تفاصيل مثيرة تقدمها النيابة العامة خلال محاكمة خلية بلعيرج الإرهابية في المغرب

زعيمها ارتبط بعلاقة مع «القاعدة» وجماعة أبو نضال

TT

أجلت غرفة الجنايات في محكمة الاستئناف المختصة في قضايا الإرهاب في مدينة سلا المجاورة للرباط الليلة قبل الماضية النظر في ملف قضية خلية عبد القادر بلعيرج الإرهابية، بعد جلسة مثيرة عرفت جدالا قويا بين هيئة الدفاع والنيابة العامة وهتافات عائلات المعتقلين، التي أجبرت المحكمة على تأجيل الجلسة إلى يوم غد (الاثنين). حيث طلبت النيابة العامة تحديد تاريخ جديد لاستئناف مرافعاتها، عقب نقاش حاد مع هيئة الدفاع. ووردت لأول مرة معلومات تفصيلية ومثيرة بشأن علاقة بين خلية بلعيرج والرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلا وتنظيم حزب إسلامي لبناني يعتقد أنه حزب الله، وعلاقة مع تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، وكذا علاقته مع جماعة أبو نضال. ودخل ملف القضية إلى مرحلة مناقشة الجوهر، بعد أن استغنت المحكمة عن سماع شهادة اليهودي بابي أزنكوط الذي اتهمت الخلية بمحاولة اغتياله في الدار البيضاء قبل سنوات، واكتفت بأقواله أثناء التحقيق، حيث أكد عدم تعرفه على هوية العناصر التي حاولت اغتياله وهي الشهادة نفسها التي صرح بها الشهود خلال الجلسة الماضية. كما عرفت الجلسة استئناف محمد السملالي محامي أرملة اليهودي جوزيف ويلبران التي تدعي أن عبد القادر بلعيرج زعيم الخلية حاول اغتياله في بلجيكا، وكذا ضد شركة «برينكس لوكسمبورغ»، التي تتهم بلعيرج وعبد اللطيف بختي المتابع في الملف أيضا، بالسطو على أموالها، حكما سبق أن رفضته المحكمة الابتدائية باعتبارهما طرفا مدنيا بحجة وجود عيب في الشكل، إذ تطالب أرملة اليهودي ويلبران بتعويض قدر بـ10 ملايين درهم (أزيد من مليون دولار) وشركة «برينكس» 21 مليون درهم (نحو 2.5 مليون دولار).

وقال السملالي إن عبد اللطيف بختي متهم بالسطو على 17 مليون يورو من الوكالة البنكية «برينكس لوكسمبورغ» في لوكسمبورغ، وبعد اعتقاله هناك حكمت عليه المحكمة بتعويض مالي لصالح شركات التأمين التي تتعامل مع الوكالة، يشمل الجزء المسروق وليس الجزء المؤمن، وأضاف السملالي بأن بختي، بعد أن فر من سجنه خلال فترة الاستئناف، عمل مع بلعيرج على استثمار الأموال المسروقة في عقارات ومنقولات في المغرب، منها فندق «فيشن» في مراكش الذي يديره صلاح بلعيرج شقيق عبد القادر بلعيرج، وأنه عندما اعتقل في المغرب، طالب السملالي باسم الضحايا بالحق المدني على أساس أن القانون المغربي يعاقب مواطنيه إذا ارتكبوا أفعالا إجرامية خارج البلاد، وأن الدولة المغربية مطالبة بإعادة الأموال التي ضبطت بحوزة المعتقلين. وكان الأكثر إثارة في هذه الجلسة هو مرافعة ممثل النيابة العامة، حيث وصف عبد القادر بلعيرج بأنه زعيم خلية إرهابية خطيرة وأن له علاقات بعدد من قيادات المنظمات الإرهابية على المستوى الدولي، واستعرض ممثل النيابة العامة ما اعتبرها وقائع اعترف بها بلعيرج خلال البحث التمهيدي، منها علاقته بشخص ينتمي إلى تنظيم «حركة المجاهدين في المغرب» الذي أخبره أنهم وقعوا اتفاقا مع الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلا الذي كان يعارض النظام الجزائري آنذاك لإدخال أسلحة إلى الجزائر، وأنه سافر رفقة ثلاثة جزائريين إلى لبنان، حيث التقى أحد كوادر تنظيم إسلامي لبناني، وتلقوا على يديه دروسا نظرية في استعمال الأسلحة ومتفجرات، خصوصا رشاش الكلاشينكوف. كما حاول إدخال أسلحة إلى المغرب عبر أخيه بن عيسى بلعيرج الذي يقيم في بلجيكا، لتسليمها لأحد أتباعه في المغرب، لكن هذا الأخير رفض ذلك.

وأضاف ممثل النيابة العامة أن بلعيرج اعترف أيضا أنه خلال إقامته في الجزائر، تعرف على أبو علي الفلسطيني، قائد تنظيم أبو نضال، الذي كلفه عام 1988 بجمع معلومات حول شخصيات خليجية ويهودية وازنة تقيم في بلجيكا، ليقرر بعدها في عام 1989، تصفية ثلاثة يهود في بلجيكا، وهم شاب شاذ جنسيا، وشاب آخر يملك محلا للأعشاب الطبية وهو طبيب ومنسق الحركات اليهودية في بلجيكا، إلى جانب تصفيته عبد الله الأهذب، الذي كان مديرا للمركز الإسلامي في العاصمة البلجيكية بروكسيل، وهي الواقعة التي قتل فيها مواطن تونسي عن طريق الخطأ، كان حاضرا مكان وقوع الجريمة، بالإضافة إلى قتل مصري يعمل في السفارة السعودية في بلجيكا. وأشار ممثل النيابة العامة إلى أن هدف تنظيم أبو نضال الفلسطيني من تكليف بلعيرج باستهداف سعوديين كان الضغط لتمويل تنظيمات فلسطينية خارج منظمة التحرير الفلسطينية.

كما أشار ممثل النيابة العامة إلى أن بلعيرج اعترف بأنه في عام 1994 تعرف على أحد الأعضاء السابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، الذي أخبره أنه يتوفر على كمية من الأسلحة يريد التخلص منها، واقتناها بلعيرج وأخفاها في بروكسيل ثم نقلها إلى المغرب، وسلمها لعبد الرحيم بختي وشخص آخر، ليتم إخفاء الأسلحة في منزل عبد العالي الشغانو المتابع أيضا في هذا الملف في مدينة الناضور (شمال المغرب).

وقال ممثل النيابة العامة إن بلعيرج اعترف أنه عقد في عام 1992 اجتماعا سريا حضره مصطفى المعتصم ومحمد المرواني ومحمد أمين الركالة وماء العينين العبادلة بصفتهم قياديين لتنظيم «الاختيار الإسلامي» وجميعهم متابعون في القضية، وأن العبادلة قدمه لهم على أنه مغربي يقيم في بلجيكا، له توجه إسلامي وعلاقات، حسب النيابة العامة، بالمنظمات الإرهابية، مما جعل المعتصم حسب النيابة العامة يلح على ضرورة إنشاء جناح مسلح للتنظيم وهو الطرح الذي حسب النيابة العامة، أيده المرواني بعد أن أبدى بلعيرج استعداده لتزويده بالأسلحة، ليعقد اجتماع في منزل المرواني في الرباط حضره كل من رضوان الخالدي المتابع أيضا في الملف والمعتصم، مشيرا إلى أن المعتصم أصدر فتوى تقضي باغتيال أحد عناصر التنظيم يدعى بلقاسم الأبيض، بعد أن حامت شكوك بأنه يتعامل مع المخابرات المغربية، وكان وراء اختلاس أموال من إيران لتنظيمه، وخطط الجميع عام 1994 للسطو على سيارة نقل الأموال تابعة لأحد المصارف في سوق ممتاز في مدينة فاس، وأن المعتصم وبخ بشدة منفذيها على فشلها، ليتم في اجتماع آخر، التخطيط لتصفية اليهودي بابي ازنكوط في الدار البيضاء، بعد أن كلف الخالدي بجمع معلومات حول اليهود المغاربة في المدينة نفسها.

وأضاف ممثل النيابة العامة أن بلعيرج اعترف بأنه التقى عام 1999 بأحد قياديي الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، وأنه خلال تلك الفترة زار أفغانستان وتناول العشاء مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري وقدم لهما باسم أبو ياسر، وتعرف أيضا على جزائري يعمل على استقطاب متطوعين لحساب «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية، ليطلب منه تخصيص معسكرات لتدريب متطوعين مغاربة، كما كلف عام 2004 من طرف تنظيم القاعدة باقتناء أسلحة وتسليمها لعناصرها في المملكة العربية السعودية، وزار من أجل ذلك، مكة المكرمة والرياض والتقى خلالها بأتباع تنظيم القاعدة.

وختم ممثل النيابة العامة مرافعته بأن بلعيرج اعترف بجميع الوقائع باستثناء واقعة السلاح والقتل العمد، مشددا على أن محاضر تحقيق الشرطة البلجيكية تؤكد فعلا نيته في القتل. وتطرق ممثل النيابة العامة إلى اعترافات المعتصم، الذي أقر بانتمائه خلال السبعينات، لتنظيم الشبيبة الإسلامية، بعد أن استقطب من طرف مؤسسها عبد الكريم مطيع الذي يعيش حاليا في ليبيا بعد اغتيال القيادي في الاتحاد الاشتراكي عمر بنجلون عام 1975، وأنه تعرف على المرواني عام 1978 في كلية العلوم في الرباط وفكرا معا في تأسيس تنظيم سري لمواجهة النظام المغربي، وهو ما تحقق عام 1981 بخلق تنظيم «الاختيار الإسلامي» الذي كان من مؤسسيه أيضا محمد أمين الركالة ومحمد السقاط، وأثار الاسم الأخير، حفيظة المعتصم الذي ثار في وجه ممثل النيابة العامة واتهمه بالكذب، كونه خلال التحقيق لم يشر لاسم السقاط مطلقا.

وبعدها استرسل، ممثل النيابة العامة إلى أن المعتصم، خلال اجتماع عقد في طنجة حضره المرواني والركالة وماء العينين العبادلة، نسق هذا الأخير بين عناصر الاختيار الإسلامي وخلية بلعيرج التي أظهرت كامل استعدادها لتمويل الحركة، وتزويد جناحها المسلح بالأسلحة، للقيام بعمليات السطو على مؤسسات مالية وتجارية ومحلات لبيع المجوهرات يملكها يهود مغاربة للحصول على تمويل.

كما أكد المعتصم حسب النيابة العامة في اعترافاته، أن المرواني كان يتوفر في أحد الاجتماعات على مسدسين، قال إنه تسلمهما من بلعيرج أحضرهما من بلجيكا من أجل أنشطة الجناح المسلح للتنظيم. والأمر نفسه بالنسبة للمرواني حسب النيابة العامة، الذي أشار إلى أنهم في عام 1990 قرروا استهداف سيارة بها أموال محصلة من أداء فواتير الماء والكهرباء، ليقاطع المحامي خالد السفياني النيابة العامة احتجاجا على استعمال عبارة «يقول المرواني» على أساس أن الملف ملفق، طالبا من رئيس الجلسة بأن تقتصر النيابة العامة فقط على عبارة «حسب ما جاء في المحضر»، وثار جدل بين هيئة الدفاع والنيابة العامة واضطرت هيئة المحكمة للانسحاب من الجلسة، وفي غضون ذلك رفعت عائلات المعتقلين شعارات منددة داخل القاعة، قبل أن تعود هيئة الحكم إلى الجلسة، وتؤجلها بناء على طلب النيابة العامة إلى يوم غد الاثنين.