مسؤولو القائمة العراقية في الموصل يتسلحون تحسبا لاغتيالهم

البعض يشتبه في إيران والأكراد.. وآخرون يتهمون حكومة المالكي

TT

منذ الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في مارس (آذار) الماضي والقتلة في مدينة الموصل، التي تقع شمالي البلاد ولا تزال تشهد أعمال عنف، يطاردون أعضاء القائمة العراقية التي فازت بالعدد الأكبر من المقاعد، وذلك في إطار موجة جديدة من العنف تستهدف المسؤولين والقيادة المدنية في الدولة.

فقد تم اغتيال ما يقارب 150 من السياسيين، والموظفين الحكوميين، وشيوخ القبائل، وضباط الشرطة، وعلماء الدين السنة، وأعضاء مجالس الصحوات في مناطق متفرقة من العراق منذ الانتخابات، في نزف للدم يهدف على ما يبدو إلى تصعيد أزمة الفراغ السياسي الذي خلقه مرور ثلاثة أشهر من دون تشكيل حكومة وطنية.

ويعتبر مستوى العنف هذا منخفضا مقارنة بالسنوات السبع الماضية، إلا أنه مع ذلك يثير القلق، لأنه على ما يبدو مركزا للغاية. بالفعل، فهو مقلق بالنسبة إلى ديلدار عبد الله زيباري، أحد القادة المحليين في الموصل، لأنه شبه متأكد من أن هناك من يودون قتله هو وغيره.

وأشار زيباري إلى أنه منذ مارس (آذار) الماضي والقتلة يطاردون أعضاء القائمة العراقية، التي تخوض صراعا مع ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. وقد تحدث إياد علاوي، زعيم القائمة العراقية، في الأيام الماضية عن إحباط محاولة لاغتياله في مطار بغدد الدولي.

هنا في الموصل، إحدى المناطق الأخيرة التي تشهد أعمال عنف بصورة منتظمة، يعتقد القادة السياسيون أن الجهود المستمرة لتشكيل حكومة جديدة تحفز عمليات القتل والشعور العام بالخوف بين السياسيين الذين يمثلون القائمة العراقية. ويشير مسؤولو القائمة إلى أنه تمت تصفية أربعة من سياسييهم في الأشهر القليلة الماضية، ثلاثة منهم قتلوا داخل مدينة الموصل أو حولها. كما كان هناك ما يزيد على 12 محاولة اغتيال أخرى في الأسابيع القلية الماضية. وردا على هذا الاستهداف، قام أعضاء القائمة العراقية بتسليح أنفسهم كما قرر بعضهم الاختباء بعيدا عن الأنظار.

بدلا من السيارات المفخخة التي كانت تستخدم في الماضي، فإن السلاح المستخدم حاليا هو فرق الموت التي تكون مجهزة ببنادق مزودة بكاتم للصوت محلي الصنع، أو «القنابل اللاصقة»، وهي عبارة عن متفجرات صغيرة ولكنها قاتلة توضع على السيارات بمواد لاصقة أو مغناطيس.

ويقول مسؤولو القائمة العراقية إنهم يشكون في أن الجيش العراقي والشرطة متورطون في مطاردتهم، ولم يعودوا عابئين بإبلاغ السلطات عن محاولات القتل التي يتعرضون لها. وهو ما يؤكده زيباري، نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، الذي قال: «يسيطر السياسيون على قوات الأمن، ولا أتوقع عملا محترفا من جانب الجيش لأنني ليس لدي نفوذ سياسي في بغداد. من الممكن حدوث أي شيء في أي وقت».

ويتحدث أعضاء القائمة العراقية بأسى عن حتمية حدوث مزيد من عمليات القتل. ويقول زهير محسن محمد الأعرجي، عضو القائمة العراقية المنتخب حديثا في البرلمان عن مدينة الموصل: «نخشى على أعضائنا في البرلمان، وكذلك على مرشحينا الذين لم يحالفهم الفوز في الانتخابات. لقد انتقل بعض المرشحين من منازلهم، والبعض الآخر لا يذهب إلى عمله بصورة مؤقتة لحماية أنفسهم».

ويعد خوف مسؤولي «العراقية» في الموصل أمرا مألوفا في العراق، التي يكون فيها أي شخص في منصب مؤثر عرضة للتهديد والخطف، بل وأسوأ من ذلك. لكن على الرغم من أن القادة السياسيين خلال العنف الذي شهده العراق في الآونة الأخيرة غالبا ما كانوا يعرفون الذين أرادوا قتلهم، فإن قادة «العراقية» في الموصل يقولون إن السياسة في المدينة أصبحت مضطربة للغاية منذ الانتخابات. وهذه القائمة طويلة ولا نهاية لها وتنطوي على كثير من التناقض والغموض لدرجة أنها تضم كل عدو محتمل: وضع قادة القائمة على قمة قوائمهم إيران وحلفاءها من الميليشيات الشيعية العراقية، الذين تعتقد «العراقية» أنهم عقدوا العزم على القضاء عليها بسبب شعبيتها بين السنة، وانتقاداتها للتدخلات الإيرانية في السياسة العراقية.

وعلى الجانب الآخر، يقول بعض مسؤولي القائمة إن جماعات سنية متطرفة مثل «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، ربما تقف وراء عمليات الاغتيال وذلك بسبب تاريخها في محاولة تصفية السياسيين السنة الذين يشاركون في العملية الديمقراطية.

وتقول القائمة العراقية إنها تشتبه أيضا في الأحزاب السياسية الكردية التي تتنافس معها في الهيمنة السياسية على المحافظة. ومع ذلك، تشير نظرية أخرى إلى أن خلية «القاعدة» الناشطة في الموصل تتلقى التمويل وتتم إدارتها من جانب الإيرانيين والأكراد وذلك للتغطية على دورهم.

لكن مسؤولي «العراقية» في الموصل يركزون معظم اتهاماتهم على حكومة المالكي التي، كما يقولون، وظفت حيلا رخيصة من أجل إبعادهم عن السلطة. ويشير مسؤولو «العراقية» إلى أن معظم الضحايا الذين تم استهدافهم كانوا أعضاء في تجمع «عراقيون»، وهو إحدى الفصائل السياسية المنضوية تحت القائمة العراقية، وهو ما يشير إلى وجود محاولة مدروسة لتخويفهم ودفعهم إلى الانفصال عن «العراقية» والانضمام إلى تحالف المالكي. وفي هذا السياق، قال زيباري مؤخرا، في أحد مقار المجلس المحلي شديدة الحراسة في الموصل: «يرغب الأفراد في السلطة في الاحتفاظ بالسلطة. إنني أخاف من الحكومة المركزية أكثر من خوفي من تنظيم القاعدة».

لكن حكومة المالكي نفت أي دور في حملة العنف التي تستهدف أعضاء القائمة العراقية. ويلقي مسؤولو «العراقية» باللوم على تنظيم القاعدة، لكنهم في الوقت نفسه يقولون إنه من غير الواضح معرفة ما إذا كان الجيش العراقي أو الشرطة متورطة في هذه العمليات.

ويقول علي الموسوي، مستشار للمالكي: «لا يستطيع أحد أن يجزم بشكل تام أن قواتنا الأمنية ليست مخترقة أو لم تتعرض لما يثير الشبهة» من قبل المتمردين. لكن الموسوي يؤكد على أن القائمة العراقية تستغل عمليات القتل لكسب نفوذ سياسي. وقال: «من الخطر استخدام الأمن كجزء من اللعبة السياسية. يجب ألا يلجأ أحد إلى ذلك لتحقيق مكاسب سياسية أو لمحاولة إضعاف رئيس الوزراء أو تحالفه». واستطرد الموسوي قائلا إنه بدلا من الشكوى، يجب أن تعرب القائمة العراقية عن امتنانها للمكاسب الأمنية التي تحققت في العراق في ظل حكومة المالكي. وتساءل مستهجنا: «من الذي حسن الوضع الأمني في العراق، هل الملائكة أم الحكومة؟».

ويقول محافظ نينوى أثيل النجيفي، عضو القائمة العراقية، إن أعضاء القائمة في مدينة الموصل يتعرضون للقتل لأن القائمة تسيطر على المحافظة وعلى أغلبية المقاعد في مجلس المحافظات، وبالتالي تمارس قدرا كبيرا من السلطة. ويضيف النجيفي: «لقد حوصرنا بين إيران و(القاعدة) والصراع مع الأكراد. لا أعتقد أن أمامنا أي طريق للفرار. هذا هو قدر بلادنا». ويقول المحافظ إنه غير مقتنع بأن أعضاء القائمة العراقية الذين تم انتخابهم في الفترة الأخيرة أعضاء في البرلمان العراقي الذين يقيمون الآن في فنادق بغداد شديدة الحراسة سيكونون أكثر أمانا مما كانوا عليه أثناء وجودهم بالموصل. ويضيف: «بل ربما يكون الجو أكثر سخونة في فندق الرشيد ببغداد».

* خدمة «نيويورك تايمز»