التقارب مع طالبان يثير فزع الأقليات الأفغانية

قادة الطاجيك والأوزبك والهزارة تعهدوا باستمرار المقاومة

TT

تثير مساعي الرئيس حميد كرزاي للتوصل إلى اتفاق مع قيادات طالبان، والمساندين لهم داخل باكستان قلقا عميقا في أوساط مجموعات الأقلية في أفغانستان، التي قاتلت ضد طالبان لفترة طويلة، وتحملت القدر الأكبر من المعاناة خلال فترة حكم الحركة الأصولية.

من جانبهم، يعلن قادة الطاجيك والأوزبك والهزارة في البلاد، التي تقترب في مجموعها من نصف سكان أفغانستان، تعهدهم بالمضي قدما في المقاومة - والقتال إذا لزم الأمر - في مواجهة أي اتفاق يتضمن إشراك أعضاء بجماعة طالبان المتمردة، في ترتيب للتشارك في السلطة مع الحكومة.

وانطلاقا من استيائهم إزاء المناقشات الدائرة بين الرئيس كرزاي ومسؤولين بالمؤسستين العسكرية والاستخباراتية الباكستانية، شرع زعماء الأقليات في اتخاذ خطواتهم الأولى باتجاه التنظيم، ضد ما يخشون من أن يكون رغبة دفينة لدى كرزاي لاستعادة هيمنة عرق البشتون على البلاد، الذين حكموا أفغانستان لأجيال.

الملاحظ أن النزاع القائم الآن يكاد يكون مطابقا لما سبق، وإن ظهر خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية الأفغانية التي بدأت في أعقاب انسحاب الاتحاد السوفياتي عام 1989، وانتهت بالغزو الأميركي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. خلال الحرب، لقي أكثر من 100000 أفغاني مصرعهم، معظمهم من المدنيين، ونفذت طالبان، خلال فترة حكمها التي استمرت خمسة سنوات في العاصمة كابل، الكثير من المذابح الكبرى ضد مدنيين من عرق الهزارة.

في هذا الصدد، أعرب رحمن أوغلي، النائب البرلماني من الأوزبك، الذي كان في وقت مضى عضو بميليشيا معادية لطالبان، عن اعتقاده بأن «كرزاي يعيد أفغانستان إلى قبضة (طالبان). إذا رغب في إشراك طالبان، سيشرعون في استخدام القوة، ثم سنعاود السقوط في هوة الحرب الأهلية وستنقسم أفغانستان».

وتمثل حالة الاغتراب المتعمقة التي تعتري المجتمعات غير البشتونية داخل أفغانستان معضلة أمام الأميركيين وشركائهم داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ذلك أن القادة العسكريين الأميركيين خلصوا إلى أن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب التوصل لتسوية سياسية، لكن من خلال مساعدتهم كرزاي على إبرام اتفاق، فإنهم يخاطرون بذلك بإشعال اضطرابات عرقية داخل أفغانستان.

وجرت محادثات بين كرزاي والقيادات الباكستانية هنا وفي إسلام آباد على مدار أسابيع عدة، وتناول بعضها إضفاء الشرعية على متمردي طالبان.

ويقول زعماء الأقليات الأفغانية إن الرئيس كرزاي يبدو عاقد العزم على منح زعماء طالبان نصيبا من السلطة - وإعطاء باكستان نفوذا كبيرا داخل البلاد. من ناحيتهم، يساعد الأميركيون، الساعون بجد لإنهاء مشاركتهم هنا، كرزاي، بينما يتجاهلون المعارضة الأفغانية، حسبما ذكر زعماء الأقليات.

من ناحيته، قال أوغلي إنه صدم بموقف الأميركيين وحلفائهم في «الناتو»، الذين يرى أنهم يحثون كرزاي على المضي قدما في توجهه الراهن. وأضاف: «إننا نفقد ثقتنا في أصدقائنا الأجانب».

من ناحية أخرى، أبدى أدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قلقه من «الانقسام القوي بين الطاجيك والبشتون»، مشيرا إلى أن القيادات الأميركية وقادة «الناتو» يحاولون إحباط أي تحرك نحو تجدد أعمال العنف العرقي. وأضاف مولن خلال مقابلة عقدت معه: «يحمل هذا الوضع إمكانية تمزيق أوصال البلاد، وهذا لن نسمح به».

جدير بالذكر أن الأقليات الأفغانية - خاصة الطاجيك - شكلت دوما أكثر الحلفاء الأميركيين الذين يمكن الوثوق بهم، ومثلوا النسبة الأكبر من الجيش المناهض لطالبان، الذي أمده الأميركيون بالعون في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

الملاحظ أن الوضع ازداد تعقيدا بسبب الظروف السياسية المرتبطة بالجيش الأفغاني، الذي يعد دعامة الجهود التي تتزعمها واشنطن لتمكين المؤسسة العسكرية الأفغانية من السيطرة على الوضع في البلاد. يعكس المزيج العنصري داخل الجيش تقريبا النسب الموجودة بين السكان، علاوة على أن الوحدات المشاركة في ميادين القتال ذاتها تكون مختلطة. إلا أنه يسود اعتقاد بأن الجزء الأكبر من العناصر المشاركة في أعمال القتال من غير البشتون.

حاليا، تظهر مؤشرات متنامية على وقوع انقسامات عرقية داخل الجيش. على سبيل المثال، قرر الرئيس كرزاي أخيرا عزل بسم الله خان، رئيس أركان الجيش الأفغاني، وأوكل إليه بدلا من ذلك مسؤولية وزارة الداخلية. يذكر أن خان ينتمي لعرق الطاجيك، وزعيم سابق في «التحالف الشمالي»، وهي القوة التي حاربت طالبان في السنوات السابقة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول). والمؤكد أن الشخص الذي سيقرر كرزاي وضعه محل خان سيخضع لمراقبة شديدة.

من مصادر التوتر التي ظهرت أخيرا استقالة أمر الله صالح، رئيس الاستخبارات الأفغانية والمنتمي إلى الطاجيك. ويجري النظر على نطاق واسع إلى صالح باعتباره أحد أكثر مساعدي كرزاي كفاءة، وجاءت استقالته بعد تصريح كرزاي بأنه فقد الثقة في قدرة صالح على الاضطلاع بمهام عمله. بجانب خان، رئيس هيئة الأركان السابق، كان صالح مساعدا سابقا لأحمد شاه مسعود، القائد الأسطوري الذي قاتل ضد الاتحاد السوفياتي وطالبان. ومنذ استقالته من الحكومة، شرع صالح في تنفيذ ما يبدو أنه حملة سياسية. في تلك الأثناء، بدأت شخصيات أفغانية أخرى بارزة بذل جهود تنظيمية على طول خطوط عرقية، فمثلا، استضاف عبد الله عبد الله، وزير الخارجية السابق والمرشح الرئاسي، تجمعات داخل مزرعته الواقعة خارج كابل. وخلال مقابلة أجريت معه، قال إنه يستعد لإعلان تشكيل ما يعد بمثابة حزب معارضة. وقال عبد الله، المنتمي إلى تراث بشتوني وطاجكي، إن حركته ستضم أفغانا من مختلف الأطياف العرقية الكبرى. لكن مصدر قوته تاريخيا ارتبط دوما بالطاجيك في أفغانستان.

وأوضح عبد الله أنه اختلف مع الجزء الأكبر من سياسة التعاون التي نفذها كرزاي تجاه طالبان وباكستان، مؤكدا أنه من المستحيل التشارك في السلطة مع زعماء طالبان بسبب دعمهم الإرهاب ونمط الإسلام الاستبدادي الذي يحاولون فرضه على البلاد. وأضاف: «إننا نشرك طالبان في الحكومة، ونمنحهم السيطرة على إقليم أو اثنين. لو كان هذا هو تفكير القائمين على البلاد، فإن الأمر لن يتحقق بالشكل الذي يتصورونه. إن أي شخص يفكر على هذا النحو ضل طريقه تماما».

* خدمة «نيويورك تايمز»