الجزائر: أعيان المذهبين السني والإباضي يوقعون اليوم «ميثاقا» ينهي اقتتالا طائفيا

بعد سنتين من الاحتقان واندلاع حرب شوارع حقيقية

TT

تنهي اليوم طائفتان دينيتان تعيشان في صحراء الجزائر صراعا كبيرا اتخذ شكل نعرات عرقية خلفت العام الماضي قتلى وجرحى وخرابا في المنطقة التي يعيش فيها أفرادهما. ويوقع الطرفان «ميثاقا» يتعهد بموجبه كل واحد بعدم التعرض بسوء للآخر، وبالعمل للحؤول دون «عودة الفتنة الطائفية».

وتعيش مدينة بريان بولاية غرداية (600 كلم جنوب العاصمة) هذه الأيام على إيقاع الصلح بعد سنتين من الاحتقان واندلاع حرب شوارع حقيقية بين أتباع المذهب السني، يسمون «الشعانبة»، وأتباع المذهب الإباضي، يسمون «بني ميزاب». ورغم توقف المواجهات فإن التوتر لا يزال قائما بين الفريقين السني والإباضي، الأول يتحدث العربية، والثاني يتواصل أفراده في ما بينهم باللغة الأمازيغية.

ويتضمن الاتفاق أيضا تعهد الطرفين بالاحتكام إلى وجهاء المدينة في حال نشوب أي خلاف ذي طابع عرقي، بدل اللجوء إلى القوة أو رفع شكاوى في القضاء. كما يتضمن سعي «أهل الحل والربط» ببريان للحؤول دون «عودة الفتنة». وقال مصدر ببريان لـ«الشرق الأوسط» إن أعيان المذهبين طالبوا بحضور وزير الداخلية، دحو ولد قابلية، مراسم الاتفاق.

كان الوزير ولد قابلية الجهة الرسمية التي أشرفت على استتباب الوضع لما كان وزيرا منتدبا للجماعات المحلية العام الماضي. أما وزير الداخلية السابق يزيد زرهوني (نائب رئيس الوزراء حاليا)، فقد اتهم صراحة الحزب المعارض «جبهة القوى الاشتراكية» بالوقوف وراء الأحداث. ويعتبر «القوى الاشتراكية» من الأحزاب النافذة بالمنطقة.

وخلفت أحداث بريان قتلى وجرحى ودمارا كبيرا في المرافق العمومية والأملاك الخاصة خلال العامين الماضيين. وأفادت تحريات الشرطة أن المواجهة اندلعت بعد اعتداء على أحد المصلين بمسجد ببريان مطلع 2008، اندلعت إثرها مشادات بين مئات الشباب من المذهبين. وتواصلت المشادات بصورة متقطعة لأكثر من عام، واتضح أن التعايش بين الفريقين أضحى مستحيلا، وطالب كل منهما الآخر بالرحيل عن المنطقة. ولاحت في نهاية العام الماضي في الأفق بوادر انفراج في الأزمة، لكن سرعان ما تجددت المواجهات بمجرد وقوع احتكاك بين شباب العشيرتين عندما خرجوا إلى الشوارع للاحتفال بتأهل منتخب الجزائر إلى مونديال كرة القدم، بعد مباراة جمعته بالمنتخب المصري في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

واعتقلت قوات الأمن في يونيو (حزيران) 2009 نحو 70 شخصا، قالت التحقيقات إنهم متورطون في الصدامات الطائفية العنيفة. وهددت الحكومة بـ«استعمال العصا الغليظة» ضد الشباب الذين يتظاهرون في الشوارع، إن لم يتوقفوا عن العنف. وما زال المعتقلون في السجون إلى اليوم، بينما دعا أعيان الجهتين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإصدار عفو عنهم. وزار بوتفليقة المنطقة العام الماضي، ودعا سكانها إلى الهدوء.

وأفاد مصدر حكومي بأن الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان كان بفضل جهود مضنية بذلتها أكثر من 30 شخصية دينية تنقلت من مختلف أنحاء الجزائر إلى بريان، ونجحت في التقليل من حدة الضغائن التي تحكمت في النفوس. وحذرت هذه الشخصيات العام الماضي من «فتنة طائفية».