السفارة الأميركية تطلق حملة تصحيح ضد الإعلام المناوئ لها في باكستان

المركز الإعلامي يطلق برنامج «التصويبات».. ويرفع عدد موظفيه للمهمة

TT

وُصِفت بعض التقارير التي بثت في الإعلام الباكستاني بأنها «نسج خيال شخص مريض بجنون العظمة»، كتلك التي ذكرت أن الباكستانيين يجري تجريدهم من ملابسهم في المطارات الأميركية. ووصفت أخرى بأنها «كاذبة وتنطوي على نوايا خبيثة» مثل تلك الذي تحدثت عن نقل القوات الأميركية لقادة طالبان باكستان إلى أفغانستان بهدف تدريبهم على الحرب ضد الجيش الباكستاني.

ويقول مسؤولو السفارة الأميركية في إسلام آباد إن السفارة سعت على مدار ثمانية أشهر إلى إصدار بيانات تفند فيها الأخطاء الكبرى بشأن السياسة الأميركية الخارجية التي تجدها في الإعلام الباكستاني العاصف. ويعتبرون أنها مهمة شاقة لا تضطلع بها أي بعثة دبلوماسية أميركية أخرى في العالم، لأن الولايات المتحدة لم تواجه مثل هذا الازدراء والتشويه في أي مكان آخر.

يتم نشر هذه التصريحات تحت عنوان «تصويب لما نشر»، وتصدر عدة مرات في الشهر. ويصعب تبيان مدى فاعلية هذه البيانات، بيد أنها تعتبر تأريخا لوقائع المعركة التي تواجهها الحكومة الأميركية في إطار جهودها غير المتقنة في بعض الأحيان للتأثير على الرأي العام.

تنظر إدارة الرئيس باراك أوباما إلى باكستان على أنها شريك محوري في الحرب ضد الإرهاب، وقد أمضت العام الماضي تحاول إقناع الباكستانيين بأن الولايات المتحدة حليف دائم وحسن النوايا. وحتى الآن لم يغير الرأي العام الباكستاني من قناعاته. فقد أظهر استطلاع الرأي أجراه مركز «بيو» للأبحاث، أن 17% من الباكستانيين ينظرون بإيجابية إلى الولايات المتحدة، فيما عبر 8% عن ثقتهم بالرئيس أوباما، وهى أدنى نسبة يحصل عليها أوباما في 22 دولة.

واجهت هذه التصويبات نظريات راسخة تصف الولايات المتحدة بالدولة التي تميل إلى حبك المؤامرات، وأنها هي التي تقف خلف التفجيرات الهائلة التي ضربت باكستان، أو التخطيط لعمليات تسلل «ضخمة» من قبل قوات مشاة البحرية الأميركية في المناطق القبلية الباكستانية، والتي وصفها بيان التصويب «بالكاذبة تماما».

تأتي حملة التصويبات في الوقت الذي يتعاظم فيه حجم وتأثير الإعلام الباكستاني. ففي عام 2002، كانت هناك قناة تلفزيونية واحدة مملوكة للدولة، أما الآن فهناك أكثر من 90 قناة خاصة، إضافة إلى عدد لا يحصى من الصحف والمجلات والدوريات.

يتمتع الصحافيون في باكستان بحرية في حدود معينة غامضة، حيث يتجنب الكثير منهم انتقاد المؤسسة الأمنية القوية، على الرغم من الجرأة الكبيرة التي يحظون بها في انتقاد الحكومة المدنية. ودائما ما توصف الحكومة الأميركية التي تحاول توسيع وجودها هناك بأنها المتآمر الأكبر، وهو وصف يشكو المسؤولون الأميركيون من أنه يتعاظم عندما لا يسعى الصحافيون الباكستانيون إلى وجهة النظر الأميركية بشأن الأحداث.

بيد أن بعض المراقبين يقولون إن المشكلة الحقيقية تكمن في العلاقات التي تشبه روايات الجواسيس، فالأسرار التي تحيط بعلاقات الدولتين خلقت نوعا من الفراغ جعل من السهولة ملأه بالشائعات.

ويرى بعض الصحافيين الباكستانيين أن رفض المسؤولين في السفارة الأميركية التعليق على الأنباء هو السبب في ذلك. ويقول المحلل الإعلامي عدنان رحمات «ليس لدولتنا تاريخ في التصريح بالمعلومات. الصحافيون الباكستانيون بطبيعتهم عدائيون، فالعدائية تأتي من الفراغ الذي تخلقه هذه السرية».

وقال هوما يوسف، كاتب الرأي في صحيفة «دون» الباكستانية «الموقف يزداد تأزما عندما تأتي تأكيدات ضمن تقارير إعلامية أميركية، لما ينشر عن نظرية المؤامرة، فالطائرات من دون طيار التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اتضح أنها كانت بتنسيق مع القوات الباكستانية على الرغم من الإنكار الرسمي الحكومي». وماذا بشأن القوات الأميركية الموجودة على الأراضي الباكستانية؟. أكدت القوات الأميركية في عام 2008 أن قوات الكوماندوز الأميركية قامت بغارة أرضية، وأعلنت مؤخرا أن هناك 200 عنصر من القوات الخاصة الأميركية يقومون بتدريب الجيش الباكستاني.

بيد أن يوسف يرى أن الكثير من الصحافيين يحاولون حبك الأخبار، ويقول «إذا استطعت الحصول على معلومة ولو بسيطة وقمت بتحويلها إلى قصة تثبت أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر، فستسهم في ارتفاع توزيع صحيفتك».

يقول مسؤولو السفارة إنهم زادوا من تعاونهم مع وسائل الإعلام الباكستانية، لكن المركز الصحافي بالسفارة، الذي تقرر رفع عدد أعضائه خمسة أفراد العام القادم، أصغر من أن يضطلع بمهمة كهذه.

ويقول لاري شوارتز، المتحدث باسم السفارة الأميركية، إن المبعوث الأميركي للمنطقة ريتشارد هولبروك التقى الصحافيين الباكستانيين خلال عدد من الزيارات التي قام بها إلى المنطقة، كما قام الكثير من المشرعين الأميركيين بذلك خلال مرورهم بها، فهم يركزون في الغالب على جوانب العلاقة الأقل سرية في بين الولايات المتحدة وباكستان، مثل المساعدات المقدمة لمنشآت الطاقة والمدارس. وقال شوارتز «نحن نحاول حقا تطوير علاقة ذات مغزى وداعمة مع هذه الدولة، وحملة الافتراء التي نراها في وسائل الإعلام تحتاج إلى مواجهة».

وتقول السفارة إن عدوها الأضخم في هذا النزال هو صحيفة «ذي نيشن» الصادرة باللغة الإنجليزية، التي نشرت، في إحدى الحالات، صورا لمنزل تقول إنه كان مستأجرا من قبل عملاء أميركيين يشتغلون لصالح شركة «بلاك ووتر» الأمنية. وقال التصحيح الذي أصدرته السفارة إن المنزل كان مخصصا لسكن عمال المساعدات الأميركيين.

ومؤخرا، أصدرت الصحيفة تقريرا لما سمته «تأكيدا صارخا على الأجندة الأميركية الفاسدة»، عندما نشرت أن قوات الشرطة الباكستانية ألقت القبض على مسؤول أميركي يقود شاحنة محملة بالذخيرة وأسلحة ثقيلة. لكن السفارة ردت على ذلك بأن السيارة كانت تحمل معدات تستخدمها القوات الخاصة الأميركية للتدريب وكانت تحمل موافقة من الحكومة الباكستانية.

وردت شيرين ميزاري، رئيس تحرير صحيفة «ذي نيشن»، على الأسئلة بشأن التغطية الصحافية وتصويبات السفارة في عمودها، وكتبت في مقالها «أكدت لنا الشرطة صدق المعلومة، ومن ثم لم يعد هنا مجال للشك». وكتبت عن المنزل والصور التي التقطت له «إذا رأينا شخصا يقوم بأمر مريب فمهمتنا الإعلان عنه».

لكن سوق الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية صغير نوعا ما. والتلفزيون الذي يحصل 70% من الباكستانيين على أخبارهم منه، ربما يكون الحكم الأكبر بالنسبة للرأي العام. ونادرا ما تصدر السفارة أي بيانات بشأن التقارير التلفزيونية التي تتوافر بكثرة أيضا ويصعب مشاهدتها جميعا.

ويقول رحمات «ربما رغب الأميركيون في إيلاء الأمر أهمية أقل. فبالنظر إلى الزيادة الكبيرة في البرامج، فإن غالبيتها لا علاقة لها بالولايات المتحدة، بل إن بعضها إيجابي، وبدلا من إصدار تصويبات يجب على السفارة إرسال مفكرين وعلماء وفنانين ورياضيين أميركيين، لا مسؤولين من واشنطن، إلى باكستان للاتصال بالصحافيين». وقال «الولايات المتحدة بالنسبة لنا هي إما أوباما وبوش أو 50 سنتا ومايكل جاكسون. نحن نفتقد الوجه الآخر كليا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»