الطريق المسلح من باكستان إلى تايمز سكوير

الهجوم على «المسجد الأحمر» حلقة مهمة في تحول شاه زاد إلى التيار الأصولي

TT

مع طلوع فجر اليوم العاشر من يوليو (تموز) عام 2007، قامت القوات الخاصة الباكستانية باقتحام المسجد الأحمر في إسلام آباد، منهية أزمة طويلة الأمد مع المسلحين في مواجهة خلفت ما يزيد عن 100 قتيل. في واشنطن، أشاد المسؤولون بحصار المسجد باعتباره دليلا مهما على حرص باكستان على مواجهة المسلحين الإسلاميين. لكن فيصل شاه زاد، وهو مهاجر باكستاني يعيش في ولاية كونيتيكت، كان غاضبا. فقد كان يصلى بالمسجد الأحمر خلال زياراته لموطنه. وقد صورت مواقع الإنترنت الخاصة بجماعات مسلحة، التي كان شاه زاده يقوم بزيارتها، حصار المسجد كهجوم وقح على الإسلام قامت به حكومة فاسدة تود إسعاد أميركا. وحسبما كشف مسؤولون بارزون في الاستخبارات الأميركية، وآخرون ممن اطلعوا أو شاهدوا إفادات شاه زاد خلال التحقيق معه، فإن الهجوم على المسجد الأحمر كان حلقة مهمة، وضعته على طريق الانضمام إلى جماعة باكستانية مسلحة قامت بعد ذلك بتدريبه على عمل التفجيرات وتمويل خطته لضرب ميدان تايمز اسكوير الشهر الماضي. وهو ما أكدته مصادر مطلعة على قضية شاه. وقال أحد المصادر: «لقد كان هذا هو الحدث المحفز له». يوم الاثنين، اعترف شاه زاد (30 عاما)، في محكمة فيدرالية في مانهاتن بمحاولة تفجير سيارة مليئة بالمتفجرات في الأول من مايو (أيار) في تايمز اسكوير، مؤكدا للقاضي بأنه يعتبر نفسه «جنديا مسلما». وقدم شاه زاد تفاصيل جديدة عن تدريباته مع حركة طالبان باكستان، مشيرا إلى أنه تدرب لمدة خمسة أيام على تصنيع المتفجرات وأنه قام بترجمة كتيب عن صنع القنابل من اللغة الأردية إلى الإنجليزية. وفي أعقاب فشل محاولته التفجيرية، فإن الحديث العام حول تحوله إلى الراديكالية قد ركز إلى حد بعيد على الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة. ولكن كيف وصل الأمر بهذا الأب الذي يقطن منطقة حضرية ويعمل كمحلل مالي أن ينضم إلى جماعة إرهابية تتحصن في جبال وزيرستان، فهذا أمر ما زال يكتنفه كثير من الغموض. فقد كشفت مقابلات مع مسؤولين أميركيين، وضابط استخبارات باكستاني بارز، وبعض المطلعين على القضية، أن شاه زاد اتصل بالمسلحين في باكستان من خلال سلسلة من الأصدقاء، بدءا من شاهيد حسين (32 عاما)، الذي قابله شاه زاد في منطقة بريدجيبورت بولاية كونيتيكت، حيث كان يدرس الاثنان في كلية لإدارة الأعمال. وفي إسلام آباد، شرع الاثنان ومعهما رجل ثالث هو محمد شعيب موغال، في الانضمام إلى جماعة مسلحة أوائل عام 2008 عبر شخص على صلة بالمسجد الأحمر. وكما كشفت هذه المقابلات فإن حركة طالبان رفضت في البداية انضمام شاه زاد إليها لأنها كانت تشك في كونه جاسوسا. ولكنها قبلت موغال الذي استطاع إقناع المسؤولين في الحركة بقبول شاه زاد. وبحسب المسؤولين، فإن شاه زاد قد التقى زعيم حركة طالبان حكيم الله محسود في مقابلة قصيرة خلال فترة تدريبه في باكستان. بعد ذلك عاد شاه زاد إلى الولايات المتحدة هذا العام واستمر في الاتصال بالجماعة المسلحة عبر موغال. وقد ألقي القبض على كل من موغال وحسين في باكستان. وقد رفض محامي شاه زاد، فيليب إل. وينستاين، المعين من قبل المحكمة، التعليق على هذه المعلومات. خلال الأعوام التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، بدا أن إيمان شاه زاد بالدعاية التي يقوم بها الجهاديون كان يزداد مع زيادة ضغوط الحياة في كونيتيكت، حيث اشترى منزلا وعمل لمكتب تسويق مالي، وكانت تزداد عليه الضغوط من وقت لآخر كي يوفر الدعم لأسرته الناشئة. لكن المقابلات مع المسؤولين الأميركيين تشير إلى أن زيارات شاه زاد إلى باكستان والصداقات التي أقامها هناك كانت بالغة الأهمية في تحوله إلى العمل المسلح. وفي هذا السياق قال مسؤول بالإدارة الأميركية، الذي تحدث كغيره شريطة عدم الإفصاح عن هويته لأن القضية ما زالت قيد التحقيق، أن شاه زاد بدلا من أن يجد «الشرعية» مع أسرته وبيئة العمل الخاصة به، وجدها مع «حفنة من إخوانه المتشابهين معه في الفكر».

ويرى مسؤولون أميركيون أن شاه زاد ينتمي لنمط يوجد بين الشبان المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وانضموا إلى جماعات مسلحة خلال العام الماضي. ففي تناقض مع سابقيهم - قادة الجهاديين في عصر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الذين غلفوا حركتهم بمصطلحات دينية - فإن شاه زاد ومن معه من المجندين مؤخرا يحملون صفة «جنود المشاة» المندفعين انطلاقا من الروابط الشخصية والإحساس بالواجب تجاه الأمة أكثر من الخطاب الديني.

ويؤكد ذلك مسؤول بارز في الإدارة الأميركية قائلا: «إنهم مرتبطون بعلاقة أكبر من القرابة مع غيرهم من المسلمين». ويستطرد المسؤول قائلا إن شاه زاد يبدو مدفوعا بشعور بالواجب تجاه إخوانه المسلمين وبولائه لأصدقائه الذين تدرب معهم في وزيرستان. يوم الاثنين، اعترف شاه زاد أمام المحكمة بعقد «اتفاق» مع حركة طالبان باكستان على مهاجمة الولايات المتحدة. وقد توجه شاه زاد إلى القاضي قائلا: «سنظل نهاجم الولايات المتحدة حتى تسحب قواتها من العراق وأفغانستان، وتوقفوا الضربات الجوية التي تقوم بها طائراتكم العاملة من دون طيار في باكستان واليمن والصومال وتوقفوا قتل المسلمين وأنا أقر بالمسؤولية عن ذلك». وصل شاه زاد، الذي تربى كابن مميز لضابط بارز في الجيش الباكستاني، إلى مدينة بريدجيبورت حيث التحق بجامعتها. وفي الجامعة التقى حسين، طالب إدارة الأعمال الذي تربي في إسلام آباد وابن الموظف الحكومي. وقد كان حسين طالبا نابغا «أرد التميز في الحياة»، وذلك كما وصفه أخوه في مقابلة. لفترة من الزمن يبدو أن حسين شارك شاه زاد السكن في منطقة نورواك، بولاية كونيتيكت، حيث كان حسين يعمل محاسبا بشركة «دي إتش إل». ويشير أحد المطلعين على القضية أن شاه زاد أدهش أقرانه بحبه للدعابة وطموحه المهني. لكن في عام 2004 بدأت الأمور في التغير، فقد بدأ الفكر الجهادي يستهوي شاه زاد، الذي كان يعارض بشدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فبدأ يستمع إلى خطب الإمام الأميركي المولد أنور العولقي والإمام الجامايكي عبد الله الفيصل. وبدأ شاه زاد بعد ذلك في إرسال رسائل تحريضية إلى أصدقائه عبر البريد الإلكتروني، وقد حصلت الصحيفة على نسخ من هذه الرسائل (نص أحد هذه الرسائل شبيه بمقال نشر في نفس الشهر، بتوقيع شخص آخر، على موقع جهادي تم إيقافه الآن).

* خدمة «نيويورك تايمز»