جيب بوش بين مهمة الدفاع عن اسم العائلة والتهيؤ لدور سياسي أكبر

الحاكم السابق لفلوريدا يستبعد الترشح للرئاسة ويدعو أوباما للاستفادة من دروس سلفه

جيب بوش ( «نيويورك تايمز»)
TT

على مدار شهور حتى الآن، ظل جيب بوش ينصت بينما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يشن هجوما عنيفا ضد إدارة شقيقه الأكبر محملا إياها اللوم عن تردي الأوضاع الاقتصادية وعجز الميزانية، بل ورداءة مستوى الرقابة على الآبار النفطية.

خلال مأدبة غداء في «بيلتمور هوتيل» الأسبوع الماضي، علق بوش، الحاكم السابق لفلوريدا، بقوله: «الأمر أشبه بطفل ذهب لمدرسته وادعى أن كلبا التهم واجبه المدرسي. إنه تصرف طفولي، فالأطفال يتصرفون على هذا النحو حتى ينضجوا، حيث يرفضون تحمل المسؤولية».

وأضاف بوش أنه بدلا من توجيه النقد القاسي باستمرار إلى الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة، ربما بمقدور أوباما تعلم بعض الدروس المستفادة من سلفه، خاصة فيما يتعلق بتجاهل الثرثرة الدائرة في واشنطن. واستطرد بوش متحدثا عن أوباما: «سيحطم فؤاده أن يتلقى نصيحة تحمل تطبيق بعض دروس القيادة التي تعلمها شقيقي لأن من الواضح أنه يحب أن يتصرف كأنه لا يزال يدير حملة انتخابية، فهو يعشق إلقاء اللوم على إدارة جورج عن كل شيء». وأضاف ضاحكا: «أعني أنه يجب أن يقرأ كتبا! عليه مشاهدة (إي إس بي إن)!».

في الـ57 من عمره، لا يزال جيب من الشخصيات المثيرة في حزبه العاصف. في لحظة يتلمس الجمهوريون طريقهم نحو أجندة تتجاوز مجرد المعارضة، يجري النظر إلى بوش منذ فترة بعيدة باعتباره أحد المفكرين الحقيقيين بالحزب، وتعتقد الكثير من المصادر الحزبية المطلعة أنه قد يصبح منافسا مهما على الرئاسة. إلا أن بوش، نجل وشقيق رئيسين، يحتل مكانة مثيرة داخل أسرته، حيث جرت العادة على امتناع الرؤساء الأميركيين عن انتقاد خلفائهم (مهما قال خلفاؤهم عنهم)، ما يعني أن جيب هو العضو الوحيد بعائلة بوش المشارك في الحياة العامة وبمقدوره الدفاع عن اسم العائلة.

وقال بوش: «لن يخرج جورج عن هذا التقليد»، في إشارة إلى نمط السلوك الذي التزمه الرؤساء السابقون حتى الآن، مضيفا: «وإذا طلب منه عمل ما، سيقبل، على الرغم من كل محاولات إلقاء اللوم عليه. هذا هو نمط شخصيته الحقيقي».

غالبا ما يجري تصوير جيب باعتباره أكثر أعضاء العائلة من حيث التقلبات المزاجية والإقبال على القراءة. ويتولى حاليا إدارة شركة استشارية خاصة به، لكنه يبدي ارتياحا تجاه فكرة تولي منصب عام. وأثناء المقابلة، كان يرتدي قميصا وبنطالا، بدلا من حلة كاملة، واستجاب للأسئلة المطروحة عليه بصورة لطيفة، بعيدا عن العصبية التي ميزت ردود أفعاله بعض الأحيان تجاه المراسلين الصحافيين.

وقال بوش إنه التقى أوباما عام 2009 عندما رافق والده جورج بوش إلى البيت الأبيض، بعد أسابيع قليلة من تنصيبه رئيسا للبلاد. وقال: «أبدى رقة ولطفا غير عاديين تجاه والدي، الأمر الذي راق لي». وأثنى بوش على أوباما لإثارته روح الإبداع داخل المدارس العامة، وهي قضية يبدي بوش حماسا بالغا تجاهها، لكن حدود إعجابه بأوباما تقف عند هذا الحد.

وقال: «بصورة عامة، أعتقد أن الرئيس بدلا من التصرف كقائد يليق بالقرن الحادي والعشرين، يتصرف على نحو يجعله أشبه بهربرت همفري. لا أعتقد أن هناك جديدا في إنفاق مزيد من المال باعتباره حلا لكل مشكلة».

خلال هذا العام، مارس بوش القدر الأكبر من نفوذه السياسي خارج دائرة الضوء العام، حيث شارك كمستشار غير رسمي لمرشحي الحزب لمناصب حكام الولايات، الذي يعتبرهم المصدر الأكثر احتمالا داخل الحزب لابتكار أفكار جديدة بشأن السياسات الجمهورية. وعلق بوش قائلا: «لا أعتقد أن هذه الأفكار ستطبق في واشنطن في وقت قريب».

بغض النظر عما ستتمخض عنه انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيتعين على الجمهوريين العمل على نحو تدريجي صعب في تحركهم نحو الموسم الانتخابي. إن الحزب بحاجة إلى الإبقاء على نشطاء على غرار نشطاء «حركة الشاي» متحمسين خلف أجندة ومرشح واحد. يتعين على الجمهوريين البحث عن شخص بإمكانه إعادة توجيه بوصلة الحزب على الصعيد الوطني وجعل أيديولوجية الحزب الأكثر حدة مستساغة لدى جمهور الناخبين الأميركيين الأوسع.

ويفسر ذلك إصرار بعض الجمهوريين ذوي النفوذ على الاعتقاد بأن بوش ربما يشكل منافسا قويا عام 2012، حيث يعد من الشخصيات المفضلة لدى الجماهير المناهضة للمؤسسة السياسية الراهنة، إضافة إلى كونه شخصية سياسية ذائعة الصيت ذات ميول استقلالية واضحة. على سبيل المثال، أثناء توليه منصب حاكم فلوريدا، عارض بوش بشدة أعمال التنقيب في المياه الضحلة في فلوريدا، إلى جانب إبدائه تفضيله لهجرة قانونية متزايدة، بدلا من تقليصها.

وأكد بوش أنه ليس لديه اهتمام في الوقت الراهن بالترشح لرغبته في جني المال لصالح عائلته، لكن حلفاءه السياسيين يبدون تركيزا كبيرا على عبارة «في الوقت الراهن». من ناحيته، قال إل كارديناس، الرئيس السابق للحزب الجمهوري في فلوريدا: «كل مرشح محتمل للرئاسة وكل عضو بمجلسي النواب والشيوخ تحدثت إليه، عندما أسأله عمن بمقدوره خلق اختلاف في حزبنا، يجيب أنه جيب بوش».

ويسود اعتقاد في واشنطن بأن العائق الحقيقي أمام المستقبل السياسي لجيب بوش هو السمعة التي باتت مرتبطة باسم بوش سياسيا، والتي تلقت صفعة قوية داخل الحزب وخارجه. وللتعبير عن هذه الفكرة بصورة لطيفة يمكننا القول إن أيا من جورج دبليو. بوش أو والده يصنفان بين الرؤساء الأكثر نجاحا في عصرنا. بيد أن المعجبين بجيب بوش يصرون على أنه مهما كانت السحابة التي تغيم على اسم بوش فإنها تنقشع حاليا، مع انحسار ذكريات حقبة بوش الأخيرة وتغييرها بمعارضة محافظة شديدة لسياسات أوباما. ويقول من هم على معرفة ببوش إنه لم يأبه قط بمثل هذا الأمر. مثلا، أكد نيكولاس أيرز، المدير التنفيذي لـ«اتحاد الحكام الجمهوريين»، أن بوش «من أقل الناس اهتماما بهذا الأمر».

في الواقع، لدى الحديث إلى بوش ربما يستشعر المرء أن المشكلة التي ستواجهه كمرشح رئاسي مستقبلي ربما لا تتمثل في فاعلية علامة بوش التجارية، وإنما ما قد يتعين عليه القيام به للتغلب عليها. ويرجع أحد الأسباب وراء نجاح جورج دبليو. بوش في الوصول إلى الرئاسة إلى تمكنه من وضع مسافة معينة بينه وبين والده، وأثار انطباعا لدى القاعدة الجمهورية بأنه أكثر ميلا إلى نهج ريغان المحافظ عن النهج البراغماتي. لكن من العسير تخيل اعتراف جيب بوش، المدافع الشرس عن عائلته، علانية بالأخطاء التي اقترفها شقيقه على نحو يمكنه من الظهور بمظهر بوش مختلف أكثر كفاءة. وفي سؤال له حول ما إذا كان لدى أوباما وجهة نظر مشروعة بالنسبة لتحمل إدارة شقيقه مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي ألم بالبلاد، سكت بوش هنيهة، وكانت تلك المرة الوحيدة التي صمت فيها خلال المقابلة، وبدا حريصا للغاية في انتقاء كلماته.

وأجاب: «أعتقد أن هناك سلسلة من القرارات التي جرى اتخاذها على امتداد فترة طويلة وتسببت نتائجها المتراكمة في التداعي الاقتصادي الذي خلق المصاعب التي نواجهها. الكونغرس والإدارة وكل فرد يتحمل جزءا من المسؤولية». وأضاف: «القضية المهمة بالنسبة لي ماذا ينبغي أن نفعل الآن. فمن يأبه بمسألة من يتحمل اللوم؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»