رحيل محمد مزالي رئيس وزراء تونس الأسبق عن 85 عاما

المثقف الذي وقعت في عهده «ثورة الخبز»

محمد مزالي (أ.ف.ب)
TT

توفي محمد مزالي، رئيس وزراء تونس الأسبق، أول من أمس في إحدى مصحات باريس، عن سن تناهز الـ85 عاما، بعد صراع مرير مع المرض نقل على أثره للتداوي في فرنسا على نفقة الدولة التونسية. وتولى مزالي رئاسة الوزارة من سنة 1980 إلى 1986، وعرفت فترة توليه إياها الكثير من التقلبات السياسية والاجتماعية لعل أهمها وأخطرها على الإطلاق ما بات يعرف لدى التونسيين بـ«ثورة الخبز»، التي حدثت في شهر يناير ( كانون الثاني) 1984، على أثر اتخاذ رئيس الوزراء آنذاك قرارا بمضاعفة أسعار الخبز من 80 مليما تونسيا إلى 160 مليما دفعة واحدة، وهو ما نتج عنه اندلاع انتفاضة اجتماعية هي الأعنف في تاريخ الدولة التونسية، منذ تسلم الرئيس الحبيب بورقيبة مقاليد الحكم سنة 1956.

واستعمل مزالي سياسة «فرق تسد» للحد من سلطة التيارات السياسية والاتحاد التونسي للشغل (المنظمة العمالية)، باعتباره من أهم القوى الاجتماعية المؤثرة في الحياة السياسية، وعمل على بعث اتحاد نقابي مواز عرف لدى النقابيين التونسيين باتحاد «الشرفاء»، وأعطى تبعا لذلك للتيار الإسلامي الكثير من الحرية في التحرك، وذلك في محاولة منه للتقليص من اندفاع القوى اليسارية، إلا أن الحركات الإسلامية أصبحت بعد ذلك قوة سياسية واجتماعية تنظر بشهية مفرطة للقبض على زمام الحكم، وهو ما أعطى الصراع على خلافة الرئيس بورقيبة أبعادا إضافية بعد استفحال مرضه. وعرف مزالي بخطبه الرنانة والفصيحة، والمطولة كذلك، والتي استعمل فيها بعض العبارات التي لا تزال مستعملة في عالم السياسة إلى اليوم، على غرار وصفه للمشاغبين والمشاركين في المسيرات الاحتجاجية المختلفة بـ«الشرذمة الضالة». وحوكم مزالي غيابيا بتهم الفساد، وسوء التصرف، وهي تهم قال عنها إنها ملفقة.

وما زالت الصورة الكاريكاتورية التي تصور مزالي، ورئيس الوزراء الجديد الذي خلفه، رشيد صفر، عالقة في أذهان من عايشوا تلك الفترة، إذ بدا وزير يحمل كيسا فارغا، وآخر يحمل كيسا ممتلئا بالأموال، في دلالة على سوء التصرف في الأموال العمومية. لكن مزالي استطاع الفرار إلى الجزائر قبل صدور الحكم، ومنها نحو أوروبا ولم يعد إلى تونس إلا سنة 2002 بعد تسوية وضعيته أمام القضاء، وإسقاط الدعاوى القضائية المرفوعة ضده منذ خروجه خلسة من تونس سنة 1986، والتزامه بعدم الرجوع إلى عالم السياسة.

ويذكر التاريخ للرجل تقلبه في مجموعة من المناصب السياسية والأدبية والرياضية، بدءا من رئاسة اتحاد الكتاب التونسيين، ومنصب رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم، ونائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، التي تمتع بعضويتها مدى الحياة، وصولا إلى عدة وزارات من بينها وزارة الدفاع ووزارة الشباب والرياضة والتربية والصحة العمومية. ولعل التكتلات السياسية التي رافقت فترة توليه لرئاسة الوزارة، وظهور مطامع جماعية في الانقضاض على الحكم في ظل ما بات يعرف بخلافة «الرجل المريض»، هي التي ربما لم تعط لمزالي الفرصة الكافية لتطبيق مجمل أفكاره السياسية والاجتماعية.

ولد مزالي بمدينة المنستير، مسقط رأس الرئيس بورقيبة، في 23 ديسمبر (كانون الأول) 1925، وتخصص في مادة الفلسفة التي درسها بمعهد الصادقي بتونس العاصمة، وهو مثقف المعي أصدر منذ سنة 1955 مجلة «الفكر»، التي استمرت في الصدور إلى سنة 1986، تاريخ عزله من منصب رئيس الوزراء، وهي المجلة التي دافع من خلالها عن بعض المبادئ المتعلقة بالأصالة والتعريب.