بترايوس «الجندي المثقف» سينقل تجربة العراق إلى أفغانستان

أشد تحد سيواجهه هو توحيد فريق منقسم من المسؤولين البارزين في إدارة أوباما

TT

الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس ابن مهاجر هولندي من مواليد السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1952، وهو يعتبر «جنديا مثقفا» يصفه المعجبون به بأنه «في غاية الذكاء» فيما ينعته الآخرون بـ«الغطرسة»، غير أن الكل يجمع على احترامه.

وقبل تولي مهامه في العراق لخص بترايوس إستراتيجيته قائلا: «ينبغي العيش وسط» الشعوب.

وهذا المظلي المتحدر من ولاية نيويورك والذي يحمل دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برينستون العريقة (1987) هو صاحب خبرة قتالية ميدانية متينة لا غبار عليها.

وفي عام 2003 كان مسؤولا عن القوات الأميركية في شمال العراق وقائدا للفرقة المجوقلة الـ101. وأشرف بعد ذلك حتى 2005 على عملية إعادة بناء الجيش العراقي.

ولدى عودته من العراق عمد إلى إعادة كتابة دليل مكافحة التمرد، وهو وثيقة مرجعية للجيش وقوات المارينز في مكافحة المتمردين ومصدر إلهام للإستراتيجية الجديدة في العراق.

وقد اتبع الرئيس السابق جورج بوش نصائحه جزئيا عندما قرر إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى العراق. وفي أواخر يناير (كانون الثاني) 2007 صادق مجلس الشيوخ على تعيينه على رأس قيادة القوات المتعددة الجنسية.

وسعى في هذا المنصب إلى تطبيق فلسفته التي نضجت بعدما طورها في أطروحته حول الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في فيتنام. وقال بترايوس الذي يهوى الاستشهاد بالفيلسوف الروماني سينيك أمام جنوده، أن «عمليات مكافحة التمرد هي حرب تخاض على مستوى جامعي. إنها حرب رجل يفكر».

وقد نجح بترايوس المولع بممارسة الرياضة والذي نجا مرتين من الموت – اصيب بالرصاص بشكل عرضي وبحادث هبوط بالمظلة - في خفض وتيرة العنف في العراق اعتبارا من خريف 2007 بفضل خطة قامت على زيادة عديد القوات ومشاركة أكبر للمسؤولين العراقيين في المحافظات والميليشيات السنية التي انخرطت في محاربة «القاعدة» ضمن مجالس «الصحوات».

وتشارك فرنسا في قوات التحالف الدولية التي تتصدى لطالبان عبر نحو 3750 جنديا في مسرح العمليات الأفغاني.

وبصفته قائدا للقيادة الأميركية الوسطى، كان بترايوس أحد المهندسين الأساسيين لاستراتيجية زيادة القوات في أفغانستان والتي أقرها الرئيس العام الماضي، فضلا عن أنه معروف جيدا سواء في أوروبا أم في إسلام آباد وكابل.

من جهتها توعدت حركة طالبان وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية بأن تواصل القتال أيا كان قائد القوات الدولية في هذا البلد.

وقال المتحدث باسم طالبان يوسف أحمدي في اتصال هاتفي من مكان مجهول: «لا يهمنا من هو القائد، أكان ماكريستال أم بترايوس. موقفنا واضح. سوف نقاتل المحتلين حتى رحيلهم».

وقال تقرير لـ«نيويورك تايمز» أمس إنه يجري استدعاء الجنرال بترايوس إلى أفغانستان في لحظة مشابهة للحظة التي واجهها قبل ثلاثة أعوام في العراق، عندما بدا الوضع ميئوسا منه بالنسبة إلى عدد متنام من الأميركيين وإلى ممثليهم المنتخبين كذلك.

لكن هناك اختلافا مهما: في العراق، جرى استدعاء الجنرال بترايوس لتغيير استراتيجية فاشلة وضعها في حيز التنفيذ قادة عسكريون سابقون. أما في أفغانستان، فإن الجنرال بترايوس كان له دور فعال في تطوير وتنفيذ الاستراتيجية بالشراكة مع الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي نفذها على أرض الواقع. والآن، سيكون الجنرال بترايوس مسؤولا بصورة مباشرة عن نجاحها أو إخفاقها، مما يجعله يخاطر بالسمعة التي بناها في العراق.

ويحضر الجنرال بترايوس، 57 عاما، إلى وظيفته الجديدة مجموعة غير عادية من المهارات: سحر أحد أعضاء الكشافة، والذكاء الخارق والإرادة القوية لتحقيق النجاح. ومن المحتمل أن يميز هذا المفاوض الماهر والمتحدث المناسب أمام الصحافة والرأي العام نفسه عن سلفه عن طريق مهاراته السياسية التي ساعدته على اجتياز أصعب شهور في مكافحة العمليات المسلحة في العراق، التي كانت تعرف باسم زيادة عدد القوات.

وفي مثل هذه الأشهر عام 2007، عندما كانت معدلات الضحايا بين الأميركيين هي الأعلى خلال الحرب، لم يقم الجنرال بترايوس فحسب بمواصلة الاستراتيجية، بل قام أيضا بطمأنة رؤسائه، بما فيهم الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، في مؤتمرات الفيديو التي كانت تعقد من العراق.

بيد أن أفغانستان حرب مختلفة للغاية في دولة مختلفة تماما. ففي حين تعد العراق دولة حضرية غنية بالنفط ويوجد بها طبقة وسطى متعلمة، فإن أفغانستان دولة ممزقة، وتم تدمير النسيج الاجتماعي والبنية التحتية المادية بها عبر ثلاثة عقود من الحروب. وفي العراق، كانت أعمال التمرد في المدن؛ لكنها في أفغانستان منتشرة في جميع أنحاء المناطق الجبلية والصحراء الوعرة.

وفي الواقع، لكي يحقق الانتصار في أفغانستان، سيحتاج الجنرال بترايوس إلى توظيف جميع مهاراته وإلى جرعة كبيرة من حسن الحظ لا تقل عن تلك التي تلقاها في العراق. وفي هذا الوقت، تعد جميع سمات الحرب في أفغانستان سيئة: فقد قوبلت حملة الجيش في مدينة قندهار الاستراتيجية بمقاومة واسعة النطاق من جانب الشعب الأفغاني؛ ويثبت الرئيس حميد كرزاي أنه شخص غريب الأطوار ولا يمكن التنبؤ بأفعاله؛ وتقاوم حركة طالبان بشراسة وعناد أكثر من أي وقت مضى.

ولتحويل دفة الأمور، من شبه المؤكد أن الجنرال بترايوس سيواصل استراتيجية مكافحة التمرد التي وضعها مع الجنرال ماكريستال: حماية المواطنين الأفغان، وفصلهم عن المتمردين، وكسب التأييد الشعبي. لكن سيتعين عليه أيضا إقناع قواته، الذين يشعرون بالغضب المتزايد بشأن القيود المفروضة على استخدام القوة النارية من أجل حماية المدنيين.

ومن المحتمل أن بترايوس سيحاول كذلك توظيف جزء من نفس التكتيكات الجديدة التي حققت نجاحا باهرا في العراق. والأبرز بين هذه التكتيكات هو أنه سيمضي قدما في إقناع مقاتلي طالبان بالابتعاد عن أعمال التمرد عن طريق الوعود بالوظائف والأمن. بل وقد يحاول إبرام الصفقات مع كبار زعماء طالبان والجيش والمخابرات في باكستان.

وقال أحد المساعدين السابقين للجنرال بترايوس في العراق، والذي يعمل الآن في أفغانستان، «تتلخص السياسة في جعل الجميع يشعرون بمزيد من الأمان، والتصالح بين الأفراد المستعدين لذلك، وقتل الأفراد الذين تحتاج إلى قتلهم».

وأشد تحد سيواجهه الجنرال بترايوس هو توحيد فريق منقسم من المسؤولين البارزين في إدارة أوباما، الذين يتبنون وجهات نظر مختلفة تماما حول كيفية إدارة الحرب في أفغانستان. وبصفته رئيس القيادة المركزية للولايات المتحدة، التي تشرف على جميع القوات العسكرية في الشرق الأوسط، أنشأ الجنرال بترايوس علاقة وثيقة مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وكذلك مع المبعوث الخاص إلى المنطقة ريتشارد هولبروك.

وفي حين كان سلفه الجنرال ماكريستال على خلاف حاد مع السفير الأميركي في أفغانستان كارل ايكنبيري، أنشأ الجنرال بترايوس علاقة وثيقة مع نظيره المدني أثناء الحرب العراقية، السفير ريان كروكر. كما أن الجنرال بترايوس والسفير ايكنبيري، الذي كان جنرالا سابقا، كانا رفقاء في الجيش سابقا.

والنقطة الوحيدة غير المؤكدة في النخبة السياسية للجنرال بترايوس هي أهم نقطة، الرئيس أوباما. فقد تجاوز الجنرال بترايوس قيادته العليا ليصبح الجنرال المفضل لدى الرئيس بوش. وقد أوضح أوباما أن بترايوس لن يكون له خط مباشر إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وبالتالي، يشغل الجنرال مكانة أقل.

ومع ذلك، فيما يتعلق بجميع حنكته السياسية، يكره الجنرال بترايوس الشد والجذب في واشنطن. وبلغ امتعاضه ذروته في سبتمبر (أيلول) عام 2007، عندما تم استدعائه هو والسفير كروكر، أثناء زيادة القوات في العراق، للإدلاء بالشهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. ولم يكن العنف قد انخفض بصورة كبيرة بعد، وتم استجوب الرجلين بلا هوادة. وتناول الجنرال بترايوس، الذي يعاني من آلام في الظهر، المسكنات أثناء جلسة الاستماع. وصرح لأحد الصحافيين بعد ذلك: «أتعس تجربة في حياتي».

ويفتخر الجنرال بترايوس بقوته الرياضية. فعندما كان في العراق، كان يجري في العادة خمسة أميال لمدة ستة أيام كل أسبوع، وكان في الغالب يتفوق على الضباط الأصغر سنا. وفي العادة بعد الجري، تأتي التمارين الرياضية الشاقة. وعلى الرغم من ذلك، أثيرت تساؤلات في الآونة الأخيرة حول صحته. وفي العام الماضي، خضع للعلاج جراء إصابته بسرطان البروستاتا؛ وقال إنه الآن تعافى. وفي الأسبوع الماضي، أثناء الإدلاء بالشهادة أمام إحدى اللجان بمجلس الشيوخ، أصيب بترايوس بالإغماء على المقعد الذي كان يجلس عليه. وقال إنه أصيب بالجفاف.