«شبكة حقاني» ورقة إسلام آباد لتعزيز نفوذها في أفغانستان

باكستان تعمل على رسم صورتها كشريك ملائم أمام الرئيس الأفغاني

TT

تعمد باكستان إلى استغلال الجهود العسكرية الأميركية المضطربة داخل أفغانستان للتوصل إلى تسوية سياسية مع الأخيرة من شأنها منح باكستان نفوذا مهما هناك، لكن هذا الأمر من المحتمل أن يقوض مصالح الولايات المتحدة - هكذا أوجز مسؤولون باكستانيون وأميركيون الوضع الراهن.

يكاد يكون في حكم المؤكد أن فصل الجنرال ستانلي إيه. مكريستال سيؤدي إلى بث مزيد من الجرأة في نفوس الباكستانيين في مضيهم قدما في تنفيذ خطتهم مع رصدهم مؤشرات على وجود شكوك أميركية متزايدة، حسبما ذكر مسؤولون باكستانيون. كان جنرال أشفق بيرفيز كياني، قائد الجيش الباكستاني، يفضل مكريستال على خليفته، جنرال ديفيد إتش. بترايوس، الذي يعتبره سياسيا أكثر منه واضع استراتيجيات عسكرية، تبعا لما قاله أفراد تحدثوا أخيرا إلى جنرال كياني. الواضح أن باكستان تعمل على رسم صورتها كشريك جديد ملائم لأفغانستان أمام حميد كرزاي، الرئيس الأفغاني، الذي ساءت علاقته بالأميركيين. ويؤكد مسؤولون باكستانيون أنه بإمكانهم إقناع شبكة سراج الدين حقاني، وهي حليف لتنظيم القاعدة وتتولى إدارة جزء كبير من حركة التمرد داخل أفغانستان، بالانضمام إلى ترتيب للتشارك في السلطة. إضافة إلى ذلك، أشار مسؤولون أفغان إلى أن الباكستانيين يضغطون على العديد من العناصر الأخرى العاملة بالوكالة، مع عرض جنرال كياني بصورة شخصية التوسط للتوصل إلى اتفاق مع قيادة طالبان. وقد راقبت واشنطن ببعض التوتر تنقل جنرال كياني ولفتنانت جنرال أحمد شجاع باشا، رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية، ذهابا وإيابا بين إسلام آباد وكابل، حيث أطلعا كرزاي على اتفاقهما في الرأي مع تقديره بأن الولايات المتحدة ليس بإمكانها إحراز نصر داخل أفغانستان، وأن أفغانستان خلال حقبة ما بعد الحرب ينبغي أن تدمج بداخلها شبكة حقاني، التي كانت بمثابة أحد الأصول المهمة في أيدي باكستان. وفي مؤشر على تحول الزخم، من المقرر أن يزور المسؤولان الباكستانيان كابل، الاثنين القادم، طبقا لما ذكره «التلفزيون الأفغاني». رغم الزيارات الـ11 التي قام بها جنرال مكريستال إلى جنرال كياني في إسلام آباد العام الماضي، لم يفصح الباكستانيون تماما عن تفاصيل المحادثات التي جرت خلال الشهرين الأخيرين، الأمر الذي جعلهم أكثر إثارة للقلق من وجهة نظر الولايات المتحدة، حسبما أوضح مسؤول أميركي يشارك في نقاشات الإدارة الأميركية بشأن السياسات تجاه أفغانستان وباكستان.

وأضاف المسؤول الأميركي متحدثا عن الباكستانيين: «إنهم يدركون أن ذلك يزيد من حجم الفجوة بيننا وبين كرزاي». رغم تشجيع واشنطن عليه، فإن هذا التحسن في العلاقات الباكستانية - الأفغانية ينطوي على مخاطرة أن تجد الولايات المتحدة نفسها معزولة عما قد يرقى لمستوى سلام منفصل بين الأفغان والباكستانيين، وهو سلام قد لا يضمن بالضرورة الهدف الرئيس لواشنطن من وراء الحرب: حرمان «القاعدة» من ملاذ آمن. كما يحمل هذا الأمر مؤشرا جديدا على كيفية تعامل إسلام آباد، التي تعد حليفا أميركيا، مع العديد من الأطراف المتعارضة خلال الحرب لضمان مصلحتها الأولى المتمثلة في وجود أفغانستان سهلة الانقياد وخالية من نفوذ غريمتها الاستراتيجية الكبرى التي تعد بمثابة هاجس يطاردها وجارتها الأقوى: الهند.

في هذا الإطار، شكلت شبكة حقاني منذ أمد بعيد أصلا حيويا في يد إسلام آباد ضد الهند وظلت الشبكة من دون مساس من قبل القوات الباكستانية داخل معاقلهم في باكستان، تحديدا المناطق القبلية على الحدود الأفغانية، رغم ضغوط الأميركيين على باكستان كي تشن هجوما ضد الشبكة.

من جهته، رفض جنرال كياني الطلبات الأميركية، متذرعا بأن قواته منهمكة للغاية في مقاتلة «طالبان الباكستانية» في أجزاء أخرى من المناطق القبلية. إلا أن شكوكا ثارت لدى مسؤولين أفغان وأميركيين وغربيين آخرين حول أن الباكستانيين يعمدون إلى الاحتفاظ بالحقانيين كبطاقة نفوذ لاستغلالها في اللحظة المناسبة على نحو يصوغ نتيجة الحرب لصالحها. خلال مناسبات متكررة، استغلت باكستان مقاتلي شبكة حقاني في مهاجمة أهداف هندية داخل أفغانستان، طبقا لما ذكره مسؤولون استخباراتيون أميركيون. كما هاجم الحقانيون أهدافا أميركية أيضا، في إشارة محتملة من جانب الباكستانيين إلى الأميركيين بأنه من مصلحتهم أيضا إبرام اتفاق.

من جهة أخرى، أخبر جنرال بترايوس الكونغرس، الأسبوع الماضي، بأن مقاتلين يتبعون شبكة حقاني مسؤولون عن هجمات كبرى وقعت أخيرا في كابل وقاعدة باغرام الجوية بأفغانستان، مضيفا أنه أخطر جنرال كياني بذلك. ولم يستبعد مسؤولون بإدارة أوباما إمكانية دمج شبكة حقاني في إطار تسوية أفغانية، إلا أنهم شددوا على دعوات الرئيس أوباما لفصل «القاعدة» عن الشبكة. من جانبهم، يبدي مسؤولون أميركيون تشككهم حيال إمكانية تحقيق ذلك. خلال زيارة له لإسلام آباد في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قال ريتشارد سي. هولبروك، مبعوث إدارة أوباما الخاص لدى باكستان وأفغانستان، إنه من «العسير تخيل» مشاركة شبكة حقاني في ترتيبات أفغانية، لكنه استطرد بقوله: «من يدري؟» أثناء مؤتمر صحافي موجز هذا الأسبوع في مقر رئاسة الاستخبارات الباكستانية، رسم محللون باكستانيون صورة للحرب توافقت بدرجة كبيرة مع الشكوك التي أعرب عنها كرزاي، حيث رسموا صورة تنبئ بأن الحملة العسكرية الأميركية بأفغانستان «لن تنجح».

وأشاروا إلى أن «طالبان» تزداد قوة. ورغم قرب وصول قوات أميركية إضافية، خلصوا إلى أن «الوضع الأمني بات أكثر خطورة»، مما أسفر عن انحسار في إرادة وتصميم الأميركيين على القتال. وقال أحد المحللين البارزين: «هذا هو السبب وراء محاولة كرزاي التفاوض الآن».

وسافر جنرال شجاع باشا، رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية، إلى كابل عشية زيارة كرزاي لواشنطن في مايو (أيار)، حسبما أشار مسؤول أميركي. ولم يذكر كرزاي ولا الباكستانيون أمام الأميركيين مسألة إدماج شبكة حقاني في أفغانستان ما بعد الحرب، تبعا لما أضافه المسؤول.

وقد فازت باكستان بما تعتبره تنازلا مهما من جانب أفغانستان، وهو استقالة كل من أمر الله صالح، رئيس الاستخبارات، وحنيف أتمار، وزير الداخلية، هذا الشهر. وتنظر إسلام آباد إلى هذين المسؤولين اللذين تفضلهما واشنطن باعتبارهما عقبتين كبيرتين أمام تنفيذ رؤيتها لضم كبار مقاتلي طالبان إلى اتفاق تسوية أفغانية، رغم أن ظروف استقالتهما لا تنبئ بوجود أي صلة بينها وبين باكستان. بجانب مصالحهم الاستراتيجية، أوضح باكستانيون أنهم اختاروا هذا التوقيت لبدء محادثات مع كرزاي لأنهم، حتى قبل الجدال الذي دار بشأن مكريستال، شعروا بوجود شكوك داخل إدارة أوباما حول سير جهود القتال على الجبهة الأفغانية.

* خدمة «نيويورك تايمز»