بيريس: الصداقة بين إسرائيل والولايات المتحدة باقية.. وهناك محاولات لنزع الشرعية عنا

قال في حديث تنشره «الشرق الأوسط» إن تخفيف الحصار عن غزة جاء بسبب «الشعور بالمسؤولية»

شيمعون بيريس (أ.ب)
TT

نفى الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس أن تكون العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة قد تضررت في الفترة الأخيرة بعد حادثة الاعتداء على باخرة المساعدات التركية، وأكد أن «الصداقة بين إسرائيل والولايات المتحدة باقية». وقال بيريس في مقابلة تنشرها «الشرق الأوسط» إن هناك محاولات لنزع الشرعية عن إسرائيل، مشيرا إلى أن الكتل العربية لها أغلبية داخل الأمم المتحدة «وليس لدينا أي فرصة أمامها». ولكنه أضاف: «لو كانت إسرائيل هي التي ينزعون عنها صفة الشرعية، فعلى من يضفونها؟ إنهم يضفون الشرعية على حزب الله وحماس و(القاعدة)».

ورفض بيريس مقولة إن إسرائيل تتجه نحو عزلة دولية، وقال: «لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح.. إن العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل في أفضل أحوالها على الإطلاق، وكذلك الهند، على سبيل المثال، التي نرتبط معها بعلاقات ممتازة لأنهم عانوا نفس ما نعانيه».

ورأى الرئيس الإسرائيلي أن واقع أن «جهات خارجية تضغط علينا لا تعني بالضرورة أنهم على صواب». وقال إن أوباما كان «منصفا عندما اعترف بخطئه في بعض القضايا، والأمر ذاته ينبغي القيام به من جانبنا أيضا تجاه بعض النقاط التي أخطأنا بشأنها». وأضاف: «لكي نكون أصدقاء لا ينبغي علينا أن نتفق مائة في المائة طوال الوقت حول كل القضايا، ولا أعتقد أن ذلك يمثل مشكلة».

وحول غزة، قال بيريس إن بلاده شعرت بـ«المسؤولية» تجاه فلسطينيي القطاع، وهو ما دفعها إلى اتخاذ قرار تخفيف الحصار عنه. وقال إن إسرائيل لم تشأ أن تمارس «العقاب الجماعي» على فلسطينيي غزة، ولكن عاد واتهم حماس بأنها هي التي دمرت كل شيء في القطاع. وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

* مع استعداد إسرائيل للتخفيف من حدة الحصار البري المفروض على قطاع غزة - على الرغم من استمرار الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في الأسر وبقاء حماس في السلطة - يتساءل كثير من الإسرائيليين حول ما إذا كان الحظر الاقتصادي على مدار السنوات الثلاث الماضية حقق أي نتائج ملموسة. هل حدث ذلك؟

- لقد أرادت إسرائيل أن تقول للشعب الفلسطيني إن الصواريخ التي تطلقها حماس ستعود عليهم بالضرر. لكن مع تحفظين: أولهما أن لا يتحول الحصار إلى عقاب جماعي. ثانيا: أن لا يسفر عن أوضاع غير إنسانية. وعليه، حرصنا على قياس كل شيء، مثل هل تتوافر مياه كافية وإمدادات طبية كافية. لقد اطلعت على تقارير حول الوضع داخل غزة وكانت اللهجة السائدة شديدة السلبية. لكن عندما تنظر إلى الناس، تجد أنهم يرتدون ملابس لائقة، وتجد الأسواق تعج بالحركة، مما يبدو متناقضا. لم يكن من قبيل المصادفة أن القطاع لم يشهد وقوع كارثة إنسانية. لقد شعرنا بالمسؤولية. لكن حماس هي التي دمرت كل شيء، وهذا هو الأمر الذي يجري إغفاله.

* لكن هل عززت القيود التي تفرضها إسرائيل على السلع والإمدادات المدنية أهداف السياسة الإسرائيلية؟

- لا يمكنني الإجابة عن ذلك، ولا أدري حتى إن كان هذا الأمر مهما. لقد كنا نأمل في تحقيق المزيد. وكنا نأمل في أنه بعد خروجنا من هناك (بعد فك الارتباط أحادي الجانب من قبل إسرائيل عام 2005 من قطاع غزة) سنكون قد خرجنا بالفعل. لكن بمجرد رحيلنا عن غزة، لم نتفهم سبب عمليات القصف التي شنوها ضدنا. لقد أصبنا بصدمة كبيرة من رد الفعل. ولا أزال عاجزا عن تفهمه. لو كان حكام غزة سينزعون عنها الصفة العسكرية والإرهابية، لم تكن ستصبح هناك مشكلة. إن مصير الأمر في أيديهم.

* يساور القلق البعض من أن إسرائيل تدخل في مرحلة جديدة من العزلة الدولية، حيث تضررت علاقاتها بتركيا، وتضغط الأمم المتحدة لإجراء تحقيق دولي في الغارة التي شنت على أسطول صغير من السفن في 31 مايو (أيار). كما شاهدنا إجراءات مقاطعة ثقافية. في الوقت ذاته، يشعر بعض الحلفاء الغربيين بالغضب حيال إساءة استخدام إسرائيل المزعوم لجوازات سفر في عمليات التجسس الخاصة بها. هل تخسر إسرائيل أصدقاءها الدوليين؟

- مسألة أن جهات خارجية تضغط علينا لا تعني بالضرورة أنهم على صواب. هناك محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل. إنه أمر يسير للغاية. إن الكتلة العربية لها أغلبية داخل الأمم المتحدة. ولا تتوافر لدينا أي فرصة أمامها. لكني أسأل نفسي السؤال التالي: لو كانت إسرائيل هي التي ينزعون عنها صفة الشرعية، فعلى من يضفونها؟ إنهم يضفون الشرعية على حزب الله وحماس و«القاعدة». إنهم لا يقصدون ذلك، لكن إذا كنت تنزع الشرعية عن محاربة إسرائيل للإرهاب، وهو أمر بالغ التعقيد، فإنه يترتب على ذلك إضفاء الشرعية على الإرهاب.

* ألا ترى في ذلك تبسيطا مفرطا؟ هل انتقاد إسرائيل وممارساتها يكافئ نزع الشرعية عنها؟

- الانتقاد أمر مختلف. لكن عندما تقول «عودوا إلى بولندا. عودوا إلى ألمانيا» (مثلما قالت الصحافية الأميركية هيلين توماس مؤخرا في ملحوظة لاقت انتقادا واسعا) فهذا ليس نقدا. أو عندما تقول ليس لإسرائيل الحق في الوجود، فهذا ليس نقدا.

* كانت تلك ثورة غضب من سيدة. وليس هذا ما يعنيه من يتحدثون عن عزلة إسرائيل.

- ماذا يريدون منا أن نفعل؟ لقد وافقنا على حل الدولتين. ووافقنا على تخفيف حدة الوضع في الضفة الغربية. ونعمل على تخفيف حدة الموقف في غزة. ولا تزال هناك أعمال إرهاب. إن الدول التي يتعين عليها محاربة الإرهاب تدرك حقيقة ما نفعله. أما الدول التي تقرأ عن الأمر فحسب فلا تعي معناه. من الصعب للغاية على شخص يعيش في سويسرا تفهم هذا الأمر. لكنهم في الولايات المتحدة يعون الأمر جيدا. إن لدينا سيرة ذاتية لا يملكها سوانا، فعلى مدار 62 عاما، هوجمنا سبع مرات في محاولات لتدميرنا. فيما يخص عزلة إسرائيل، لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح. إن العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل في أفضل أحوالها على الإطلاق، وكذلك الهند، على سبيل المثال، التي نرتبط معها بعلاقات ممتازة لأنهم عانوا نفس ما نعانيه.

* كانت الولايات المتحدة صديقا أيضا، لكن يبدو أن الرئيس أوباما يحاول وضع معايير جديدة لتلك الصداقة، فأرغم إسرائيل على وقف بناء المستوطنات، ووقع قرارا يدعو إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي على الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية. هل هذا نوع جديد من الصداقة؟

- الصداقة بين إسرائيل والولايات المتحدة باقية، وقد كان الرئيس أوباما منصفا عندما اعترف بخطئه في بعض القضايا. والأمر ذاته ينبغي القيام به من جانبنا أيضا تجاه بعض النقاط التي أخطأنا بشأنها. لكي نكون أصدقاء لا ينبغي علينا أن نتفق 100 في المائة طوال الوقت حول كل القضايا، ولا أعتقد أن ذلك يمثل مشكلة. كل التوتر كان بشأن بناء أو عدم بناء المستوطنات في القدس الشرقية، فقد قال رئيس الوزراء إننا سنبني في أماكن كنا نبني فيها منذ 44 عاما (عندما كانت الضفة الغربية محتلة من قبل إسرائيل بعد حرب عام 1967) وسنوقف البناء في الأماكن التي لم نبن فيها منذ 44 عاما، فهناك 21 حيا فلسطينيا لم يتم البناء فيه حتى الآن، في سلوان، يرغب المحافظ في البناء (حديقة أثرية ومركز تجاري على مساحة يقام عليها 22 منزلا فلسطينيا) لكن رئيس الوزراء طلب من المحافظ في مارس (آذار) التمهل في القرار.

* الولايات المتحدة تعارض المشروع. فهل بناء حديقة في القدس الشرقية يستحق إغضاب صديق إسرائيل الأقوى؟

- يقول العمدة إن تلك هي مسؤوليته، ويعتقد أنه يقوم بالأمر الصائب للعرب، ولكن لكي يقوم بالأمر الصائب بالنسبة للعرب، يجب على العرب أن يدركوا على أنه الأمر الصائب بالنسبة لهم.

السياسة الأميركية تميل بصورة تقليدية إلى أن هناك بعض الأماكن في القدس الشرقية التي لا يجب البناء فيها. لكننا بنينا، وهناك تفاهم على أن يتم تسوية قضية الأماكن المتنازع عليها في اتفاقية السلام. وأعتقد أن علينا أن نتصرف بناء على ذلك، بمعنى أن نواصل البناء في الأماكن التي بنينا فيها بالفعل وأن لا نبني في الأماكن التي لم نقم فيها بذلك. وهناك فاصل واضح، فنحن لم نبن في الأحياء العربية، وهذا هو ما يحدث الآن.

* أثار البعض المخاوف من تقلص مساحة الديمقراطية في إسرائيل، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى افتقار الثقة في المحاكم. حيث يعتقد نصف أطفال المدارس في إسرائيل بضرورة عدم وجود عرب إسرائيل في الكنيست أو الحصول على حقوق متساوية. منتقدو الحكومة أو المعبرون عن وجهة نظر مختلفة أحيانا ما يتعرضون لهجوم شخصي، هل أنت قلق بشأن حالة الديمقراطية؟

- المشكلة هي أنه عندما كنت في حالة حرب، وبعض المواطنين يشعرون بأنهم جزء من جانب واحد وبعض المواطنين يشعرون بأنهم جزء من الطرف الآخر. هناك بعض التوترات في الحالة الديمقراطية، لكن الحقيقة أن العرب في الكنيست يعلنون آراءهم في صراحة أكثر من أي برلمان آخر. ولا تنس أن إسرائيل شعب غير متجانس فقد جئنا من أصقاع الأرض لبناء شعب، وقد ازداد حجمنا عشر مرات، ولذا لم نمتلك بعد التقاليد وأنماط السلوك التي تأتي مع الوقت.

ولا أعتقد أن هناك خطرا (على الديمقراطية). فخلال 62 عاما وسبع حروب لم نؤجل الحرية ليوم واحد، فلم نضع المواطنين في معسكرات اعتقال كما يحدث في بعض الدول الديمقراطية، فحتى الولايات المتحدة وضعت اليابانيين في معسكرات اعتقال خلال حربها مع اليابان.

* بعض الفلسطينيين قالوا عن غزة إنها معسكر اعتقال كبير.

- كيف؟ لقد تركنا غزة ولم نترك فيها جنديا واحدا. فهل سمعت عن معسكر اعتقال يطلق علينا آلاف الصواريخ؟

* التوترات بين المتشددين والعلمانيين في إسرائيل اندلعت من جديد حول الفصل بين الجنسين في مدرسة إيمانويل بأمر من المحكمة العليا. فإلى أين يتجه هذا الصراع الديني العلماني؟ وهل هناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تمزيق المجتمع الإسرائيلي يوما ما؟

- كلا لا أعتقد، فمهما صرح البعض هناك اتفاق أساسي على أن هناك قانونا واحدا لا قانونين في إسرائيل، وهو قانون الدولة. وقانون هالاخا (القانون الديني) تطوعي، لكنه ليس السائد. ثانيا، لا يمكن لأحد فرض الدين على أحد آخر، فيمكنك أن تصبح يهوديا أو متدينا أو علمانيا. المشكلة ليست في العلاقة بين الدولة والدين بل بين الأحزاب الدينية، وهناك يبدأ الخلاف، لكن بالأساس هناك قانون واحد.

* سيوافق بعض المتشددين على أنه لا يوجد سوى قانون واحد فقط، لكنهم يقولون إنه قانون ديني الذي يحكم الدولة.

- إذا أرادوا تعليم أطفالهم بطريقة مختلفة، يستطيعون أن ينشئوا مدرسة خاصة. ولن تدفع الدولة الأموال من أجلها. تنص القوانين القائمة على أن جميع المدارس التي تدعمها الدولة لا تستطيع أن تمارس أي تمييز أو تطبق نظاما منفصلا للتعليم.

* هناك تكهنات متجددة ومفاوضات تقول إن حزب كاديما، الذي يوجد حاليا في المعارضة، قد ينضم إلى الحكومة في تحالف جديد. هل سيحدث ذلك؟

- أعتقد أن ذلك صحيح. عندما يكون لديك وضع صعب، تكون الوحدة علاجا جيدا. لكنها بنية سياسية معقدة للغاية. جرت العادة لسنوات كثيرة في البرلمان على أن الأحزاب الرئيسية تحظى بالأغلبية. هذه هي المرة الأولى التي لا يحظى فيها حزب رئيسي بالأغلبية. عليهم أن يتفاوضوا مع الأحزاب الأصغر. (فيما يتعلق بانضمام حزب كديما إلى التحالف) لا أعتقد أن ذلك سيحدث. أشك في ذلك.

* يقول الناس إن حزب العمل في إسرائيل ميت وإن اليسار، بصفة عامة، يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. هل ذلك صحيح؟

- هذا حكم مبكر. في الدول الأخرى، الاختلاف بين اليسار واليمين هو اختلاف اقتصادي واجتماعي. وفي إسرائيل، كان الخلاف حول «دولتين» (موقف اليسار) أو «دولة واحدة» (موقف اليمين). ما حدث هو أن اليمين تبنى دعوة اليسار (عن طريق المصادقة على إقامة دولة فلسطينية). وهذا أدى إلى إرباك الانقسام. لذا، يشعر اليسار بأنه انتصر من الناحية الآيديولوجية، لكنه لم ينتصر من الناحية السياسية.

* كيف يعمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؟

- أخبرني معلمي، ديفيد بن غوريون، أنه هناك وسيلة واحدة للحكم على أي قائد: عن طريق مشاهدة سجله وما فعله. لدى نتنياهو أمران مهمان على السجل الخاص به. لقد وافق على حل الدولتين، وبالقيام بذلك أنهى آيديولوجية اليمين، وقدم ما يسمى التخفيف الاقتصادي في الضفة الغربية. إن ذلك سجل جيد. لقد منحته الثقة. لقد كنت رئيسا للوزراء مرات كثيرة، لذا أتمكن من معرفة ذلك، وعلى خلاف التصور العام بأن رئيس الوزراء يدير الحقائق، فإن الحقائق هي التي توجه رئيس الوزراء.

* لقد تطور دورك في إسرائيل إلى رجل دولة مخضرم. ما الذي تنظر إليه على أنه مساهمتك اليوم وما هي خطتك السياسية في المستقبل؟

- على مدار 60 عاما تقريبا، كنت في الحكومة كوزير ورئيس للوزراء. والله يعلم. عندما يسألني الشعب فيما قضيت حياتي، أجيب: في مواجهة الخلافات. الخلافات بين الناس، وبين المؤسسات، وبين الأحزاب. يتم إهدار نحو 40 في المائة من طاقة أي رئيس للوزراء في مواجهة الخلافات.

لقد كنت شخصية مثيرة للجدل تقريبا. كان لدي وجهات نظر واضحة، لكنني لم أكن بالضرورة شخصية ساحرة بالنسبة إلى أغلبية الناس. إنهم يتهمونني بأشياء كثيرة. والآن وأنا خارج الحكومة، اكتشفت خيارا لم يكن موجودا من قبل. إنه خيار حسن النية. بالجلوس هنا لمدة ثلاثة أعوام، لم أكن أسمع كلمة لا. لا أحتاج إلى الإدارة. مبدأ الرئاسة ليس إدارة الأمور، لكن تقديم الدعم. اعتدت على أن أكون أكثر شخصية مثيرة للجدل. اليوم، إنني الشخصية الأكثر شعبية. لا أعرف أيهما يجعلني أكثر سعادة. لا أعرف في الحقيقة. أحب المواجهة. لا أعتقد أن القادة ينبغي أن يسترضوا الآخرين، ينبغي لهم أن يمضوا إلى الأمام. القيادة لا تعني الوجود في القمة، لكن تعني الوجود في المقدمة.

* خدمة «غلوبال فيوبوينت» خاص بـ «الشرق الأوسط»