمت مجموعة من عناصر الأمن حفلا خيريا بمنطقة الأوزاعي. وقال السودانيون إن عناصر الأمن ضربت البعض ووجهت إساءات ذات طابع عنصري. وطالبت المذكرة بتقديم المتورطين للمحاكمات وتعويض المتضررين معنويا وماديا. وذكرت مذكرة ثانية لسودانيين في دول أخرى موجهة إلى السلطات اللبنانية «أن هدفنا الأساسي من هذا الخطاب أن ننبهكم أولا إلى ما يستشعره الرأي السوداني قاطبة من غضب كبير تجاه ما جرى لأخواتهم وإخوتهم في أرضكم. وثانيا، ومع الثقة الكبيرة أنكم ترفضون هذا المسلك البغيض الذي بدر عن الحفنة المعزولة من القوات اللبنانية الرسمية، إلا أننا نتوخى منكم بذل الجهود المشتركة لمحاصرة الموضوع ومعالجته كحالة معزولة قبل أن يتحول إلى قضية شاملة قد تكون لها تداعيات غير حميدة لا تعكس رغبة الرأي العام الغالب في السودان ولبنان». وتابعت: «ومن هذا الأمل المعقود على حكمتكم، وتفاديا لأي تداعيات ولو طفيفة ومعزولة»، ودعت إلى توجيه رسالة إلى الشعب السوداني بهذا الخصوص، «فالغضب هنا غضب شعبي لا يمكن علاجه فقط عبر القنوات الحكومية أو الدبلوماسية..».

وحمل المتظاهرون لافتات حملت شعارات مثل «كانت بيروت تطبع والخرطوم تقرأ، أصبحت بيروت تضرب والخرطوم تتوجع». وأخرى تتحدث عن سواد اللون وثالثة تدين الاعتداءات.. ورد السفير اللبناني بالخرطوم أحمد الشماط بأن «لبنان أصغر دولة متوسطة والسودان أكبر دولة أفريقية، لكنهما خمسة خمسة». ووعد بالاعتذار فور اكتمال التحقيقات ومعرفة الأخطاء، وشدد على علاقات البلدين في إشارة إلى أن « لبنان والسودان» متشابهان حتى في الألفاظ.

واستنكر شماط لدى تسلمه المذكرة حادث الاعتداء، ووصف تداعيات الحادث بـ«سحابة صيف» مشيرا إلى أن «السلطات اللبنانية على أعلى مستوياتها تتابع التحقيقات الجارية في هذا الصدد وأن الجاني سيعاقب ليكون عبرة لغيره».

وفي بيروت تفاعلت الأزمة كما في الخرطوم من خلال مسارعة السلطات اللبنانية إلى معالجة ذيول هذه القضية عبر فتح تحقيق رسمي وفوري مع العناصر الأمنية لتحديد المعتدين وإحالتهم إلى القضاء، وإعلان السفير السوداني في لبنان إدريس سليمان أن ما حصل «لا يتعدى الحادث الفردي، ولن يؤثر على العلاقات الوثيقة بين البلدين والشعبين».

ووصف السفير السوداني في مؤتمرٍ صحافي عقده أمس، الحادثة بـ«الغريبة والشاذة، وهي ليست من شيم الشعب اللبناني». وقال: «لقد بحثت هذا الأمر مع وزارة الخارجية اللبنانية ومع المدير العام للأمن العام، وتبلغت إدانتهم الشديدة وتأكيدات بأن السلطات المختصة تجري تحقيقا بما حصل وأن الفاعلين سينالون أشد العقوبات لأن الفعل الذي ارتكب مرفوض ولن يمر من دون محاسبة». وأوضح أنه «من واجب عنصر الأمن العام أن يطبق القانون وأن يسأل أي أجنبي ما إذا كانت لديه إقامة وإذا كان وجوده شرعيا أم لا، ونحن من واجبنا أن نحترم القانون اللبناني ونتقيّد بأحكامه، وهذا ما نطبقه نحن في السودان». وأضاف: «لكن من غير المقبول التعرض لكرامات مواطنينا وإهانتهم وضربهم وشتمهم، وهذا لا يقرّه الأمن العام اللبناني ولا تقبله الحكومة ولا الشعب اللبناني وقد سمعت هذا الكلام من اللواء جزيني بالذات». وأكد أن «العلاقات العميقة والوطيدة بين الشعبين والبلدين لن تؤثر فيها هذه الحادثة، خصوصا وأن الحكومة اللبنانية أدانتها وشجبتها، وقامت بالإجراءات والمعالجة المطلوبين وهذا جلّ ما نريده».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، كشف السفير سليمان أن «المعتدى عليهم لم يبلغوا السفارة (السودانية) بما حصل معهم، وللأسف عرفنا بالحادثة من وسائل الإعلام اللبنانية». وأشار إلى أن «السفارة لن تتقدّم بدعوى شخصية ضدّ العناصر المعتدية طالما أن السلطات اللبنانية تتخذ الإجراءات اللازمة وهي ستبلغنا بالنتائج، لكن إذا أراد الأشخاص المعتدى عليهم أن يتقدّموا بمثل هذه الدعوى فإننا على استعداد لمساعدتهم عبر توكيل محامين لهم ومستشارين قانونيين، خصوصا وأن هؤلاء لديهم إقامة شرعية ولم يخالفوا القانون اللبناني». ودعا إلى «وضع الأمور في نصابها، وعدم السماح للبعض للاصطياد في المياه العكرة ومحاولة الإساءة للعلاقات الأخوية، في ظل وجود آلاف العمال السودانيين على الأراضي اللبنانية، وآلاف المستثمرين اللبنانيين في السودان الذين يوفرون فرص عمل ويساهمون في رفع حالة الاقتصاد السوداني، فضلا عن مئات اللبنانيين الذين يعملون في المصارف والمرافئ وقطاع الاتصالات في السودان».

وردا على سؤال عن مطالبة مواطنين سودانيين بطرد اللبنانيين الموجودين في السودان على خلفية هذه الحادثة، قال: «هؤلاء ليسوا أكثر من شخصين أو ثلاثة ولا تأثير لكلامهم ولا نقبل أن يُمس أي لبناني في السودان، فلا يضللنكم هذا الصوت، ومؤتمرنا الصحافي اليوم ما هو إلا لإسكات هذه الأصوات وإخماد هذه الهوجة». وشدد السفير السوداني على ثلاث نقاط هي قيد البحث مع المسؤولين اللبنانيين وهي: أولا مسألة تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان بما فيها العمالة السودانية، ثانيا مشاكل الدخول والإقامة، وثالثا مسألة اللاجئين السودانيين في لبنان الذين تقع مسؤوليتهم على عاتق المفوضية العليا للاجئين ومكتب اللاجئين». وأضاف: «لكن نحن في الحكومة السودانية نشجع كل مواطن سوداني على العودة إلى وطنه، ونذكره أن كبار قادة المعارضة السودانية الذين كانوا يرفعون السلاح في وجه الحكومة هم موجودون الآن في السودان وشاركوا في الانتخابات ومنهم من فاز بها، وبالتالي لا حاجة للجوء أي مواطن سوداني في الخارج، كما أنه يوجد على الأراضي السودانية اليوم أكثر من مليون لاجئ، وأصبح السودان بلدا جاذبا للعمالة وبالتالي نحن أولى بأبنائنا، وكل سوداني لديه مشكلة مع الحكومة أعلن من الآن براءته ويمكنه العودة إلى أهله وبلده».

وأوضح المدير العام للأمن العام، اللواء وفيق جزيني، أنه استقبل سفير السودان إدريس سليمان، وبحث معه موضوع المداهمة وتوقيف عدد كبير من رعايا دولة السودان، وقال في بيان أصدره أمس: «إن قرار المداهمة الذي اتخذ بسبب إقامة حفل غنائي من دون ترخيص قانوني ولعدم حيازة الحضور المستندات الشرعية»، مشيرا إلى أن «التوقيفات جرت بإشراف النيابة العامة في جبل لبنان وفقا للأصول القانونية المعتمدة، وأن هناك تحقيقا رسميا يجري حاليا مع الضباط والعناصر الذين تولوا التنفيذ للتأكد من عدم وجود مخالفات مسلكية جرت خلال عملية الدهم والتوقيف».

وأشار البيان إلى أن السفير السوداني أكد «إعادة الأمور إلى حجمها بعد أن تمت إثارتها وتضخيمها من قبل بعض وسائل الإعلام، ولا سيما أن رعايا سودانيين أرادوا من خلال تواصلهم مع الإعلام تسهيل قبول طلبات لجوء تقدموا بها إلى المفوضية العليا للاجئين عبر الادعاء بوجود تمييز عنصري وسوء معاملة بحقهم».