كليات النخبة في فرنسا تفتح أبوابها لأبناء المهاجرين.. مضطرة

تخشى فقدان التميز بسبب مطالبة الحكومة لها بقبول 30% من طلاب المنح الدراسية

القبول في الكليات الكبرى، مثل معهد العلوم السياسية بباريس، يضمن وظائف عليا بعد التخرج («نيويورك تايمز»)
TT

تشهد فرنسا تجربة كبيرة تتمثل في تحقيق التنوع في «الكليات الكبرى» التي يسيطر عليها البيض وظلت خاصة بالنخبة وتنتج القادة الفرنسيين في شتى مناحي الحياة. وتعد رزان اليزيدي إحدى رواد هذه التجربة. سجلت اليزيدي، وهي ابنة لأبوين من شمال أفريقيا ويقطنان في ضاحية بوندي الفقيرة شمال شرقي باريس، في أحد البرامج التجريبية التي تهدف إلى مساعدة الأطفال الأذكياء من الفقراء على التغلب على الصعوبات الثقافية الكبرى التي غالبا ما تقود إلى الإخفاق في امتحانات القبول المهمة في المدارس.

وقالت اليزيدي، 20 عاما: «حاليا، لا نزال نشكل مجموعة صغيرة، لكن عندما يصبح هذا العدد كبيرا، سيكون ذلك تقدما حقيقيا. إننا محظوظون، لكن الأمر مخاطرة كبيرة أمامنا». وأضافت: «قد لا نكون نجحنا على الإطلاق» في الوصول إلى إحدى المدارس العليا.

ونظرا لأن القبول في أفضل الكليات الكبرى يضمن بصورة فعالة أفضل الوظائف على مدار الحياة، فإن الحكومة تحث هذه الكليات على زيادة عدد طلاب المنح الدراسية إلى 30%، وهو ما يزيد على ثلاثة أضعاف النسبة الحالية في هذه الكليات الانتقائية. لكن هذه المحاولة تقابلها مخاوف من قبل الكليات الكبرى، التي تخشى أن يؤدي ذلك إلى إضعاف المعايير، كما تثير الغضب بصفة عامة بين الفرنسيين، الذين يخافون أن تتعارض مع أحد المثل العليا الفرنسية وهي نظام الجدارة الذي يتجاهل الجنس والديانة والعرق.

تتبع فرنسا في الغالب نظام تكافؤ الفرص، الذي يديره نخبة مدربة بصورة جيدة وجاءت من نظام تعليمي تحتدم فيه المنافسة. وتأتي الكليات الكبرى في قمة هذا النظام، ويبلغ عددها 220 كلية في مختلف التخصصات. وفي أعلى قمة هذا الهرم يوجد عدد من المؤسسات الشهيرة التي تقبل بضعة آلاف من الطلاب، يتعين عليهم جميعا اجتياز اختبارات القبول التنافسية للغاية.

وقال ريتشارد ديسكوانغ، الذي يدير أكثر كلية تحررية من بين هذه الكليات، وهي «معهد العلوم السياسية في باريس»: «في فرنسا، تحتفل الأسر بالقبول في الكليات الكبرى أكبر من احتفالها بالتخرج في حد ذاته. بمجرد اجتياز الاختبار، فإنك ستظل في وضع جيد لبقية حياتك».

ويقول الناقدون إن النتيجة هي نخبة متجددة ذاتيا من الأثرياء والبيض، الذين يقدمون لأطفالهم المهارات الاجتماعية والدعم المالي والمعرفة الثقافية لاجتياز اختبارات القبول، التي يتم إجراؤها عادة بعد عامين إضافيين من الدراسة المكثفة في مدارس تحضيرية مكلفة بعد المرحلة الثانوية.

والمشكلة ليست ببساطة القاعدة الضيقة من النخبة، لكن شعورها بالرضا عن النفس. وقال ديسكوانغ: «فرنسا لديها عدد كبير للغاية من المشكلات»، مضيفا أن الأفراد الذي يجتازون الاختبارات «أذكياء وماهرون للغاية، لكن السؤال الملح هو: هل أنت مبدع؟ هل أنت مستعد لوضع نفسك في خطر وخوض المعركة؟». ونادرا ما يتم اختبار هذه الصفات في الاختبارات.

لكن هذه الكليات تخشى أن تقوض الحكومة، التميز باسم الهندسة الاجتماعية، وتقول إن العملية يجب أن تبدأ من أسفل السلم التعليمي. وتقول هذه المدارس أيضا إن الدولة ينبغي أن تبحث عن الطلاب الفقراء الذين لديهم القدرة وتساعدهم على دخول المدارس التحضيرية. ومن بين الطلاب في المرحلة الثانوية في فرنسا، وعددهم 2.3 مليون طالب، يدخل نحو 15% الكليات الكبرى أو المدارس التحضيرية. لكن نصف الطلاب في هذه المدارس التحضيرية يخفقون أو يذهبون إلى الجامعات العادية.

في عام 2001، بدأ ديسكوانغ، 52 عاما، الذي يقر أنه أخفق في اجتياز اختبارات القبول في هذه الكليات مرتين قبل أن يتمكن من اجتيازها، برنامج التواصل الخاص به من أجل إعداد الطلاب الأقل حظا على نحو أفضل للدراسة في معهد العلوم السياسية. وفي العام الماضي، قبل هذا المعهد 126 طالبا من طلاب المنح الدراسية من بين مجموعة مؤلفة من 1300 طالب، ثلثاهم لديه أب أو أم فرنسية. لكن ذلك لا يزال بعيدا عن نسبة الـ 30%.

ومن بين هؤلاء الطلاب، أوشكت حورية خميس، 22 عاما، على التخرج في معهد العلوم السياسية - شعبة القانون. ودفع أحد المدرسين في المدارس الثانوية حورية، وهي ابنة لأبوين جزائريين ونشأت في حي سانت دينيس في إحدى ضواحي باريس، إلى حضور البرنامج التحضيري الخاص. وتريد حورية أن تصبح قاضية، «لأن الفرد بذلك سيكون له تأثير مباشر على حياة الناس». وقالت إن الكثير من الطلاب في معهد العلوم السياسية سيصبحون قادة فرنسا «ولأننا هنا، فإن ذلك يعطينا وجهة نظر أخرى».

وقال وليد فقير، 23 عاما، الذي يعد لدرجة الماجستير في المالية العامة: «إنه أمر خطير للغاية أن تغلق فرنسا أعينها وتقول: المساواة، لدينا أفضل قيم في العالم. ذلك ليس كافيا، لا بد أن يكون هناك أيضا تكافؤ في الفرص».

بيد أن الكليات الكبرى الأخرى أكثر تخصصا من معهد العلوم السياسية، حيث تركز على الهندسة وإدارة الأعمال والإدارة العامة والعلوم، وتعد أكثر قلقا بشأن برنامج الحكومة. ويشغل بيار تابي، 52 عاما، منصب رئيس مدرسة الأعمال «إي إس إس إي سي» ومنصب رئيس مؤتمر الكليات الكبرى، الذي يمثل 222 كلية.

وفي حين يحمل تابي نفس الهدف المتعلق بالتنوع الذي تتبناه الحكومة، فإن هناك مسارا تعليميا طويلا قبل اختبارات القبول في هذه الكليات. وقال: «لا يمكننا أن نكون كبش فداء في أي قرار غوغائي لأننا الجانب الأفضل والأكثر شهرة في النظام بأكمله». ويدير الجنرال زافييه مايكل، 56 عاما، «المدرسة المتعددة التقنيات»، وهي إحدى أفضل كليات الهندسة في العالم ولا تزال تخضع لإشراف وزارة الدفاع. وتعد هذه المدرسة تنافسية بصورة غير عادية، ويخضع الطلاب بها للتدريب الأساسي ويستعرضون وهم يرتدون قبعات يرجع تاريخها إلى عصر نابليون، الذي وضع هذه الكلية تحت إشراف الجيش عام 1804.

وقال الجنرال مايكل: «المبدأ الأساسي بالنسبة إلينا هو أن الطلاب لديهم قدرة على القيام بالعمل هنا، وهو أمر صعب للغاية» في ظل الكثير من الرياضيات والفيزياء والعلوم. وأضاف أنه حتى الآن تقبل الكلية 500 طالب فقط في العام، وهي النسبة التي تصل بالكاد إلى 10% من المتقدين الذين تلقوا تعليما خاصا. وقال: «لا نريد إحضار الطلاب الذين يواجهون خطر الفشل إلى هذه الكلية. من الممكن أن تضل طريقك بسرعة كبيرة». وعلى الرغم من الشكوك، وقع مؤتمر الكليات الكبرى في فبراير (شباط) الماضي، في ظل ضغوط كبيرة، على «ميثاق تكافؤ الفرص»، في ظل إلزام الحكومة هذه الكليات بمحاولة الوصول إلى هدف الـ 30% قبل عام 2012 وإلا ستخاطر بفقدان بعض التمويل.

لكن كيفية التوصل إلى ذلك الهدف تظل إحدى نقاط الخلاف. هناك سؤال مهم بشأن كيفية قياس التنوع في دولة يفترض أن يحظى جميع المواطنين فيها بالمساواة ولا توجد إحصاءات رسمية قائمة على الجنس أو الديانة أو العرق. وهناك افتراض في باريس يقول إن المواطنين الفقراء سيكونون أكثر تنوعا، وتوجد بينهم نسبة أكبر بكثير من المسلمين والسود والجيل الثاني من المهاجرين.

وقال وزير التعليم العالي الفرنسي فاليري بيكريس إن الفرنسيين الذين نشأوا في أحد الأحياء الفقيرة يواجهون نفس الصعوبات بغض النظر عن العرق. بيد أن الحكومة تبحث ما إذا كان الاختبار الحالي يعتمد بصورة كبيرة على المعرفة بالتاريخ والثقافة الفرنسية. وقال الوزير: «إننا نفكر بشأن ما إذا كانت هناك صفة تمييزية من الناحية الاجتماعية في هذه الاختبارات أم لا. أريد نفس الاختبارات للجميع، لكنني لا أستبعد أن هذه الاختبارات تتطور، بهدف تحقيق انفتاح اجتماعي كبير والاستفادة من مقدار أفضل من الذكاء لدى الشباب».

* خدمة («نيويورك تايمز»)