وفاة شقيق بوتفليقة تعجل بانفراج الأزمة بين الجزائر ومصر

مبارك زار العاصمة الجزائرية وقدم العزاء

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لدى استقباله الرئيس المصري حسني مبارك في مطار هواري بومدين بالجزائر أمس (رويترز)
TT

بعد توتر حاد بين البلدين على مدى الأشهر الماضية، شهدت حملات إعلامية متبادلة، قام الرئيس المصري حسني مبارك أمس بزيارة الجزائر لتقديم واجب العزاء للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في وفاة شقيقه الدكتور مصطفى بوتفليقة، في بادرة يرى المراقبون أنها قد تؤدي إلى تهدئة التوتر تماما بين البلدين وإعادة لحمة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل أحداث مباراة منتخبي البلدين في أم درمان بالسودان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في تصفيات كأس العالم.

وأنهى الرئيس المصري زيارة إلى الجزائر دامت يوما واحدا، خصصها لتقديم التعازي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إثر وفاة شقيقه وطبيبه الخاص مصطفى بوتفليقة. وجاءت الزيارة لتعكس إرادة أظهر الطرفان خلالها حرصهما للخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه العلاقات الثنائية بسبب الحدث الكروي. وقال الرئيس مبارك للصحافيين بعد انتهاء مباحثاته مع بوتفليقة إن اللقاء «تناول العلاقات العربية والأفريقية وقضية توسيع مجلس الأمن وجميع القضايا التي تهم الجزائر ومصر كدولتين عربيتين وأفريقيتين».

وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط للصحافة بمطار هواري بومدين الدولي، إن «البلدين والشعبين يملكان رغبة أكيدة للمضي في بناء علاقة قوية تدافع عن حقوق العرب وأمن المنطقة». وأوضح أبو الغيط الذي زار الجزائر مرافقا للرئيس حسني مبارك، أن «اللقاء الذي جمع الرئيسين بوتفليقة ومبارك في قمة فرنسا أفريقيا نهاية مايو (أيار) ومطلع يونيو (حزيران) الماضيين، واللقاء الذي جرى بينهما أمس، يعكسان رغبة أكيدة منهما ومن الشعبين والدولتين والحكومتين، للمضي قدما في الدفاع عن حقوق العرب وعن أمن هذا الإقليم». وأضاف: «إن الجزائر ومصر شقيقان، عملا معا على مدى 60 عاما، وهذه الزيارة هي زيارة مودة ومجاملة، وعلينا أن نأخذها في هذا الإطار».

وتنقل بوتفليقة في الصباح إلى المطار حيث استقبل نظيره المصري الذي جاء معزيا في وفاة مصطفى بوتفليقة شقيق الرئيس الذي شيعت جنازته أول من أمس. وتوجه الرئيسان إلى الإقامة الرئاسية في زرالدة (30 كلم غرب العاصمة)، حيث «تحادثا على انفراد» بحسب وكالة الأنباء الجزائرية. ولم يتسرب أي شيء من لقاء القمة الذي لم يتوقعه أي أحد، بمن فيهم أكثر المتفائلين بانفراج الأزمة بين البلدين.

وأجرى وزير الخارجية مراد مدلسي مباحثات مع أبو الغيط، تناولت حسب مصادر دبلوماسية جزائرية، مستقبل العلاقات البلدين. وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الأزمة الكروية وتوابعها لم يكن لها أي أثر في المباحثات، ما يوحي حسبها بوجود «إرادة سياسية قوية من الجانبين» لتجاوز حالة الاحتقان غير المسبوقة التي عرفتها العلاقات الجزائرية المصرية بسبب حالة الشحن التي سبقت وأعقبت الحدث الكروي الذي جرى على مرحلتين في نوفمبر الماضي.

الرئيس مبارك كان قد أعلن في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وخلال لقاء شعبي أنه لا يريد مشكلات مع الجزائر لأنها دولة عربية شقيقة. وتعتبر زيارته مفاجئة لغالبية الجزائريين حتى وإن كانت مؤشرات انفراج الأزمة لاحت في الأفق، على خلفية ظهور الرئيسين في قمة فرنسا أفريقيا في نيس بفرنسا الشهر الماضي. وقبلها كان بوتفليقة قد راسل مبارك مطلع فبراير (شباط) الماضي يتمنى له الشفاء مباشرة بعد خضوعه لعملية جراحية بألمانيا. وحملت الرسالة الكثير من عبارات الود، ما ترك انطباعا لدى الرأي العام المحلي بأن الجزائر لا تمانع من حيث المبدأ أن تبادر بخطوة نحو مصر تثبت رغبتها في إزالة الاحتقان.

ومن بين ما جاء في تلك الرسالة: «لقد بلغني نبأ إجرائكم العملية الجراحية التي كللت بالنجاح فأبيت إلا أن أهنئكم داعيا الله العلي القدير أن يلهمكم صبرا جميلا لتجاوز هذه الوعكة الصحية، وأن يكتب لكم الشفاء العاجل.. وإذ أعرب لفخامتكم عن تعاطفي في ما ألمّ بكم أدعو الله أن يديم عليكم نعمة الصحة والعافية ويحفظكم من كل مكروه».

يشار إلى أن الرئيس مبارك كان أول رئيس دولة يزور بوتفليقة في يناير (كانون الثاني) 2006 للاطمئنان على صحته بعد خضوعه لعملية جراحية بفرنسا، نهاية 2005، إثر نزيف حاد في المعدة.

وحول القراءة التي يعطيها لزيارة مبارك، يقول محمد خوجة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، المتخصص في العلاقات الدولية، لـ«الشرق الأوسط»: «توجد مصالح بين الجزائر ومصر أكبر من أن تتأثر لمجرد وقوع مشاحنات تسبب فيها إعلاميون من الجهتين والجماهير الكروية هنا وهناك». وأضاف: «الانفراج الذي تحمله زيارة مبارك كان متوقعا بحكم الرصيد الذي تملكه العلاقات بين دولة في وزن وثقل الجزائر بالمغرب العربي، ووزن وثقل مصر في المشرق العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام». ويرى خوجة أن «التصالح بين البلدين بدأ شوطه الأول في قمة فرنسا أفريقيا، ونشهد حاليا شوطه الثاني. أما ما سماه البعض أزمة أو هزة عرفتها العلاقات الثنائية، فهي لا تعدو أن تكون نزاعا تغلبت عليه العاطفة الشعبية ثبت بمرور الوقت أنه ظرفيّ وسهل تجاوزه، كما أن قيادتي البلدين أدركتا جيدا أن العلاقات العربية لا تتحمل تصدعا بين دولتين كبيرتين».