القرغيز يقبلون بقوة على الاستفتاء لطي صفحة الاضطرابات

خطوة نحو إقامة أول نظام ديمقراطي برلماني في المنطقة

أعضاء لجنة انتخابية محلية يعدون الأصوات في مركز اقتراع بمدينة أوش القرغيزية أمس (أ.ب)
TT

أجرت قرغيزستان استفتاء تاريخيا أمس لإقامة أول نظام ديمقراطي برلماني في آسيا الوسطى، وكانت نسبة الإقبال مرتفعة فيما يبدو رغم شهور من الاضطرابات السياسية وموجة من العنف العرقي. وقتل 283 شخصا على الأقل هذا الشهر، وربما مئات آخرون، في أعمال عنف بين الجماعتين العرقيتين الرئيسيتين في جنوب قرغيزستان التي تستضيف قاعدة عسكرية أميركية وأخرى روسية ولها حدود مع الصين.

ووصلت رئيسة الحكومة المؤقتة روزا أوتونباييفا في موكب وسط إجراءات أمنية مشددة إلى مدينة أوش بجنوب البلاد، التي تمركزت فيها أحداث العنف. وأدلت أوتونباييفا التي كانت مبتسمة وبدا عليها شعور بالارتياح بصوتها في جامعة محلية، وقالت عقب التصويت «بلادنا اليوم على شفا خطر كبير، لكن نتائج هذا الاستفتاء ستظهر أن البلاد موحدة، وأن الشعب واحد. ستقف قوية على قدميها وتمضي قدما».

وتقول الولايات المتحدة وروسيا إنهما ستدعمان حكومة قوية لتفادي امتداد العنف عبر آسيا الوسطى، وهي منطقة استراتيجية مجاورة لأفغانستان. ويدعو الاستفتاء إلى تأييد تعديلات في الدستور من شأنها نقل سلطات من رئيس البلاد إلى رئيس الوزراء، وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والاعتراف الدبلوماسي بالحكومة المؤقتة. وقالت اللجنة المركزية للانتخابات إن 43.14% من الناخبين أدلوا بأصواتهم بحلول الساعة الثالثة بعد الظهر، بعد سبع ساعات من فتح مراكز الاقتراع في أنحاء البلاد التي يسكنها 5.3 مليون نسمة.

وبموجب الدستور الجديد ستظل أوتونباييفا، وهي المرأة الوحيدة التي تقود دولة في آسيا الوسطى، الرئيسة المؤقتة حتى نهاية عام 2011 قبل أن تتنحى. وستجرى الانتخابات البرلمانية كل خمسة أعوام، ولن يحكم الرئيس إلا لولاية واحدة مدتها ستة أعوام.

وتولت أوتونباييفا، وهي سفيرة سابقة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا، السلطة بعد الانتفاضة التي أطاحت في ابريل (نيسان) الماضي بالرئيس كرمان بك باقييف. وعلى الرغم من أنها تنحدر من الجنوب فقد بذلت جهدا كبيرا للسيطرة على المنطقة التي تمثل معقلا لعائلة باقييف.

كما تسبب العنف في زيادة الانقسامات بين القرغيز والأوزبك الذين يتساوى عددهم تقريبا في الجنوب. ويقول الكثيرون ممن ينحدرون من أصول أوزبكية إنهم كانوا مستهدفين بالعنف، وإنهم لا يرغبون في دعم ما يعتبرونه مبادرة قرغيزية. غير أن الكثير من الأوزبك أقبلوا على التصويت، وانطلق بعضهم من منازل كانت قد احترقت خلال العنف. وتعانق أصحاب لم يتلاقوا منذ أعمال العنف الدموية التي انطلقت في 10 يونيو (حزيران) الحالي، بينما كانوا يقفون في الصفوف أمام مراكز الاقتراع بمدينة أوش.

وحمل مسؤولو انتخابات يرافقهم حراس مسلحون صناديق اقتراع شفافة إلى أفراد منعهم الخوف من دخول مراكز الاقتراع. وقام المسؤولون بتسجيل علامات المشاركة أمام أسماء الناخبين في الكشوف بينما كان أصحابها يدلون بأصواتهم. وقال أندريه عبد اللاييف، وهو من الأوزبك ومن المحاربين خلال الحرب السوفياتية في أفغانستان «علينا أن نجتاز هذه المرحلة المضطربة، لكن عندما تصبح هناك حكومة حقيقية ستستقر الأوضاع مرة أخرى».

وحذر خبراء ومنظمات غير حكومية من خطر تنظيم هذا الاستفتاء في الظروف الراهنة. واعتبرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن هذا القرار إضافة إلى إعادة عشرات آلاف اللاجئين إلى مناطق «تكاد تكون غير صالحة للسكن» يهددان «بمفاقمة التوتر» بين القرغيزيين والأقلية الأوزبكية.

ونظرا للمخاوف الأمنية، رفضت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تضم 56 دولة إرسال مراقبين إلى أوش وجلال آباد، وهي مدينة أخرى في جنوب البلاد اجتاحها العنف. وقال جانيز لينارسيتش، رئيس وحدة مراقبة الانتخابات في المنظمة، متحدثا من العاصمة بشكيك، إن المنظمة لديها مخاوف بخصوص الاستفتاء، لكن تتمنى أن تكون نسبة الإقبال مرتفعة.

وفي بشكيك، حيث يتوقع أن يحظى تعديل الدستور بدعم واسع النطاق، دوى النشيد الوطني من مكبرات للصوت داخل مراكز الاقتراع إيذانا ببدء التصويت في الثامنة صباحا. وقالت أولغا شوشبانوفا (84 عاما) بعد أن أدلت بصوتها «لا يمكن أن توجد دولة بلا قانون أساسي، لذا علينا أن نضع نهاية لهذه الفوضى». وأضافت «أعيش هنا منذ 1950، وأود أن أرى قرغيزستان تنعم بالنظام والسلام والرخاء».