أبو الغيط: الأميركيون لديهم خطة بديلة إذا لم ينجحوا في المفاوضات المباشرة

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» الوقت يمر.. ونهج ميتشل يحتاج نصف عقد أو عقدا من الزمان لإعطاء نتائج

أحمد أبو الغيط («الشرق الأوسط»)
TT

التقى أمس أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري، الذي شارك ليل الخميس - الجمعة في اجتماع لجنة متابعة مؤتمر باريس لمانحي الدولة الفلسطينية، جان دافيد ليفيت، مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الدبلوماسية، وذلك قبل مغادرته العاصمة الفرنسية. وفي لقاء صباحي في فندقه مع «الشرق الأوسط»، تناول الوزير المصري بإسهاب الوضع الشرق أوسطي من زاوية المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مؤكدا أنها حتى تاريخه لم تحقق أي تقدم. وشرح أبو الغيط «طريقة عمل» المبعوث الرئاسي الأميركي، السيناتور السابق جورج ميتشل، معتبرا أن هذا النهج يمكن أن يعطي نتائج بعد عشر سنوات»، مما يعني الحاجة إلى تغير في طريقة العمل وضغوط من أكثر من جانب للوصول إلى حل. وفي ما يلي نص الحديث:

* كاترين أشتون مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية تحدثت عقب اجتماع لجنة المتابعة عن استعداد أوروبي للمساعدة، لفتح المعابر وتشغيلها. هل معبر رفح من ضمنها؟

- معبر رفح لا يدخل في كلام أشتون على الإطلاق؛ لأنه لم يكن أبدا مخصصا لنقل البضائع، ولم يستخدم لهذا الغرض منذ اتفاق أوسلو في عام 1993، حتى اليوم. وبعد عام 2005 وانسحاب إسرائيل من غزة، لم يستخدم لنقل البضائع. وفي أي حال، الموضوع لم يطرح في اجتماعنا؛ لأن المعبر المذكور مفتوح، والفلسطينيون يعبرون منه في الاتجاهين. في المقابل ما تمت مناقشته هو أن تفتح المعابر الإسرائيلية بالشكل الذي يؤمن للفلسطينيين جميع احتياجاتهم الثقيلة والخفيفة، وكل متعلقات الحياة لهم وللاقتصاد الفلسطيني، من خلال معبري كرم أبو سالم وقرني. وأضيف أن ثمة حاجة لتوسيع المعبرين، وحاجة لفتح بقية المعابر. وهناك وعي لحاجة الفلسطينيين لأمرين: الأول، ألا يقتصر الأمر على تسهيلات الاستيراد، بل أن يتناول أيضا عمليات تصدير البضائع الفلسطينية، «وهذا كان طرح رئيس الحكومة الفلسطينية سلام لفياض، وطرحي أنا». والأمر الثاني، إتاحة الفرصة للفلسطينيين لتكون لديهم الممرات الآمنة، التي تصل قطاع غزة بالضفة الغربية والعكس. وإذا ما تحقق هذا الأمر، فهو سيربط الشعب الفلسطيني بإقليميه، وبالتالي نستطيع أن نحافظ على حلم الدولة الفلسطينية الموحدة.

ومن جانبه، يتحدث الجانب الأوروبي عن الآليات التي يمكن أن توضع لتأمين وجود مراقبين أوروبيين يراقبون ما يحدث، لتفادي أن تزعم إسرائيل في لحظة ما أن هناك عمليات استفزازية تحصل في قرني أو كرم أبو سالم من أجل إعادة إغلاق المعابر، وهذا أمر لا يمكن السماح به مرة أخرى.

* ولكن هل مصر مستعدة للعودة إلى الصيغة التي كانت قائمة في السابق والناظمة للعبور في رفح؟

- مصر توافق على العودة إلى صيغة 2005. ولكن من أجل هذا الغرض يجب عودة السلطة الفلسطينية التي كانت أحد الموقعين على الاتفاق، مما يعني أن توجد السلطة مجددا على المعبر من الجانب الفلسطيني، لكي تؤمن مصالح الفلسطينيين. وإذا ما طرح الأوروبيون هذا على الفلسطينيين، وقبلوه، فليكن؛ إذ نحن لا نمانع على الإطلاق أن نأخذ في الحسبان أن مصر تقوم من جانبها في الوقت الحاضر بالسماح لكل الفلسطينيين بالعبور من وإلى غزة، في غياب أي رقابة أوروبية أو إسرائيلية، مثلما كان الأمر معمولا به في السابق. وأذكر هنا أن حركة الفلسطينيين من وإلى غزة كانت تتم تحت رقابة الأوروبيين، وباطلاع كامل من قبل الإسرائيليين، وكان الإسرائيليون قادرين على منع أي شخص لا يرغبون في دخوله عن طريق طلب ذلك من الأوروبيين والفلسطينيين.

* أنت من أكثر المطلعين على دقائق الملف الفلسطيني والمفاوضات السابقة والحالية؟

- أبو الغيط مقاطعا: البعض في حماس لا يرى ذلك. سجلها.

* أكمل السؤال: هل المفاوضات الجارية منذ شهرين بوساطة السيناتور ميتشل حققت نتيجة ما، أم أنها تدور في حلقة مفرغة؟

- هذه المفاوضات لم تحقق شيئا حتى الآن، والوقت يمر، والنافذة المفتوحة تقترب من الانغلاق. وهذا وضع الفلسطينيين والأميركيين والعرب في موقف حرج، وأتصور أن هناك حاجة لتحرك عاجل لجميع الأطراف، لكي تفرض على إسرائيل أن تتحدث بمصداقية وتتعامل مع الأسس الحقيقية لجوهر النزاع. أما الاستمرار في هذه المراوغة، واللف والدوران حول أن نتحدث عن مياه وبيئة ومناخ وأمور ثانوية، فهذا لا يمثل تقدما للمفاوضات، وبالتالي لا يشجع سواء القيادة الفلسطينية، ولا الوزراء العرب لدى اجتماعهم التقييمي في شهر سبتمبر (أيلول) القادم على المضي في تحويل المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة.

الجميع يطالب بمفاوضات مباشرة. ولكن ألا يتطلب ذلك أن تخلص النوايا، ويتبين أن إسرائيل عندها النية فعلا لنقاشات جادة، مثلما كان الأمر بين رئيس الوزراء السابق أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث تناولا فلسفة التسوية وعناصرها، ودخلوا في مناقشة قضايا الحدود والأرض والأمن والدولة الفلسطينية القابلة للحياة، وذهبوا أبعد من ذلك إلى التفاصيل.

جميع المؤشرات لا تدل على أننا على الطريق السليم، وبالتالي سوف نصل في لحظة ما إلى مرحلة الأزمة. وآمل أن تعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن ثمة مسؤولية تقع على عاتقهما من أجل دفع الأمور إلى فرض رؤية مختلفة على الجانب الإسرائيلي، وإلا سوف تتعقد المسائل لأن العرب سيبحثون عن خيارات أخرى.

* كيف تقيم الأداء الأميركي وطريقة عمل ميتشل في طريقة إدارة المفاوضات؟

- ميتشل لديه تجربة لسنوات تفاوض خلالها بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا الشمالية، وبين أيرلندا وبريطانيا، وكافة العناصر الخاصة بتلك الأزمة، وبالتالي ميتشل يسعى لإعادة إنتاج هذا النهج القائم على توجيه أسئلة تفصيلية، لكي يتلقى إجابات تفصيلية, ثم ينظر في إجابات كل طرف، ويبحث في المسائل التي يمكن تضييق الخلاف بشأنها، تضييق الهوة بين الأطراف, ثم يبادر إلى توجيه أسئلة تطرح أفكارا، لعل بعضهم يأخذ هذا الموقف ويرد عليه بالشكل الذي يؤمن له بناء موقف متكامل. وهذا النوع من تناول المشاكل أحيانا كثيرة يحقق النجاح، ولكن أحيانا كثيرة بعد مرور نصف عقد أو عقد. هذا منهجه. أما الجانب الآخر من الموضوع الأميركي فهو أن الرئيس الأميركي يسعى لفرض رؤية على الإسرائيليين. لكن للأسف، رئيس الوزراء الإسرائيلي يسافر إلى واشنطن ويلتقي بالرئيس, وينقل إلينا أن الرئيس كان حادا، وأنه قام بتأنيب نتنياهو، أو أنه وجه انتقادات وطرح مواقف، ونتصور جميعا أن الأمور سوف تتغير.. ثم يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتعود إسرائيل للمناورات والالتفاف حول الموقف الأميركي، وتجييش عناصر في الكونغرس لانتقاد السياسة الأميركية، فتظهر مشكلة في العلاقات الأميركية مع دولة ما، أو تطفو على السطح أزمة اقتصادية أو بيئية.. وتدير الإدارة الأميركية انتباهها إلى شيء آخر.

والحال أن الأوضاع ضاغطة وخطيرة. إسرائيل تستحوذ على الأرض، وتطرد السكان من القدس الشرقية، وتستمر في عمليات الاستيطان. والمنافسات بين الفلسطينيين ما زالت قائمة ومستشرية. الفلسطينيون تتنازعهم تيارات كثيرة، وبالذات في غزة، وكلها مسائل تثير القلق الكبير. الفلسطينيون دفعوا ثمنا كبيرا، ومعهم المناصرون من أهل مصر، ومن بلدان عربية. وكل هؤلاء يشعرون بالأسى لما وصلت إليه الأوضاع الفلسطينية.

* قلت أول من أمس إن العرب سيتوجهون إلى الأمم المتحدة؟

- الوزير المصري مقاطعا: هذا قرار عربي.

* السؤال هو: هل لمستم تفهما أوروبيا، ولا أقول أميركيا، لأننا نعرف أن أميركا معارضة لمثل هذا التوجه، هل يمكن الحصول على دعم أوروبي؟

- أستشعر من واقع مناقشاتنا مع الجانب الأوروبي، أنه يتفهم أنه عندما تغلق جميع الأبواب يتعين عليهم أن يفتحوا بابا، ويجتهدوا لتمكين العرب من التحرك في اتجاه ما. موراتينوس وكوشنير تحدثا عن قيام الدولة الفلسطينية، وسألنا على أي أسس تقوم..؟! في تقديرنا أنه لكي تعلن الدولة الفلسطينية بقرار دولي، مثلما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 1515، يتعين أن يتبنى المجتمع الدولي قيام الدولة، ويعترف بحق الفلسطينيين في الحياة ككل الشعوب، وبعد ذلك نضع داخل القرار الدولي (قرار مجلس الأمن) فقرة تنص على إقامة دولة فلسطينية تقوم على: العيش بسلام مع جارتها إسرائيل، عدم تهديد الأمن الإسرائيلي، حق الفلسطينيين في دولة تقام على حدود 4 يونيو (حزيران)، الحق في أخذ المبادرة العربية في الحسبان، أي مبدأ الأرض مقابل السلام، وتسوية مشكلة اللاجئين بشكل عادل، وربما ينظر في مسألة استخدام قوات دولية من العالم الغربي، ومن أنحاء مختلفة من العالم، للوجود في المناطق التي تستشعر إسرائيل أن ثمة تهديدات يمكن أن تأتي منها، وبرضا السلطة الفلسطينية. كل هذه المسائل يمكن أن ترد في قرار شامل وكامل من مجلس الأمن.

* السؤال هو: هل تستطيع الولايات المتحدة أن تمضي في مثل هذه الطريق؟

- آمل ذلك. هل يستطيع الأوروبيون؟ بالتأكيد يستطيعون، خاصة إذا ما ابتعدنا عن تأثيرات بعض الأوروبيين في علاقاتهم مع إسرائيل. وفي هذه الحالة، ما أسهل أن نقول: لننفذ البيان الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول). بعد ذلك يمكن أن نمضي في بناء قدرات الدولة الفلسطينية وتمكين الفلسطينيين من الظهور كمجتمع وشعب قادر على إدارة شؤونه وممارسة حقوقه. وعندما نستكمل جميع العناصر، من خلال مفاوضات مباشرة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتلتزم إسرائيل بمتطلبات القرار، وهو وقف الاستيطان بشكل كامل، وعدم الافتئات على حق الفلسطينيين في القدس الشرقية.. وكلها عناصر إذا صدرت في قرار من مجلس الأمن الدولي، فسيكون من الصعب على إسرائيل أن تتحدى إرادة المجتمع الدولي.

* الرئيس الفلسطيني كان قبل أسابيع في باريس، وسألت معاونين له حضروا لقاءاته في واشنطن عما إذا كان الرئيس أوباما تحدث عن خطة بديلة للسلام، أو إن كانت لدى الإدارة خطة بديلة، وكان الجواب: لا خطة بديلة. هل معلوماتكم تتوافق مع هذا القول؟

- أؤكد لك أن الجانب الأميركي لن يكشف عن خططه البديلة في المرحلة الحالية. ولكن سوف يسعى لتحقيق بعض النجاحات بما يؤدي إلى الانتقال لمحادثات مباشرة. وإذا لم يتحقق هذا الهدف، أستطيع أن أؤكد أن الخطة البديلة ستظهر. أعتقد أن هناك خطة «أميركية» بديلة، وأعتقد أن لدي فكرة عما يمكن أن يسعى إليه الأميركيون، ولكن لست في الوضع الذي يمكن أن أتحدث فيه الآن.