فرنسا: إضرابات ضد خطة التقشف.. وجدل حول ولاء لاعبي المنتخب

انتقادات لعدم مشاركة عدد من لاعبي المنتخب الوطني للكرة في إنشاد النشيد الوطني

فرنسيون يتظاهرون احتجاجا على سياسة التقشف ورفضا لخطة الحكومة لإصلاح نظام التقاعد (إ.ب.أ)
TT

تتراكم الغيوم في سماء قصر الإليزيه في باريس بحيث يبدو شهر يونيو (حزيران) كأحد أسوأ ما عرفه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ وصوله إلى الرئاسة قبل ثلاثة أعوام وشهر واحد. فالفرنسيون نزلوا أمس إلى الشوارع بعشرات الآلاف احتجاجا على سياسة التقشف ورفضا لخطة الحكومة لإصلاح نظام التقاعد. وقامت في العاصمة باريس والمدن الرئيسية والمتوسطة مسيرات ومظاهرات وتجمعات تجاوز عددها المئتين، بينما أصيب القطاع العام بعد الخاص بالشلل بسبب الإضراب العام الذي دعت إليه الأكثرية الساحقة من النقابات، بحيث تضرر قطاع النقل والوظائف العمومية والتعليم والصحة والاتصالات والمطارات والبلديات والبنوك والإعلام العام.

وما يزيد من هشاشة الوضع أن الرئاسة والحكومة على السواء تعانيان من انفكاك الجمهور الفرنسي، بما في ذلك الناخبون من اليمين، عنهما وفق ما تظهره آخر استطلاعات الرأي. فالرئيس ساركوزي مستمر في التراجع بحيث لا تزيد شعبيته عن الثلث بينما تكبر صفوف الناقمين. وكذلك حال الحكومة.

وشهد يونيو ولادة حزب «فرنسا المتضامنة» الذي أطلقه خصم ساركوزي اللدود وهو رئيس الحكومة السابق دومينيك دو فيلبان، الذي لم يخفِ طموحه الأساسي وهو منافسة ساركوزي في عام 2012 على رئاسة الجمهورية. ورغم أن استطلاعات الرأي تعطي دو فيلبان أقل من 10 في المائة من الأصوات في مواجهة ساركوزي، فإن تشتت الأصوات في معسكر اليمين يمكن أن يصيب الرئيس الحالي في مقتل، إذ إن الوهن الذي أصاب موقعه شجع على بروز منافسين، منهم وزير الدفاع الحالي هيرفيه موران الذي لا يتردد في تأكيد أنه يحق لحزب الوسط الذي يرأسه أن يكون له مرشح في الربيع ما بعد القادم.

ولم تكف ساركوزي الأزمة الاقتصادية وارتفاع البطالة وبطء معاودة النمو الاقتصادي واضطراره إلى اتباع سياسة تقشفية بغرض خفض المديونية العامة وتحقيق التوازن بين واردات الميزانية والإنفاق، فجاءت «فضائح» الأيام الأخيرة لتزيد الطين بلة. وأفدحها ما طال وزير العمل الحالي، وزير الميزانية السابق اريك وورث الذي لا يمر يوم إلا ويحمل جديدا بخصوصه. وانطلقت فضيحته عندما نشرت صحيفة «لوموند» مضمون تسجيلات أجريت في منزل ليليان بتنكور، إحدى أغنى أغنياء فرنسا ووريثة شركة «لوريال» للمنتجات التجميلية (تقدر ثروتها بـ16 مليار يورو). وقد علم الفرنسيون أن زوجة وورث تعمل في إدارة ثروة السيدة بتنكور منذ عام 2007، أي منذ وصول زوجها إلى الحكومة. والاتهامات أن بتنكور «هربت» أموالا إلى حسابات في سويسرا، كما أنها اشترت جزيرة في الكاراييب لم تعلن عنها لمصلحة الضرائب ووزعت مئات الآلاف من اليوروات على الشخصيات والأحزاب الفرنسية، خصوصا اليمينية. علما بأن الوزير وورث نفسه هو أمين صندوق حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم.

وتجدر الإشارة إلى أن الوزير الحالي علق على صدر مدير أعمال السيدة بتنكور، أي الرئيس المباشر لزوجته، وسام جوقة الشرف. وإزاء «الخلط» بين المصالح الخاصة ومصلحة الدولة، ارتفعت أصوات من اليسار لمطالبة وورث بالاستقالة. لكن ساركوزي ورئيس الحكومة فيون عبروا عن دعمهم له. وكانت النتيجة أن زوجة وورث أعلنت استقالتها القريبة من خدمة الوريثة الغنية التي وهبت أحد المقربين منها، وهو مصور وفنان معروف، أقل بقليل من مليار يورو، ما حفز ابنتها على إقامة دعوى بحقها وحق الفنان المشار إليه بتهمة «استغلال ضعف» هذه السيدة البالغة من العمر 87 عاما.

وتكر سبحة الفضائح: كريستيان بلان، وزير الدولة لشؤون تطوير العاصمة، اشترى بما قيمته 12 ألف يورو علب سيجار فاخر من ميزانية الحكومة التي تدعو صباح مساء إلى ضغط النفقات، ما حفز رئيس الحكومة إلى أن يطلب منه تعويض ما تكلفته الخزينة من ماله الخاص.

وقبل بلان برزت فضائح أخرى، منها أن الوزيرة السابقة كريستين بوتان كلفت منذ أن تركت منصبها قبل أشهر بمهمة دراسية مقابل عشرة آلاف يورو في الشهر، أي ما يعادل مرتب وزير، وهو ما يضاف إلى راتبها التقاعدي. ثم هناك فضائح أخرى يطول شرحها، منها التخلص من فكاهيين شعبيين من إذاعة «فرانس أنتير» العامة، عرفا بانتقاداتهما اللاذعة التي لم توفر أحدا، لا رئاسة ولا حكومة.

غير أن فضيحة الفضائح هي المصير المحزن الذي آل إليه فريق فرنسا الوطني لكرة القدم، الذي عاد أمس إلى باريس من جنوب أفريقيا يجرجر وراءه أذيال الخيبة بعد خروجه المهين من المنافسة في الدور الأول. ولأول مرة في تاريخ فرنسا، عقد في قصر الإليزيه اجتماع طارئ ضم ساركوزي وفيون ووزيرة الصحة والرياضة روزلين باشلو ووزيرة الدولة لشؤون الرياضة والشباب راما ياد، للنظر في هذه الفضيحة التي أصابت صورة فرنسا في الصميم. ونقل عن ساركوزي قوله إن ما حصل «كارثة». وطلب الرئيس الفرنسي أمرين: تنظيم اجتماع عام في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل للنظر في حالة هذه الرياضة الشعبية في فرنسا وإعادة إطلاقها على أسس سليمة، وحجب أي مكافآت مالية عن اللاعبين.

كما استجاب ساركوزي لطلب كابتن الفريق الفرنسي السابق تييري هنري الذي لم يشارك في المباريات رغم اختياره من ضمن قائمة الـ23 لاعبا، والذي أعرب عن رغبته في مقابلة الرئيس شخصيا.

ومع عودة الفريق، حان زمن الحساب. وقالت باشلو إنه يتعين على رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم ايسكاليت أن يستقيل من منصبه، بينما يدعو آخرون إلى فصل اللاعب نيكولا أنيلكا بشكل نهائي من الفريق الفرنسي بسبب المسؤولية التي يتحملها عن إبقاء مدرب الفريق في منصبه رغم النتائج السيئة التي حصدها الفرنسيون منذ أربعة أعوام على الأقل.

غير أن الجانب الأخطر يتمثل في الجدل الذي ثار حول ولاء اللاعبين لفرنسا باعتبار أن الغالبية الساحقة منهم تتحدر من أصول أجنبية أفريقية أو عربية مغاربية. وآخر ما برز أن عددا من اللاعبين لم يشارك في النشيد الوطني، بل فضل مضغ علكة أو الصمت، ما حفز راما ياد وزيرة الدولة لشؤون الرياضة على القول أول من أمس إنه يتعين على اللاعبين «المشاركة في إنشاد النشيد الوطني لأنه يرمز إلى فرنسا ويحمل قيمها وصورتها وهويتها».

ذهب بيان صادر عن 13 نائبا في البرلمان في الاتجاه عينه ومطالبا بتحديد «شروط» على كل لاعب يتم اختياره في الفريق الوطني.

ومن الناحية السياسية، لم يكن لساركوزي حظ شيراك في عام 1998 عندما فاز الفريق الفرنسي ببطولة العالم، ما انعكس إيجابيا على شعبية الرئيس الفرنسي وقتها. وذهب بعض المعلقين إلى اعتبار أن تصرف اللاعبين الفرنسيين يعكس «حالة» فرنسا كما هي اليوم، أي كونها تعيش أزمة عميقة في كل الميادين.

وتعتبر النقابات والأحزاب اليسارية الإصلاح الحكومي لأنظمة التقاعد، خصوصا من خلال رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما، «غير عادل»، وتراجعا عن مكسب اجتماعي رمزي يعود إلى عهد الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران، الأمر الذي أثار معارضة كبيرة. ولاقت الدعوة إلى الإضراب استجابة في الإدارات العامة خصوصا في قطاع التعليم وقطاع النقل. واضطربت حركة القطارات بشدة مع تسيير قطار من اثنين بالنسبة للقطارات الفائقة السرعة «تي جي في» من باريس ذهابا وإيابا، وكذلك الشأن بالنسبة للرحلات الدولية. أما بالنسبة لمترو باريس فإن التوقعات تشير إلى تأمين 60 في المائة من سفرياته، في حين ألغيت رحلات من المطارات الفرنسية.