السودان: البشير يهاتف القذافي محتجا على وجود خليل في ليبيا.. والزعيم الليبي يطمئنه

رسالة رسمية إلى طرابلس تطالب بإنهاء وجود خليل بعد تعهده في حوار مع «الشرق الأوسط» بغزو الخرطوم

TT

احتج الرئيس السوداني، عمر البشير، خلال اتصال هاتفي مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على «التحركات العدوانية» التي تقوم بها حركة العدل والمساواة في دارفور، التي تستضيف طرابلس زعيمها الدكتور خليل إبراهيم منذ الشهر الماضي، بعد طرده من تشاد. في حين كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن مضمون رسالة رسمية بعثتها الخارجية السودانية إلى طرابلس، تطالب فيها بإنهاء وجود خليل في أراضيها، وحضه على المشاركة في مفاوضات الدوحة التي انطلقت قبل أيام، في غياب أكبر حركتين في دارفور. وعبرت الخرطوم عن انزعاجها من تصريحات خليل باستعداده لغزو الخرطوم مرة أخرى، في حوار نُشِر في «الشرق الأوسط»، السبت الماضي.

وأجرى الرئيس السوداني عمر حسن البشير اتصالا هاتفيا، مساء أول من أمس مع العقيد القذافي رئيس القمة العربية، وضعته وكالة الأنباء الليبية الرسمية في إطار التنسيق والتشاور المستمر بينهما حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، لكن وكالة الأنباء السودانية قالت في المقابل، إن البشير عبر في الاتصال الهاتفي عن احتجاج السودان على ما وصفه بالتحركات المعادية لحركة العدل والمساواة، مشيرة إلى أن العقيد القذافي أكد من جهته أنه «لن يسمح بانطلاق أي عمل عدائي من ليبيا تجاه السودان»، واستنكر أي محاولات تهدف للتأثير سلبا على العلاقات التاريخية بين البلدين، مؤكدا أن السودان دولة شقيقة، وأن بلاده حريصة على استقراره. وبحسب الوكالة السودانية الرسمية؛ فقد وعد القذافي البشير باستمرار التشاور في مختلف القضايا التي تحقق أمن المنطقة واستقرارها.

وكانت الخارجية السودانية قد طلبت من طرابلس أن يكون وجود إبراهيم فيها «عابرا»، وألا تسمح له بالإقامة هناك. وقالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إنه لا تغيير قد طرأ على موقف ليبيا، التي لا تزال ترفض طلب السودان الرسمي بإبعاد خليل وطرده من أراضيها، أسوة بما فعلته تشاد في التاسع عشر من شهر مايو (أيار) الماضي.

وأعرب علي أحمد كرتي وزير الخارجية السوداني، عن تقدير بلاده لمواصلة ليبيا جهودها ودعمها للسلام والاستقرار في البلاد، مثمنا حرصها علي استكمال مسيرة السلام وتحقيق الاستقرار في دارفور. وأشاد كرتي في تصريحات من العاصمة السودانية الخرطوم، بتأكيدات القذافي خلال الاتصال الهاتفي مع البشير، بأن ليبيا لن تكون منطلقا لأي أعمال عدائية ضد السودان.

وأوضح الوزير أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين القائدين بحث السبل المثلى لإتمام عملية السلام وتحقيق الاستقرار في السودان، معتبرا أن عملية السلام في السودان خيار استراتيجي يتطلب تضافر جهود الدول الشقيقة والصديقة مع السودان لإتمام مراحله.

من جهته قال المهندس محمد آدم، أحد قيادات حركة العدل والمساواة في اتصال هاتفي عبر الأقمار الصناعية لـ«الشرق الأوسط» من داخل إقليم دارفور: «نحن نسيطر تماما على كافة المواقع المتواجدين فيها، آلياتنا العسكرية في كل مكان في دارفور شمالا وشرقا وغربا وجنوبا». وأضاف: «في مناطق العمليات العسكرية قبل يومين تعرضت القوات الحكومية لخسائر فادحة جدا في الأرواح والآليات، بالإضافة إلى الاستيلاء على 120 عربة من الدفع الرباعي محملة بمختلف أنواع الأسلحة». وتابع: «اليوم (أمس) كان مقررا أن نسلم الصليب الأحمر الدولي أسرى الحكومة، لكنهم لم يتمكنوا من مغادرة نيالا، دمرنا عدة آليات عسكرية في 5 مواقع، والدبابات المحترقة أمامي حاليا.. وننتظر أن نوجه الضربة الأخيرة والمؤلمة للحكومة.. استطعنا اختيار الزمان والمكان المناسبين». واستطرد قائلا: «ننصح أهلنا الذين يسمونهم الجنجويد من القبائل العربية وغير العربية المغرر بهم ألا يأتوا إلينا، سنسلم بعض الأسرى إلى الصليب الأحمر، والبعض الآخر إلى الإدارات المحلية كي نوجه رسالة بأن العداء ليس مع الشعب أو القبائل».

وتمكنت «الشرق الأوسط» من التحدث إلى اثنين من عناصر الجيش السوداني اللذين تقول حركة العدل والمساواة إنهما وقعا في قبضتها، بالإضافة إلى عشرات الجنود الحكوميين. وقال الضابط ملازم نور الدين أندرسون قدوم، الذي يحمل رقم البطاقة 18772 ويخدم في الفرقة 12 مشاة، إنه من مواليد ولاية النيل الأزرق. وأضاف: «تعرضت للأسر إثر معركة في الجبال، ومعي ضابط آخر في الاحتياط.. إن الحركة تعامل الأسرى بشكل إنساني جيد»، مضيفا: «هؤلاء الناس يقاتلون من أجل حقهم، وأتمنى أن يصبح السودان كله موحدا، ويأخذ كل ذي حق حقه». وبحسب ما أبلغه المهندس محمد آدم لـ«الشرق الأوسط» فإن هذا الضابط الأسير سيتم تسليمه خلال الساعات المقبلة إلى الصليب الأحمر الدولي. وقال جندي آخر قدم نفسه لـ«الشرق الأوسط» على أن اسمه موسى عبد الرحمن عوجة يعقوب، جندي في حرس الحدود السوداني، إنه وقع في الأسر لدى رجوعه من منطقة نيالا، معتبرا أنه يتلقى معاملة جيدة من الحركة. وأضاف: «لم يعذبونا ولم يهينوننا، يقدمون لنا الطعام والشراب، ولا مشكلة على الإطلاق».

وفي هذا السياق قالت حركة العدل والمساواة، إن الحكومة السودانية رفضت تسلم الدفعة الأولى من أسراها بطرف الحركة بواسطة الصليب الأحمر، وعددهم 12، بينهم ضابطان واثنان من المدنيين، وحملت الخرطوم مسؤولية عدم الإيفاء بالالتزامات.

وقال أمين الشؤون الإنسانية في حركة العدل والمساواة سليمان جاموس لـ«الشرق الأوسط» إن هناك اتفاقا تم بين الحركة والحكومة السودانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ بأن يتم تسليم الأسرى في حضور الصليب الأحمر في منطقة محددة، لكن الجانب الحكومي لم يحضر عملية التسليم والتسلم، «وأغلقوا هواتفهم الجوالة». وقال جاموس إن «الحكومة لا تعترف بالأسرى، ولا تقيم لهم وزنا»، وأضاف: «إنهم يتنكرون للعهود والمواثيق التي تتنافى مع تقاليد الشعب السوداني»، وأعرب عن إدانته لتصرف الحكومة الذي وصفه بالمتخاذل، مما حدا بذوي الأسرى بالضغط على المؤتمر الوطني للإيفاء بعهوده مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مشيرا إلى أن حركته قامت بكافة الالتزامات من ناحيتها تجاه الأسرى.

في غضون ذلك قالت الأمم المتحدة إن تدهور الأمن في إقليم دارفور بالسودان، يجبر منظمات الإغاثة على خفض أو تعليق بعض برامج المساعدات. وشهد الإقليم في الفترة الأخيرة مقتل 3 من القوات الدولية، ثم اختطاف عاملين دوليين من قبل مسلحين مجهولين، وخطف 17 أجنبيا في دارفور منذ العام الماضي، وقتل 27 فردا من قوة حفظ السلام المشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في أكمنة وهجمات أخرى، منذ وصول القوات في بداية عام 2008. ودعت بعثة الأمم المتحدة السلطات السودانية إلى القيام «بجهود منسقة» لاعتقال ومحاكمة الأشخاص الذين يهاجمون ويخطفون ويسرقون موظفي الإغاثة.