36 ساعة محمومة أظهرت تروي أوباما وميله للحسم في النهاية

مناقشات عاصفة داخل الإدارة قبل إعفاء ماكريستال.. وغيتس حاول الدفاع عنه

TT

عندما استيقظ من نومه صباح يوم الأربعاء، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد اتخذ قراره. وخلال 36 ساعة محمومة منذ تسلم نسخة من مقال العدد الجديد من مجلة «رولنغ ستون»، الذي حمل عنوان «الجنرال الشارد»، قام الرئيس بتقييم النتائج التي سيخلفها رحيل الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي أثارت تعليقاته المليئة بالازدراء تجاه كبار مسؤولي الإدارة عاصفة نارية. ويقول مساعدو أوباما، إنه تشاور مع مساعديه، الذين حذر بعضهم مثل وزير الدفاع روبرت غيتس، من مغبة مخاطر استبدال ماكريستال في هذا التوقيت، وآخرين مثل مستشاريه السياسيين الذين اعتقدوا بضرورة رحيله. ثم اتصل بالعسكري السابق كولين باول (رئيس الأركان ووزير الخارجية الأسبق) طالبا النصيحة. وفي النهاية قام بتسمية المرشح الجديد لقيادة الحرب في أفغانستان. أنهى الرئيس قيادة ماكريستال للحرب في أفغانستان في اجتماع استمر 20 دقيقة فقط. وبحسب أحد المساعدين فقد اعتذر الجنرال وقدم استقالته ولم يحاول استجداء الدعم للبقاء في منصبه. وقال رام إيمانويل كبير موظفي البيت الأبيض وهو لاعب رئيسي في المناقشات: «بعد مناقشات عاصفة بين مسؤولي البيت الأبيض تم عقد اجتماع رئيسي ضم كبار مسؤولي الإدارة، واتفقوا على أن ما حدث ليس في صالح الجيش وقيم الولايات المتحدة». جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يقيل فيها أوباما أحد كبار مسؤوليه، فقد سبق ماكريستال، إقالة مدير وكالة الاستخبارات الوطنية دنيس بلير، ومستشار البيت الأبيض جورجي كريغ، وحتى الجنرال ديفيد ماكيرنان سلف الجنرال ماكريستال. لكن ماكريستال أرفع شخصية تقال في فترة رئاسته، وتعطي الفترة بين قراءة الرئيس أوباما للمقال وقبوله استقالة الجنرال ماكريستال قراءة هامة لعملية صنع القرار من جانب الرئيس في ظل التوتر الشديد. إذ أظهرت ترويه وانفتاحه في المناقشات، لكنه في النهاية كان حاسما إلى حد بعيد. وفي لقاء تال مع مجلس حرب أفغانستان في البيت الأبيض، انتقد الرئيس أوباما كبار قادته وطالبهم بالتوقف عن المشاحنات فيما بينهم. بدأت أحداث هذه الرواية بعد ظهيرة يوم الاثنين عندما تلقى جوزيف بايدن نائب الرئيس، خلال رحلة جوية من ولاية إلينوي إلى قاعدة أندروز الجوية، اتصالا هاتفيا من الجنرال ماكريستال. كان الاتصال الهاتفي مشوشا، فقد كان الجنرال يجريه من هاتف لاسلكي للجيش، واستمرت المحادثة قرابة الدقيقتين. وأخبر الجنرال ماكريستال بايدن بأن هناك مقالا سيصدر لن يحبه، الأمر الذي أربك بايدن وطلب من مساعديه تحري الأمر، وعندما هبطت الطائرة سلمه مساعدوه المقال. بعد قراءة المقال في مقر إقامته في واشنطن اتصل بايدن بالرئيس أوباما في السابعة والنصف من ذلك المساء. لكن المقال كان قد وصل قبل ساعات من اتصال بايدن إلى البيت الأبيض، عندما قام مساعد صحافي شاب يدعى تومي فيتور بتوزيع نسخ على كبار المسؤولين في دائرة الأمن القومي بالبيت الأبيض. ومرر روبرت غيبس السكرتير الصحافي نسخة للرئيس في المربع الخاص. وبعد قراءة المقاطع الأولى من المقال ـ السخرية والكلام البذيء في وصف اشمئزاز الجنرال في حضور العشاء مع الوزير الفرنسي ليطلعه على أنباء الحرب - وهو ما جعله يطلب من مساعديه السياسيين ومستشاري الأمن القومي الاجتماع على الفور في المكتب البيضاوي. وقال مسؤول آخر بالإدارة، كان من الواضح في حينها أن الجنرال ماكريستال لن ينجو بفعلته. وأن الرئيس كان يميل إلى إقالته على الرغم من أنه قال إن الرئيس كان راغبا في الانتظار.

وخلال الاجتماع في المكتب البيضاوي طلب الرئيس أوباما استدعاء الجنرال ماكريستال من كابل، وقبل مغادرته كابل عقد الجنرال الاجتماع المقرر سلفا مع سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة التي كانت في زيارة إلى أفغانستان. وفي اجتماع مباشر طلب روبرت غيتس وزير الدفاع الذي ضغط من أجل تعيين ماكريستال قائدا عاما للقوات في أفغانستان، من الرئيس أوباما الاستماع إليه. وحذر من تبعات إقالة الجنرال وأبدى قلقا خاصا بشأن «الاستمرارية والزخم والتواصل مع الحلفاء»، على حسب قول أحد المسؤولين الذي حضر هذه الاجتماعات. وعلى الرغم من محاولات روبرت غيتس الدفاع عن الجنرال ماكريستال، فإن البنتاغون بدأ في وضع لائحة بأسماء الأشخاص المرشحين لخلافته. وفي الحال تم التوجه صوب الجنرال ديفيد بترايوس ـ مهندس استراتيجية مكافحة التمرد والقائد المحنك سياسيا والبديل القادر على التعاطي مع مخاوف غيتس. وكان الجنرال حاضرا، ففي ذلك اليوم كان الجنرال قد سافر إلى موقع سري في ولاية فرجينيا الشمالية لعقد اجتماع مع المجلس التنفيذي لمكافحة الإرهاب، والمؤلف من مجموعة من ضباط وكالة الاستخبارات والقوات المسلحة الذين يجتمعون بصورة دورية لمناقشة العمليات. ولم تعرض على بترايوس الوظيفة حتى دخل إلى البيت الأبيض يوم الأربعاء بعد اجتماع الرئيس مع الجنرال ماكريستال. يوم الثلاثاء، وبينما الجنرال لا يزال في الطريق إلى البيت الأبيض في رحلة تستغرق 14 ساعة، دخلت الإدارة في مناقشات عاصفة بشأن تحديد مصيره. وأشار مساعدو الرئيس إلى حضور أربع شخصيات نافذة إلى جوار روبرت غيتس هم جو بايدن نائب الرئيس والجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي ومايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة ورام إيمانويل. وأشار مسؤول الإدارة إلى أن رأي إيمانويل والأربعة الآخرين كان متأرجحا، لكن الرئيس كان يميل إلى إقالة الجنرال، لكنه استمع إلى النقاشات. وعبر المسؤولون عن أملهم في أن يتقدم الجنرال باستقالته.

في هذه الليلة كان الجنرال ماكريستال مشغولا بإجراء عدد من المكالمات التليفونية للاعتذار للأفراد الذين سخر منهم في المقال، وكان من بين الذين اتصل بهم جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وقال كيري في مقابلة مشيرا إلى أن الجنرال ماكريستال لم يحاول الاعتذار للاحتفاظ بمنصبه: «كان يتسم بالاحترام واعتذر، وأعتقد أنه أدرك أنه أخطأ وأنه لم يكن يقدم مبررات، فقد كان مباشرا وصريحا». دافع عن الجنرال بعض الشخصيات البارزة؛ منهم الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، لكن الرئيس أوباما اتخذ القرار في نهاية الأمر برحيل الجنرال. وبعد الاجتماع مع الجنرال ماكريستال عقد الرئيس اجتماعا آخر مع الجنرال ديفيد بترايوس استمر نحو 40 دقيقة، ثم تبعها بجلسة أطول مع مجلس الحرب، ثم دخل إلى روز غاردن لتبرير قراره إلى الشعب الأميركي. وقال إيمانويل: «الرئيس يحب ماكريستال، ويعتقد أنه شخص صالح وجنرال جيد وجندي جيد أيضا، لكن الأمر كما قال في خطابه، أكبر من أي شخص.

* شارك في الإعداد لهذا التقرير ديفيد وجاكي كالمز وتوم شانكر وهيلين كوبر من واشنطن وآليسا روبين من كابل.

* خدمة «نيويورك تايمز»