فضيحة الحسابات السرية لأغنى امرأة في فرنسا تتفاعل.. ودعوات لاستقالة وزير المالية السابق

ساركوزي يدعم الوزير وورث وزوجته تستقيل قريبا من خدمة الثرية فلورانس بتنكور

وزير العمل الفرنسي اريك ورث يغادر قصر الاليزيه بعد الاجتماع الوزاري الاسبوعي في باريس في مايو الماضي (رويترز)
TT

لم يكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بحاجة إلى هذه «الفضيحة» الجديدة ولا أن يكون «بطلها» وزير العمل الحالي، وزير المالية السابق إريك وورث الغارق حتى الأذنين في مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي أنزل مئات الآلاف من الفرنسيين إلى الشوارع في أكثر من 200 مظاهرة ضمت أكثر من مليون شخص. الحكومة تطلب من الفرنسيين «تضحيات» أساسية منها تأجيل سن التقاعد القانوني إلى 62 عاما (بدل ستين عاما حاليا) وإطالة فترة المساهمة في الصناديق التقاعدية، فضلا عن إلغاء الوظائف في القطاعات العامة بالآلاف بما في ذلك التعليم والصحة والوزارات على اختلافها بما في ذلك الدفاع. وتستعد الحكومة لإقرار سياسة تقشفية على غرار ما تم في بريطانيا وقبلها في إسبانيا وإيطاليا واليونان لخفض المديونية العامة وتحاشي تكرار «السيناريو الإغريقي».

وفي ظل هذه الأوضاع الرمادية، كشفت تسجيلات هاتفية أجريت في منزل ليليان بتنكور، وريثة شركة «لوريال للصناعات التجميلية» وأغنى امرأة في فرنسا، أن الأخيرة تملك حسابات سرية في مصارف سويسرية وفي جزر السيشيل. وهذا الخبر بذاته لا يدعو إلى الدهشة. فالوزير الفرنسي (جعل كوزير للخزانة) حارب المتهربين من دفع الضرائب عن طريق فتح حسابات سرية في الفراديس المالية (سويسرا، ليشنشتاين، الجزر الأنغلو - نورماندية جيرسيه وغيرنوسيه وأخرى غيرها) واستحصل على لائحة من بنك سويسري تتضمن 3000 اسم لمواطنين فرنسيين لهم حسابات سرية في سويسرا ودعا هؤلاء إلى «تسوية» أوضاعهم مع مصلحة الضرائب قبل فوات الأوان.

والحال أن فضيحة ليليان بتنكور أنها تصيب من إريك وورث مقتلا إذ أن المعلومات المتوافرة تدعو إلى الاعتقاد أن وورث «غض النظر» عن حسابين بقيمة 80 مليون يورو تملكهما الأرملة الثرية البالغة من العمر 87 عاما في سويسرا. والأسوأ من ذلك أن فلورانس وورث، زوجة الوزير تعمل في الخلية المولدة إدارة ثروة ليليان بتنكور. ولذا يعتقد الكثيرون أنه لا يمكن إلا أن يكون على اطلاع على وجود الحسابين السريين. ومنذ البداية، لجأ وورث إلى خط دفاعي واحد: لم يكن على علم بذلك ولا تناقض بين عمله وزيرا للمالية وظيفته ملاحقة الغشاشين والمحتالين على مصلحة الضرائب الفرنسية وبين عمل زوجته لدى الثرية النسائية الأولى في فرنسا (وخصوصا في الخلية المولدة) مساعدتها على التهرب من الضرائب. ولاكتمال المشهد، تجدر الإشارة إلى أن وورث هو في الوقت عينه أمين صندوق حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم وبصفته هذه تلقى مساعدات مالية من السيدة بتنكور.

غير أن خط دفاع الوزير إزاء ما تحمله الأيام من مفاجآت يوما بعد يوم انهار تماما عندما كشف مدعي عام محكمة نانتير (غرب باريس) فيليب كوروا أنه أبلغ وزارة المال منذ بداية عام 2009 بوجود مؤشرات تدل على وجود عمليات تهرب من الضرائب بخصوص بتنكور. غير أن الوزارة لم تطلب إجراء أي تحقيق مما يدفع إلى الظن أن وورث قد يكون تدخل لتأخير فتح تحقيق أو لمنع فتحه نهائيا. وكانت معلومات أخرى أفادت أن وورث قام شخصيا بتقليد وسام جوقة الشرف لباتريس دو ميتر، مدير أعمال ليليان بتنكور والرئيس الإداري لفلورنس وورث، زوجة الوزير التي أعلنت أنها تنوي الاستقالة قريبا من منصبها من غير تحديد تاريخ دقيق.

إزاء هذه التطورات، التفت الحكومة حول وورث ودافعت عنه وكذلك فعل رئيسها فرنسوا فيون. لكن الرئيس ساركوزي دخل بنفسه على الخط في الساعات الأخيرة باعتبار أن وورث «بيدق أساسي» يحتاج إليه في عملية إصلاح النظام التقاعدي. وأمس، نقلت أوساط الإليزيه عن الرئيس الفرنسي قوله إنه «لا مآخذ لديه» عليه (على وورث) الذي وصفته بأنه «وزير ممتاز». وكان الأخير قد نفى بشدة أن يكون قد تدخل لوقف إجراء تحقيق بحق بتنكور. وذهب إلى التأكيد على أنه أمر بتحقيق عن الفنان لفرنسوا ماري بانيه، صديق الثرية الفرنسية التي حصل منها على أموال بأشكال مختلفة تصل إلى مليار دولار. ويوم الخميس الماضي بدأت محاكمة بانيه في الدعوى المقامة ضده من قبل ابنة بتنكور التي تتهمه باستغلال ضعف والدتها لاختلاس أموالها. ويريد وورث بذلك تأكيد أنه بريء وبعيد عن أي شكل من أشكال التدخل في عمل القضاء أو الأجهزة المالية لمنعها من فتح ملف بتنكور.

ولم يكف ذلك لإسكات المعارضة التي تطالب باستقالة وورث ومنعها من التنديد بهذه الممارسات التي تصيب سمعة الوزير وورث وتضعف الحكومة والرئيس ساركوزي فيما التعبئة ضد مشاريع الإصلاح تكبر بين الفرنسيين الذين يعدون بخريف «حار». والحال أن ساركوزي يعول على إصلاح نظام التقاعد لإحراج الاشتراكيين ولجعله منطلقا لعودته القوية إلى الساحة السياسية مع اقتراب رئاسته لمجموعة الثمانية ولمجموعة العشرين العام القادم وهو العام المحوري الذي يسبق الانتخابات الرئاسية والتشريعية ربيع العام 2012.