خلاف بين مساعدي ماكريستال و«رولينغ ستون» حول انتهاك القواعد الصحافية

عضو في فريق الجنرال: بعض التعليقات الواردة صدرت عن أصحابها «خارج نطاق النشر»

ستانلي إيه ماكريستال (أ. ف. ب)
TT

في الثانية والنصف من صباح الثلاثاء في كابل، وبعد يوم مشحون من السفر إلى قندهار وعقد مقابلات مع زعماء أفغان بارزين، استيقظ الجنرال ستانلي إيه ماكريستال من النوم على يد أحد مساعديه على أنباء قاتمة.

وأخبر المساعد ماكريستال بأن «هناك مقالا نشر في (رولينغ ستون)، وهو سيئ للغاية».

بعد أربعين ساعة، أعفي ماكريستال من القيادة، لتتحطم بذلك حياته المهنية العسكرية التي استمرت 34 عاما. بخلاف اعتذار مقتضب، لم يناقش الجنرال ماكريستال علانية التعليقات المهينة التي أطلقها ومساعدوه على مسؤولي الإدارة والتي ورد ذكرها بالمقال.

إلا أن يوم الجمعة شهد شروع مسؤولين مقربين من ماكريستال في محاولة إنقاذ سمعته من خلال التأكيد على أن كاتب المقال، مايكل هاستينغز، نقل عبارات على لسان الجنرال ومعاونيه خلال محادثات سمح له بحضورها، لكن ليس كتابة تقارير عنها. كما طعن المسؤولون في بيان صدر عن إيريك بيتس، رئيس التحرير التنفيذي لـ«رولينغ ستون»، ذكر خلاله أن المجلة راجعت المقال بصورة كاملة مع فريق العمل المعاون لماكريستال قبل نشره.

ونفى بيتس أن يكون هاستينغز قد انتهك أي قواعد تنظيمية عندما كتب ما عاينه خلال أربعة أسابيع قضاها مع ماكريستال والعاملين معه. وأكد بيتس حلال مقابلة معه أن «هناك الكثير مما قيل من دون تسجيل ولم نذكره. لقد التزمنا بجميع القواعد التنظيمية في المواقف كافة».

من جهة أخرى، أصر مسؤول عسكري بارز على أن «الكثير من المقابلات أجريت من دون تسجيل وكانت ترمي فقط إلى مساعدة هاستينغز على تكوين صورة عامة» حول أسلوب عمل الفريق المعاون لماكريستال. وأضاف المسؤول، الذي رفض كشف هويته، أن مراجعة للأحداث خلصت إلى «عدم وجود دليل يوحي» بأن أيا من «مقتطفات العبارات السياسية البذيئة» الواردة بالمقال أطلقت في مواقف تسمح خلالها القواعد التنظيمية باستخدامها كمادة في مقاله.

وقال عضو في فريق معاوني ماكريستال، كان حاضرا خلال الاحتفال بالذكرى الـ33 لزواج الجنرال في إحدى حانات باريس، إن التعليقات الواردة بالمقال صدرت عن أصحابها «خارج نطاق النشر على نحو واضح». وأشار هذا المصدر إلى أن مساعدي ماكريستال «أوضحوا تماما أمام مايكل أن هذا الاحتفال خاص، وأنه تجمع لرجال لا يحظون بفرصة لقاء زوجاتهم كثيرا، وأنهم مجموعة رفقاء معا، وأنه إذا رغب في البقاء، فعليه أن يتفهم أن ما يدور يقع خارج نطاق النشر». جدير بالذكر أن المقال أشار إلى أن معاوني ماكريستال كانوا يحتسون الخمور بكثرة. وفي المقابل، شدد بيتس على أن حجة أن ما قيل في الحانة والمواقف الأخرى التي صدرت خلالها تعليقات ساخرة حيال بعض مسؤولي الإدارة كانت خارج نطاق النشر «غير صحيحة على الإطلاق». أما هاستينغز، فكان مسافرا الجمعة، وتولى حساب البريد الإلكتروني الخاص به تحويل الاستفسارات الموجهة إليه تلقائيا إلى «رولينغ ستون».

الملاحظ أن أيا من ماكريستال أو أعضاء فريق العامل المعاون له لم ينكر إصدار أي من التعليقات الواردة بالمقال، بما فيها وصف أوباما بأنه سيطر عليه شعور بـ«عدم الارتياح والخوف» خلال لقائه الأول بماكريستال، والإشارة إلى جيمس إل جونز، مستشار الأمن القومي، بـ«المهرج».

وأخبر الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مراسلين صحافيين، الثلاثاء، بأن المناخ العام الذي تسوده مشاعر عدم احترام تجاه القيادات المدنية وتساهل حياله ماكريستال بصورة واضحة وشارك به، كان العامل الذي على أساسه تم فصله بغض النظر عن الإطار الذي صدرت فيه التعليقات أو من أصدرها.

من ناحية أخرى، اعترف اللفتنانت كولونيل إدوارد تي شولتيس، المتحدث الرسمي باسم المؤسسة العسكرية في كابل، بأن هاستينغز، مثلما الحال مع مراسلين آخرين التقوا ماكريستال على امتداد العام الماضي، لم يلزم بالتوقيع على قواعد تنظيمية. وأوضح شولتيس أنه «عادة ما نتناول مسألة القواعد التنظيمية بصورة شفاهية، فنحن نثق في مهنية الأفراد الذين نتعامل معهم». كانت أول مرة تلقى فيها مقر رئاسة ماكريستال نسخة من المقال قبيل نشرها في منتصف ليلة الاثنين من جانب مراسل يسعى للحصول على تعليق. بعد قراءة ماكريستال المقال «أدرك للتو أنه سيترك تأثيرا واسعا»، حسبما ذكر المصدر، مضيفا «لكن لم يدرك أي منا أنه سيكون بمثل هذا القدر من الضخامة».

كان أول إجراء اتخذه الجنرال الاتصال بقادته، ثم شرع في التواصل مع أعضاء إدارة أوباما الواردة أسماؤهم في المقال. اتصل ماكريستال ببايدن، نائب الرئيس - الذي أشار إليه أحد مساعدي ماكريستال طبقا لما ذكره المقال بأنه نائب الرئيس «بايت مي» (أي «عضني») - بينما كان بايدن على متن طائرة في طريقه إلى الوطن عائدا من زيارة رسمية.

داخل البيت الأبيض، كانت نسخ من المقال يتم تداولها بين عدد من كبار مسؤولي الجناح الغربي بالفعل. وقال المصدر «قطعا لم يكن الثلاثاء يوما عاديا» في كابل. من جهته، حاول ماكريستال الحفاظ على جدول عمله، مفترضا أن مسألة الرد على المقال سيتناولها البيت الأبيض والبنتاغون. في آخر النهار في أفغانستان، تلقى ماكريستال اتصالا هاتفيا من روبرت إم غيتس، وزير الدفاع، يخطره فيه بضرورة العودة إلى الوطن فورا لعقد اجتماعات مباشرة.

مع تطور الأحداث داخل البيت الأبيض، شعر معاونو ماكريستال «بتحطم قلوبهم»، حسبما ذكر المصدر، الذي أضاف «لقد رأيت رجالا على درجة كبيرة من الشجاعة يبكون هذا الأسبوع».

وقال بيتس إنه من اللافت للانتباه أن يستغرق الأمر من المقربين من ماكريستال أربعة أيام قبل أن يشرعوا في الشكوى. وشرح بيتس أن الأشخاص الذين يصبحون مادة مقالات حيوية أمامهم الكثير من السبل «بعد نشر مقال ما بشأنهم للتشكيك في صحته والشكوى من أن الأمور اقتطعت من سياقها أو من خارج نطاق النشر. لكن الملاحظ أن أيا من الاعتراضات لم تثر خلال الأيام الأولى الحيوية التي تحولت خلالها تلك المسألة إلى قضية أمن قومي. إننا معتادون على استجابات فورية من المصادر التي تشعر بأنها أسيء استغلالها بأي صورة». من جانبه، قال شولتيس إن «الجدال بشأن ما ورد بالمقال كان سيبدو كما لو كنا نحاول حماية أنفسنا أو سوق الأعذار بدلا من الاعتراف بخطأ اقترفناه. قد لا تكون تلك الاستراتيجية المثلى على صعيد العلاقات العامة، لكن هذا هو التوجه المتناغم مع شخصية الجنرال ماكريستال».

كما شكك مسؤولون أيضا في إجراءات التحقق التي اتبعتها «رولينغ ستون»، حسبما وصفها بيتس في مقابلة أجريت هذا الأسبوع مع «بوليتيكو». ومن ناحيته، قال بيتس «لقد استعنا بهم في كل شيء في إطار عملية تفحص الحقائق مثلما نفعل دوما. لقد تولد لديهم شعور بما تحمله الفترة المقبلة، وكان كل شيء مسجلا، وقد قضوا كثيرا من الوقت مع مراسلنا. لذا، أعتقد أنهم يعون جيدا أنهم قالوا ذلك».

خلال مقابلة أجريت الجمعة، قال ويل دانا، رئيس التحرير الإداري، إن ملحوظات المراسل والوقائع جرت مراجعتها بدقة.

لكن 30 سؤالا بعث بها مسؤول من «رولينغ ستون» معني بتفحص الحقائق في إطار مذكرة بعث بها عبر البريد الإلكتروني إلى دنكان بوثبي، المستشار الإعلامي آنذاك لماكريستال، لم تتضمن أي إشارة إلى الأجزاء التي أثارت الجدال الأكبر لاحقا من المقال. يذكر أن بوثبي استقال الثلاثاء.

خلال رسالة البريد الإلكتروني التي حصلت «واشنطن بوست» على نسخة منها من جانب مصدر عسكري متعاطف مع ماكريستال، طلب من بوثبي التأكيد على العناصر التي تألف منها فريق العمل الذي سافر برفقة ماكريستال إلى باريس ومعدات الاتصال التي جلبوها معهم في زيارة سابقة إلى لندن. وأشار المسؤول إلى أن الأسئلة «لم تقترب من الكشف عما ورد بالصورة النهائية من المقال». وتضمنت المذكرة سؤالا من مسؤول «رولينغ ستون» قال فيه «هل يمزح فريق العمل المعاون لماكريستال بأن يطلقوا على أنفسهم (فريق أميركا)؟». وأجاب بوثبي «ليس بالضبط. إننا نمزح بهذا الشأن لأن الكثير من قوات حلف (الناتو) تنظر إلينا على هذا النحو» في ظل قيادة ماكريستال.

يذكر أنه خلال المقال، كتب هاستينغز أن ماكريستال «أشار مساعدوه على سبيل المزاح إلى أنفسهم باسم (فريق أميركا)».

وفي السؤال الأخير، سأل مسؤول المجلة «هل صوت الجنرال ماكريستال لصالح أوباما؟» (وأشار المراسل إلى أن هذه المعلومة استقاها من ماكريستال شخصيا). ورد بوثبي على النحو التالي «رجاء مهم.. لا تنشروا ذلك. إنها معلومة شخصية وخاصة ولا صلة لها بوظيفته. من غير الملائم التشارك في هذه المعلومة». ومضى قدما في شرح القواعد الصارمة التي تفرض على العسكريين عدم الإفصاح عن آرائهم السياسية.

في المقال، نوه هاستينغز بأن الجنرال «صوت لصالح أوباما». وقال بيتس إن هذه الملحوظة ليست خارج نطاق النشر، مشيرا إلى أن مناشدة بوثبي «لا صلة لها بالدقة أو ما هو خارج نطاق النشر»، وإنما بأن المعلومة ليست ذات صلة. وأضاف أن المجلة، مثل وسائل الإعلام الأخرى، غير ملزمة بتحذير المصادر من أنهم أدلوا بتعليقات تفتقر إلى الحكمة.

* خدمة «واشنطن بوست»