مصادر: طهران تلاحق معارضيها الفارين إلى العراق وسورية ولبنان

أحدهم قال في رسالة لـ «الشرق الأوسط» : مخابرات إيران استجوبتني في البقاع

المعارض الإيراني محمد بطيلي قبل احتجازه في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

مئات الناشطين المعارضين للسلطات فروا من إيران في الطريق إلى أوروبا وأميركا، عبر العراق فسورية ولبنان، لكن بعضهم لم يتمكن من الابتعاد كثيرا. تم التقاطهم في هدوء، وإعادتهم إلى موطنهم ليواجهوا أحكاما بالحبس تصل إلى ثلاثين عاما، أو الإعدام. حسب ما يقول معارضون إيرانيون.

وقبل يومين دخل رجال أمن إيرانيون إلى سجن في منطقة بدولة لبنان يهيمن عليها حزب الله الموالي لطهران، وقاموا باستجواب معارض إيراني يدعى محمد بطيلي. وتمكنت إيران أيضا من تسلم عدد من معارضيها من سورية، حسب روايات المصادر المعارضة كما التقطت عناصر أخرى من العراق، في وقت تريد فيه على ما يبدو استعادة هؤلاء المعارضين قبل أن يتمكنوا، عن طريق المفوضية العليا للاجئين من العبور إلى أوروبا، والعمل من هناك ضد البلاد التي تواجه ضغوطا دولية بسبب طموحاتها النووية. وقال بطيلي المحتجز حاليا في سجن زحلة في لبنان إن عناصر من المخابرات الإيرانية العاملين في السفارة الإيرانية في لبنان، تمكنوا من دخول السجن، تحت زعم أنهم من عائلته، لمرتين متتاليتين، وحققوا معه تحقيقا أمنيا، وقال في رسالة حصلت «الشرق الأوسط»على نسخة منها أمس «تم استجوابي وتهديدي، وأنا في سجن دولة لبنان المستقلة. هذا تجاوز خطير للأمن الإيراني في الشأن اللبناني».

ومر بطيلي، وهو من منطقة الأحواز غرب إيران، مثل عشرات من المعارضين الإيرانيين، على العراق فسورية ثم أخيرا لبنان التي دخلها منتصف العام الماضي، حيث تم قبوله كلاجئ من قبل مكتب المفوضية لشؤون اللاجئين في لبنان. وأضاف المعارض الإيراني البالغ من العمر 29 عاما، أنه.. «وبتاريخ 2/6/2010 تم اعتقالي من قبل الأمن اللبناني رغم أنني كنت أحمل ورقة الحماية من المفوضية (رقمها 245 - 09C00593)». ووجهت السلطات اللبنانية لبطيلي تهمة الدخول غير الشرعي إلى الأراضي اللبنانية».

وذكرت منظمة العفو الدولية أن مسؤولين بالسفارة الإيرانية في بيروت زاروا سجن زحلة واستجوبوا بطيلي مرتين لمدة طويلة «حول نشاط والده السياسي وكذلك نشاط الجالية الأحوازية في كل من سورية ولبنان. ونفت مصادر قريبة من السفارة الإيرانية في لبنان هذه الأنباء، وقالت إنها تراعي الأصول الدبلوماسية في التعامل مع لبنان.

ويخشى والد محمد بطيلي، وهو معارض إيراني سبق أن أمضى وزملاء وأقارب له نحو 15 سنة في سجون طهران، واسمه طاهر هادي بطيلي، من استمرار اصطياد المعارضين لإيران في مناطق يهيمن عليها «أصدقاء لإيران بالعراق وسورية ولبنان». وقال الوالد لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مكان ما في لبنان إن نجله هرب من غرب إيران إلى سورية، ثم واصل هروبه إلى لبنان، «بعد أن سلمت دمشق عددا من المعارضن لإيران». وأفاد بطيلي الأب أن رجال الأمن الإيرانيين الذين استجوبوا ابنه في سجن زحلة بلبنان، كانوا يريدون جمع معلومات منه عن المعارضين للنظام الإيراني سواء في لبنان أو سورية أو العراق، مشيرا إلى أن منطقة وادي البقاع (شرق لبنان) التي يقع بها سجن زحلة تعتبر منطقة نفوذ لحزب الله أحد أكبر الموالين لطهران. ومن مكان ما في سورية تحدث معارض إيراني شرط عدم تعريفه حتى لا يتعرض للاعتقال. وقال عبر الهاتف: «كل شيء يحدث وينتهي في صمت. منذ نحو ثلاثة أسابيع جرى تسليم معارض لإيران يدعى شرهاني أبو توفيق». وأضاف المعارض الإيراني أن من بين زملائه الذين تم تسليمهم لطهران في الفترة الأخيرة، وتم الحكم عليهم بالسجن في إيران: سعيد حمادي (كان لاجئا، وحاليا في سجن أفين بطهران)، ورسول مزرعة (محكوم عليه بالسجن 25 سنة في سجن بمدينة جدسران بإيران)، وأبو نضال (حكم عليه بالسجن 15 سنة في سجن بمدينة بيبيان)، ومعصومة الكعبي، مع أولادها الخمسة (3 بنات وولدان، وهي مسجونة حاليا في سجن سبيدان غرب إيران لمدة 4 سنوات)، وفالح عبد الله المنصوري (يحمل الجنسية الهولندية، وحاليا محكوم عليه 35 سنة سجنا في سجن أفين أيضا)، وكذلك محمد، وشهيد العموري، وغيرهم.

ويعد معارضون لسلطات طهران، الدقائق والساعات، وهم ينتظرون مع عوائلهم الانتقال إلى أوروبا، وذلك بعد نجاحهم في الفرار من الحدود الإيرانية الغربية في الطريق إلى البحر المتوسط شرقا، وذلك عبر الدول التي لا تمنع دخول الإيرانيين إلى أراضيها، وعلى رأسها العراق وسورية ولبنان، عكس الأردن التي تضع نظاما صارما لدخول أي مواطن إيراني لأراضيها، سواء كان معارضا أو غير معارض. وما زال مئات الفارين من إيران يقيمون في «مخيم الوليد للاجئين» الذي يبعد نحو خمسة كيلومترات عن البوابة الحدودية بين العراق وسورية، بعد أن تعرض بعضهم للتصفية الجسدية من عناصر يشتبه أنها موالية لطهران في بغداد. وجرى قبل يومين مداهمة المخيم بحثا عن معارضين لإيران.. وقال ناشط سياسي من المعارضين القادمين من غرب إيران، إلى المخيم، في اتصال عبر الهاتف مع الـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم تعريفه: «فوجئنا مساء الجمعة الماضي بقوة كبيرة من شرطة الوليد العراقية، تقتحم المخيم وتستهدف المعارضين الإيرانيين فقط. لم نمكنهم من الاستمرار في استباحة المخيم لأنه منطقة دولية». وأضاف: «جمعوا الأطفال والنساء في وسط المخيم وفتشوا أغراضهم، بما فيها الأغراض الشخصية مثل حقائب اليد وغيرها.. وانسحبوا بعد أن أخطرهم مسؤول اللاجئين في المخيم، ويدعى رسول محمد العامري، بخطأ ما يقومون به لأنه كان ينبغي أن يكون بصحبتهم مرافقون من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (المعنية بشؤون العراق)، ومقرها الأردن». وفي تفسيره لهذه الواقعة قال أحد الإيرانيين المسؤولين عن مخيم الوليد: «معلوم مدى التغلغل الإيراني في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.. أعتقد أن الهدف من محاولات إخراجنا من المخيم، تسهيل مهمة عملاء طهران لاصطيادنا، وإعادتنا إلى سجون إيران، ومواجهة أحكام تصل إلى حد الإعدام»، مشيرا إلى أن قوات أمن عراقية طردت منذ نحو سنة ثلاثة معارضين لطهران من المخيم، وحكمت السلطات الإيرانية على كل منهم بالسجن لمدة عشر سنوات، وهم: سيد صادق الموسوي وعارف الكعبي وأحمد الخزرجي. وتدافع الدول التي تربطها علاقات مميزة مع إيران، كالعراق وسورية إضافة لحزب الله اللبناني، عن متانة العلاقة التي «تقوم على التعاون». وبالنسبة لقضية اللاجئين من المعارضين الإيرانيين، ترى تلك الدول، بما فيها لبنان، أن ما تقوم به لا علاقة له بالتوجهات السياسية «لمن يقيمون بشكل غير شرعي على أراضيها»، فيما يقول مسؤول بوزارة الهجرة والمهجرين العراقية إن حكومة بغداد تحاول جمع اللاجئين إلى أقرب مركز خدمي لتوفير حياة كريمة لهم، مشيرة إلى أن الإيرانيين بمخيم الوليد «يصرون على البقاء هناك أملا في الانتقال إلى أوروبا». وعادة ما تتهم طهران معارضيها بأنهم إما انفصاليون وإما منقلبون على الثورة الإسلامية الإيرانية التي تحكم البلاد منذ عام 1979. وبينما أرجأ مسؤولون بمكتب مفوضية اللاجئين في الأردن الرد على أسئلة «الشرق الأوسط»، حتى مساء أمس، علقت منظمة العفو الدولية على واقعة احتجاز بطيلي بقولها إنها تخشى عليه من خطر التعذيب وربما عقوبة الإعدام في حال إعادته إلى إيران.